اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
قال البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة قداس اليوم الأحد الذي ترأسه في بكركي: يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال بهذه الليتورجيا الإلهية، على نية زيارة قداسة البابا لاون الرابع عشر، التي تبدأ بعد ظهر اليوم إلى وطننا لبنان، كرسول سلام ورجاء. جاعلًا زيارته تحت شعار كلمة الرب يسوع في إنجيل التطويبات: 'طوبى لفاعلي السلام' (متى 5: 9).
إنّ اختيار البابا لاون الرابع عشر لبنان لإتمام أول زيارة رسولية هو علامة تمسّكه وتمسّك الكنيسة الجامعة من خلاله بلبنان الوطن الرسالة. لبنان أرض لقاء الأديان والثقافات والحوار الصادق من أجل تحصين شراكة اسلامية مسيحية تبقى إحدى علامات رسالة لبنان وملازمة لهويته. إنّ اللقاءات التي ستشهدها زيارة قداسته مع رؤساء الطوائف كافة تعكس أمانته للصيغة اللبنانية، وتمثّل دعوة صريحة إلى جميع اللبنانيين ليكملوا معًا مسيرتهم الحضارية في ظل دولة عادلة قادرة قوية تبعد لبنان عن كل محاور الصراعات الإقليمية والدولية، وتحفظه محايدًا نموذجًا حضاريًا للعالم أجمع، الذي يهدده صراع الحضارات. إنّ لبنان الذي يتطلع الحبر الأعظم إليه هو لبنان الوحدة والتضامن بين جميع أبنائه مسلمين ومسيحيين تسودهم المساواة في الحقوق والواجبات، يتطلع كل منهم بدوره لتكامل أدوارهم في إطار العائلة اللبنانية الواحدة.
وتابع: الزيارة في الإنجيل هي مبادرة، ولبنان اليوم بحاجة إلى رجال ونساء يملكون جرأة المبادرة، للخروج من حالة الجمود والانقسام، نحو لغة الخدمة والعمل الصادق، حيث يصبح الوطن أولوية لا شعاراً، ورسالة لا ساحة صراع.
مريم لم تسأل عن الظروف، ولم تحسب المسافة، ولم تتهرّب من التعب، بل حملت في قلبها مسؤولية الآخر. وهكذا يُدعى اللبناني اليوم إلى أن يحمل وطنه بهذا العمق، لا كعبء، بل كرسالة، لا كملكية خاصة، بل كوديعة مقدسة.
لبنان الذي جُبل بتنوعه، يحتاج اليوم إلى أن يستعيد روح اللقاء، كما التقت مريم بأليصابات، لقاء يثمر فرحاً، لا يأجّج الانقسام. فالوطن لا يُبنى بالخطابات، بل بخدمة تشبه خدمة العذراء، صامتة، صادقة، وملؤها الإيمان.
لبنان بحاجة اليوم إلى روح الإنجيل في السياسة، وإلى روح الخدمة في القيادة، إلى لقاء يسبق الحكم، وإلى محبة تسبق المصلحة. تماماً كما التقت امرأتان في تواضع الإيمان، يمكن أن يلتقي اللبنانيون حول مشروع حياة لا موت، رجاء لا يأس، وطن لا ساحة نزاع.
وقال: فالخدمة التي جسدتها مريم في زيارتها ليست مجرد فعل عاطفي، بل رؤية أخلاقية عميقة تقول إن الإنسان يُقاس بقدرته على أن يكون إلى جانب الآخر، وأن قوّة المجتمع تُبنى على التضامن لا على الإقصاء، وعلى الحكمة لا على التشنج، وعلى الشراكة لا على الهيمنة.
في ظل التحديات المتراكمة، يبقى الرجاء قائماً حين تستعيد النفوس بوصلتها الأخلاقية، وحين تتقدّم القيادات بخطاب مسؤول يضيء الطريق بدل أن يعمّق الهوة، وحين يُترجم الإيمان إلى موقف، والضمير إلى قرار، والالتزام إلى فعل بناء.
وهكذا يصبح إنجيل الزيارة دعوة وطنية عميقة إلى تجديد أسلوب التفكير والممارسة، وإلى إعادة بناء الثقة بين الإنسان ودوره، وبين الأرض ورسالتها، وبين الحاضر ومشروع الغد.
نرفع صلاتنا اليوم بثقة إلى الله، كي يسكب الرب نوره على قلوب القائمين على الشأن العام، ويمنحهم بصيرة الحكمة، وصفاء الرؤية، وشجاعة الحقيقة، وأن يملأ النفوس سلاماً وقدرة على السعي نحو ما يخدم الإنسان ويصون الكرامة ويحقق العدالة.
كما نصلّي من أجل الكنيسة، ومن أجل كل من يحمل رسالة خير، ومن أجل أن تبقى زيارة قداسة البابا علامة رجاء متجددة، ونورًا على درب المستقبل.











































































