اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
هالة نهرا(*)
أطلق حديثاً الشاعر رمزي حميدان ديوانه «ثمّة مَن يضيء» الصادر عن «دار فواصل للنشر» في بيروت، حيث جنّحَ ثقل المعنى إبداعياً بدماثةٍ وهوادة، وسلّكَ خيوط الغزْل في نصّه بمهارةِ المتمرّس. لغته رهيفة، ائتَلَقَ خفقانُها، ووشجت في قلبها الرؤى. يناولنا إيّاها بذكاءِ المستنير. شعره كشرابٍ رائق يتجرّعه المتلقّي بمزيجٍ من التلذّذ والراحة والتفحّص والتَّمَرْئي ليستزيد. حول كتابه الجديد، ورؤيته للشعر وخلفيّته وروافده، أجرينا معه هذه المُحادثة:
{ يتدثر نصُّك الشعري في ديوانك «ثمّة مَن يضيء» بطيف الفلسفة جزئياً. ما هي نقاط التقاطع بين الفلسفة والشعر، وكيف واءمتَ بينهما بسلاسةٍ جعلتْ الفلسفة تذوب كالملح في ماء الشعر؟
- قد يكون الشعر محاولة لإضاءة الأماكن الغامضة في حياتنا أو ذواتنا... إنه محاولة لمسّ غير المرئيّ الذي نشعر به ولا نلمسه ولا نستطيع تجسيده. الشاعر الإيطالي ليوباردي تحدّث عن هذا الموضوع. الهدف واحدٌ للشعر والفلسفة وهو التأمّل في الأسئلة الوجودية ومحاولة الكشف عن ذلك الغامض والمجهول في الحياة عبر اللغة...
كيفية التعامل مع ذاتك والعالم حولك، ومع الآخرين، وكيف نعيش حياتنا أي ما هي الأفكار التي تحرّكنا؛ كلّها أفكارٌ في إطار الفلسفة. فِعلُك في الحياة ورَدُّ فعلك، وكيفية قراءة الآخرين وتفسير الأحداث. كل ذلك قائمٌ على أفكار ومفاهيم فلسفية. حاولتُ أن أقدّم أفكاري الفلسفية وتجربتي ورؤيتي في الحياة في نصٍّ شعريّ لملامسة مشاعر القارئ وخياله. أتمنّى أن أكون قد وُفّقت في ذلك. لستُ من سيحكم على تجربتي في الكتابة.
{ هل كان هدفك من خلال نشر شعرك حضّ عقل القارئ على التفكير والتفكُّر أم الاستمتاع بالجمال اللغويّ والأدبي؟
- أنا مع فكرة أنّ الشعر يجب أن يحفّز القارئ على التأمّل الداخلي والتفكير. لكنّ ذلك لم يكن لي من الأهداف التي سعيتُ إليها في كتابتي. لقد جاء ذلك بشكلٍ تلقائيّ، ومن الممكن أن يكون ذلك نتيجة لطبيعة أفكاري ورؤيتي. إضافةً إلى ذلك، لستُ ضد الاستمتاع بالجمال اللغوي. أعتقد أنّ الجمال بشكلٍ عام هو انعكاسٌ لجوهر طبيعتنا الجميلة التي حُجبت بفعل ثقافة العصر المادّية. كيفية فهم ذواتنا والعالم حولنا، أسئلة حاول العلم الإجابة عنها. أعتقد أنّ الشعر بإمكانه أن يكون له دورٌ في الكشف عن تلك المسائل الوجودية وتحفيزنا من أجل فهمٍ أعمق للحياة. يقول البروفيسور فيليب ديفيس، مدير مدرسة معهد علم النفس والصحّة والمجتمع، إنّ الدعوة إلى تفعيل الوعي الأدبي قد يكون لها تأثيرٌ كبير في تحدّي عقولنا، ويرى أنه إذا قرأ المزيد من الناس الشِّعر واعتادوا التفكير في المعنى فسيُحدِث ذلك فرقاً في قدرتهم على التفكير بمزيدٍ من اليقظة.
{ ما هو تعريفك للشعر، وكيف تُزاوج بين الهندسة والتعبير الأدبي الإبداعي؟
- ليس بمقدوري تعريف الشعر.
لو تمكّنتُ من معرفة كل تفاصيل الحالة الشعرية، وهي عبارة عن مزيجٍ من حالةٍ نفسية وعقلية في لحظةٍ ما من الكتابة أي كل أفكاري وإدراكاتي الحسّية وما أستحضرُه من الذاكرة وكيف تفاعلتْ في ما بينها، ولماذا ظهرتْ، وما هو سرّ توقيت ظهورها وكيفية مشاركة الخيال في تلك العملية وعمل العقل وربّما غير العقل على ربط بعض كل ذلك ببعضه الآخر وإخراج وبلورة ذلك كلّه عبر اللغة... وبعد ذلك أجمعُ كل تلك الأشياء والأمور في مشهدٍ واحد، لو كان بمقدوري ربّما لاستطعتُ الاقتراب قليلاً من تعريف الشعر. هل يجب أن يكون هناك تزاوجٌ بين الهندسة والشعر؟ وهنا أسأل بدوري: لماذا لا تكون ثمّة صداقة بينهما على الرغم من الاختلاف الذي يظهر لنا؟
{ بمن تأثّرتَ شعرياً ولمن يقرأ رمزي حميدان؟
- العوامل عديدة وأهمّها بالنسبة لي هي أسئلة كنتُ أطرحها على نفسي في الفلسفة وعلم الفيزياء.
تأثرتُ بالفلسفة بصورةٍ عامة، وبالحركة الصوفية التي تمثّل امتداداً لمذهب الأدفايتا فيدانتا في الهند أي اللاثنائية وأفكارها وكتاباتها، لا سيما رؤيتها للوجود والذات القائمة على أنّ الوعي ومن خلال التجربة الذاتية هو الحقيقة الوحيدة، وهو وعيٌ كونيّ. الأنا الكونية العارفة – أي الكينونة. على المستوى الشخصيّ لا يستهويني الشعر التقليدي العمودي وطبعاً له مَن يحبّه. قرأتُ للكثير من الشعراء، منهم خليل حاوي، والت ويتمان، جلال الدين الرومي، أدونيس، وسواهم. أما بالنسبة لأونيس، فتأثّرتُ بفكره قبل شعره.
{ لماذا اخترتَ «دار فواصل للنشر» تحديداً لإطلاق ديوانك، وكيف تقيّم عمق هذا التعاون وثماره وآفاقه؟
- إنّ ما أثار انتباهي في البداية هو اسم الدار «دار فواصل»، كان ذلك أوّل ما تبادر إلى ذهني وتلك المقارنة مع الفاصلة أي «النقطة» في فلسفة فيثاغورس تمثّل مع دائرتها الكائن الأسمى - الكينونة، الحقيقة المطلقة غير القابلة للتجزئة، ما يتجاوز مسألة الإدراك الحسّي والعقلي. يعتبر صاحب الدار الشاعر نعيم تلحوق أنّ كل كتاب هو فاصلة، ما يمثّل استمراريةً وديمومةً للإبداع والتجربة في الكشف عن الحقيقة. هل نستطيع أن نبلغ النهاية ونضع «نقطة» ونلامس المطلَق وندركه؟ ما يميّز الدار هو مبادرتها في الدعوة إلى احتفال إطلاق الكتاب الذي تنشره قبل التوقيع من قِبَل الكاتب. التعاون بين الناشر والكاتب مهمٌّ جداً من أجل وصول الكتاب إلى أكبر عدد من القرّاء وهذا أمر جيّد في زمنٍ هُمِّش فيه الكتاب، لا سيّما كتاب الشعر.
(*) كاتبة وناقدة وشاعرة