اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٥ أيلول ٢٠٢٥
في زمن تتسارع فيه الاكتشافات العلمية والتكنولوجية بشكل مذهل، تتناقل المحطات الاعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي أخباراً صادمة حول تجارب علميّة تفيد بتأكيد عمليّة حمل الروبوتات بأجنّة، وولادة الطفل منها بديلاً عن المرأة. وبينما يتسابق البعض إلى الاحتفاء بما يصفونه بـ'المعجزة العلمية'، تغيب النقاش الجاد عن الأبعاد اللاهوتيّة والإنسانية والاجتماعية لمثل هذه المحاولات، في ظل صمت شبه تام من المسؤولين والمرجعيات الدينية التي لطالما شكلت صوتاً في مواجهة الانزلاقات الأخلاقية.
تفرض الأسئلة الكبرى نفسها هنا: أين مفهوم الخلق الرباني من ذلك؟ كيف يتكوّن مفهوم الايمان بالله لمن يولَد من روبوت؟ ما معنى أن يولَد إنسان من آلة لا قلب لها ولا دم، لا دفء فيها ولا رائحة أمومة؟ كيف تكون الحالة النفسية لطفل لم يسمع دقات قلب أمه في أحشائها، ولم يتغذَ من دمها، ولم يتعرّف إلى لمسة جسدها وحنانها منذ اللحظة الأولى لتكوينه؟ إن هذه التفاصيل الدقيقة، التي قد يراها البعض أموراً عابرة، تشكّل في علم النفس وعلم الاجتماع ركائز أساسية في بناء الهوية العاطفية والنفسية والاجتماعية للإنسان. فالجنين يبدأ تواصله مع الحياة عبر رحم الأم: يسمع صوتها ويشعر بحركتها، ويتأثر بسلوكياتها وحالتها النفسية والبيولوجيّة، ويتكوّن لديه شعور مبكر بالانتماء والارتباط العاطفي. فكيف يمكن لآلة جامدة أن تعوّض كل ذلك؟
المخاطر لا تتوقف عند حدود الحالة النفسية للطفل فحسب، بل تمتد إلى المجتمع بأسره وايمانه بحضور الله في الخلق. إذ أننا أمام احتمال انهيار منظومة القيم الدينية والأخرى الأسرية التي يقوم عليها البناء الاجتماعي. ماذا لو باتت المرأة مستبعدة من أسمى وظائفها البيولوجية والإنسانية – أي الحمل والولادة؟ كيف سيتغير مفهوم الأسرة؟ وأين يصبح دور الأب وصورته وواجباته؟ ومن سيكون المرجع العاطفي الأول للطفل؟ وهل نكون بذلك أمام جيل من البشر بلا جذور وجدانيّة، مقطوع الصلة بعلاقة الدم والرحم والخالق، لا يعرف معنى الدفء العائلي، أقرب الى الآلة والوحشيّة والغرائزية الحيوانيّة، بعيدًا عن اختباره أول رابط عاطفي طبيعي/انساني في الحياة؟
هذا السيناريو اليوم، الذي قد يراه البعض خيالاً علمياً، لم يعد بعيداً من الواقع في ظل سباق بعض المختبرات العلمية على كسر الحدود الأخلاقية للطبيعة البشرية. فالتكنولوجيا تثبت يومًا بعد يوم انها ليست دائمًا أداة خير للانسان، بل تتحول إلى سلاح للهدم خارج إطار الضوابط الإنسانية والدينية والأخلاقية وحتى القانونيّة. والتاريخ القريب يثبت أن كثيراً من الابتكارات التي ظهرت باسم التقدم العلمي، تحوّلت إلى أدوات للعنف والاستغلال والسيطرة، من القنبلة الذرية إلى الذكاء الاصطناعي المستخدم اليوم في التضليل والتزوير والابتزاز والسرقة والقتل والهيمنة الرقمية.
من هنا نداؤنا الى رجال الدين بعدم السكوت والتصدي لهذه الظاهرة بالنقد والتنبيه، قبل أن يُفتح الباب أمام أخطار غير محسوبة على مستقبل الإنسان والمجتمع ومفهوم الايمان الديني نفسه. فالمسألة ليست مجرد تجربة مخبرية، بل هي مساس بجوهر اللاهوت والديانات السماويّة والأخلاق والبناء الاسري الذي يحفظ استقرار المجتمعات ومعنى الإنسان الذي لا يمكن للآلة او العلم أن يصطنعه مهما بلغ من التطور.
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة لإطلاق نقاش واسع يتخطى حدود المختبرات نحو ساحات الفكر والدين والمجتمع؛ نقاش يضع الإنسان في مركز الاعتبار، ويؤكد أن العلم وسيلة لخدمة الحياة لا لاستبدالها، وأن التكنولوجيا يجب أن تبقى أداة للارتقاء بالكرامة الإنسانية، لا لهدمها وتشويه جوهرها. فالتحدي الأكبر اليوم ليس في قدرة الروبوتات على الإنجاب، بل في قدرة الانسان على أن يقول' لا 'حين يتحول التقدم إلى تهديد لكينونته وجوهر إنسانيته!











































































