اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٩ أيلول ٢٠٢٥
في اليوم الدولي للسلام بتاريخ 20/9/2025، نجد أنفسنا أمام مناسبة تتجاوز رمزية التاريخ والتقويم العالمي. فهي دعوة صادقة للتأمّل في معنى السلام الحقيقي، الذي لا يقتصر على غياب الحرب أو النزاع بين الدول، بل يشمل احترام الإنسان، العدالة، وحماية حقوق الإنسان الأساسية. كمحامٍ وناصري، أرى أن السلام مسؤولية جماعية قبل أن يكون خياراً فردياً، ومسؤولية الدولة قبل أن تكون مجرد أمل لدى المواطنين.
السلام ليس شعاراً يرفع في يوم محدد، بل هو ممارسة يومية تتطلب شجاعة ومواقف حقيقية في مواجهة العنف والشراسة. وما نراه اليوم من صراعات، نزاعات، أو مظاهر العنف داخل المجتمعات هو اختبار مباشر لقوة مؤسسات الدولة، لقانونها، وللوعي الوطني. لذلك، تأتي رسالتي لكل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، لكل المؤسسات الإعلامية، ولكل المواطنين: لا يكون السلام مجرد كلمات، بل يتطلب إجراءات ملموسة، مواقف واضحة، والتزاماً يومياً بالقانون وبالعدالة.
تعلّمت أن العدالة ليست فقط واجباً أخلاقياً، بل حماية عملية لحقوق الإنسان، وسدّ لمنع الانتهاكات. وكل مواطن ناصري يعرف أن العدالة الاجتماعية هي الأساس لبناء مجتمع متماسك وسليم، وأن الاستقرار الوطني والسلام لا يتحققان إلّا عبر احترام القانون، حماية الحقوق، وتمكين المواطن من حقوقه المشروعة. الدفاع عن السلام اليوم يعني الدفاع عن القيم الأساسية للعدالة، عن الكرامة الإنسانية، وعن حقوق الأفراد في العيش بأمان وحرية.
إن السلام يبدأ من داخل المجتمع نفسه، في تعاملنا مع بعضنا البعض، وفي احترام التنوّع الديني والثقافي، وفي رفض العنصرية والكراهية، وفي محاربة الظلم بكل أشكاله. كل فعل صغير من هذا النوع يشكّل لبنة أساسية في بناء مجتمع يسوده الأمن والعدل، ويجعل العنف والشراسة أمراً مرفوضاً لا مكان له في حياتنا اليومية. فعندما نقف ضد الاعتداء على حقوق الآخرين، نحن لا ندافع عن القانون فقط، بل نساهم في نشر ثقافة السلام التي يجب أن تمتد إلى كل أركان الحياة الاجتماعية والسياسية.
وقد أكد القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة على أن حماية حقوق الإنسان وحفظ السلم العالمي هما واجب مشترك. فالسلام لا يمكن أن يتحقق إلّا بالعدل، ولا يمكن أن يستمر إلّا باحترام حقوق الإنسان وكرامته. وفي لبنان، كما في كل الدول، تقع على عاتقنا مسؤولية العمل على تطبيق هذه المبادئ، ومناهضة كل أشكال العنف، سواء كانت جسدية أو معنوية أو اقتصادية، لضمان مجتمع متماسك وآمن.
إن محامياً يناضل دفاعاً عن الحق والعدل لا يمكنه أن يغض الطرف عن الانتهاكات، كما أن الناصري الذي يؤمن بالوحدة الوطنية يدرك أن البناء الحقيقي للأمة يحتاج إلى التزام بالقانون، حماية للفقراء والمستضعفين، ومقاومة لكل أشكال الفساد والاستغلال. لذلك، فإن الدفاع عن السلام والعدالة اليوم هو دفاع عن لبنان، عن هويته الوطنية، وعن مستقبل أجياله القادمة.
في ختام كلمتي، أؤكد أن اليوم الدولي للسلام ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو دعوة للعمل الجاد، لتكريس حقوق الإنسان، لمناهضة العنف، ولإعادة بناء مجتمع متماسك يسوده الاحترام، القانون، والمبادئ الوطنية التي نؤمن بها جميعاً. فلنكن جميعاً رسل سلام، بالموقف والكلمة والعمل، ولنثبت أن الشراسة والعنف لا يمكن أن ينتصرا أمام إرادة الإنسان الحرّ والملتزم بالعدالة.
السلام مسؤولية جماعية، والعدالة طريقنا لبناء مجتمع يتّسم بالأمن والكرامة، حيث يعيش كل فرد بأمان وحرية، ويحظى بحماية القانون والمجتمع. فلتكن رسالتنا اليوم، ولكل يوم، أن نرفض الظلم، نرفض العنف، ونعمل بلا كلل على تحقيق السلام الحقيقي الذي نحلم به جميعاً.
* أمين عام اتحاد المحامين العرب (سابقاً)