اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٥
بيروت ـ بولين فاضل
في بلد وثيقة فيه علاقة الاقتصاد بالسياسة، تبدو الإصلاحات الاقتصادية والمالية مرتبطة حتى العظم بالإصلاحات السياسية، ويكفي أن المجتمع الدولي يريد للبنان أن يقطف ثمارها بعد إنجازه ما هو مطلوب منه في السياسة.
بهذه النظرة، يتعامل المسؤولون والخبراء في لبنان مع مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي كانت بدأتها الدولة اللبنانية لإتمام اتفاق معه يحتاجه البلد ممرا إلزاميا لاستعادة الثقة الدولية، التي من دونها لا مساعدات ولا قروض ولا استثمارات دولية للبنان.
ومع عودة الوفد اللبناني الرسمي من واشنطن إلى لبنان بعد مشاركته في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وحمله جردة بما أنجزه حتى اليوم من إصلاحات مالية بناء على طلب الصندوق، ثمة من انتهى إلى قناعة بأن تشدد الصندوق في التفاوض وإفراطه في الطلبات التقنية، ليسا سوى انعكاس لتشدد المجتمع الدولي في المطالب السياسية ولاسيما لجهة مسألة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
الخبير والكاتب الاقتصادي أنطوان فرح تناول في حديث إلى «الأنباء» التصلب التقني من جانب صندوق النقد الدولي، فقال «تمر المفاوضات مع الصندوق بمرحلة صعبة، إذ إن هناك أولا شروط الصندوق التي لاتزال متصلبة، فيما نقطة الخلاف الأساسية بينه وبين لبنان الرسمي تتعلق بطريقة المعالجة، بمعنى أن الصندوق الذي كان اعترف بأن الأزمة اللبنانية هي أزمة غير مسبوقة وعلى مستوى النظام المالي وتقتضي حلولا استثنائية، يسعى إلى تطبيق القوانين والمعايير العادية المعتمدة لحل الأزمات العادية من أزمات مصرفية وعجز في المالية العامة في الدول، في حين أن أزمة لبنان هي استثنائية».
وكشف أنه «في مفاوضات واشنطن الأخيرة عاد الصندوق وطرح علامات استفهام حتى على خطة الودائع أو توزيع الخسائر. في حين أنه كان سبق أن اعتمدت ثلاثة مبادئ في ملف الودائع، هي الودائع غير المشروعة التي يمكن أن تطالها اتفاقات معينة أو حسومات أو إلغاء تبعا لكل وديعة. والودائع التي تم تحويلها من الليرة اللبنانية إلى الدولار بعد أزمة 17 أكتوبر، والودائع التي لحقتها فوائد مرتفعة. ويتشدد الصندوق في هذه المسائل ويعتبر أنه لا يفترض التعامل معها كحالات خاصة». وبحسب فرح، فإن «المشكلة تكمن في عدم توافر الأموال لحل الفجوة المالية. وحين يجري الحديث عن فجوة سيعود حجمها إلى 80 مليار دولار تدفع كلها بالدولار، يصبح الحل أصعب. وإذا كان الحديث في السابق عن 100 الف دولار هي الحد الأدنى الذي سيدفع لكل مودع، فإن هذا الرقم سينخفض في هذه الحال إلى 50 الفا».
وإذا كان معلوما أن صندوق النقد عاد وتشدد ووضع ملاحظات على دين الدولة لمصرف لبنان وقانون إعادة هيكلة المصارف وتراتبية المسؤوليات، فإن هذا الواقع يؤشر إلى أن الصندوق يفرط في طلباته وملاحظاته ويعيد بعض الأمور أحيانا إلى نقطة البداية، ما حال حتى اليوم دون حصول تقدم فعلي في مفاوضات لبنان معه. ولعل ما ساهم في التأكيد على هذه الخلاصة أو هذا الاستنتاج، هو وصف حاكم مصرف لبنان كريم سعيد المفاوضات مع صندوق النقد بأنها «تتقدم باعتدال» وهو وصف ملطف للقول إن المسار بطيء وثمة صعوبة في التقدم». الى ذلك، توقف الخبير الاقتصادي فرح عند «عقبة من الجانب اللبناني تتمثل في عدم قدرة الدولة على الذهاب إلى حلول جذرية في موسم الانتخابات النيابية»، فقال «النواب غير مستعدين لإقرار أي قانون يمكن أن يلقى اعتراضا شعبيا، ما يعني تأجيل الحلول إلى ما بعد الانتخابات. وهذا ما أشار اليه بوضوح رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام وفد إعلامي حين قال إن قانون الفجوة المالية لن يقر في وقت قريب. وهذا يعني أن حاكم المصرف المركزي وفي مرحلة الانتظار هذه سيعود من واشنطن ويعيد البحث في رفع سقف السحوبات الشهرية للمودعين باعتبار الحل لا يزال بعيدا».