اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
خسر السياسيون في لبنان صديقاً مقرّباً من عددٍ كبير منهم، كان جسر عبور لهم إلى موسكو طوال عقود، ونجح في نسج علاقات وطيدة بلغت المستوى الشخصي مع غالبيتهم.
غادر ميخائيل بوغدانوف منصبه الدبلوماسي الرفيع، كنائب لوزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا، في توقيت دقيق يشهد فيه العالم متغيّرات كبيرة، لا سيما منطقة الشرق الأوسط، التي خبر تفاصيلها ومشاكلها وأزماتها وثقافاتها، والأهم خيباتها المتراكمة.قد يكون بوغدانوف، ابن الـ74 عاماً، متعباً فعلاً وقرّر التقاعد وقبِل الرئيس فلاديمير بوتين الاستقالة، وربما يكون خلافاً لذلك. لا يجزم الخبير في الشؤون الروسية الدكتور خالد العزي، لكنه يشير إلى أن هذا القرار المفاجئ جاء بعد أيام من إقالة وزير النقل الروسي من قِبل بوتين، قبل أن يقدم على الانتحار بسيارته.لم يكن بوغدانوف دبلوماسياً عادياً، ويصفه العزي، في حديث لموقع mtv، بأنه من الدبلوماسية السياسية المعمّقة وله دور مميز وضليع في معرفة منطقة الشرق الأوسط، لأنه حين تخرّج بالدبلوماسية السوفياتية في العام ١٩٧٤ كان يملك علاقات مع أحزاب هذه الدول، حيث عمل كسفير في مصر ولبنان وسوريا وبنى علاقات واسعة مع مجموعات من الأحزاب اللبنانية والسورية وله علاقة واسعة بهذا الاطار.ويضيف: ما يتميّز به بوغدانوف أنه يجيد اللغة العربية بطريقة جيدة، ما سمح له بمعرفة الطبيعة العربية والآراء السياسية والاختلافات نتيجة اطلاعه على المنطقة الجغرافية التي يعمل عليها، بصفته مفوضاً شخصياً لبوتين فيها.حضر بوغدانوف، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية منذ حزيران 2011، في محطات لبنانية عدة، حيث كان حضوره إلى بيروت لا يخلو من الرسائل السياسية، لا سيما وأن تلك المرحلة المضطربة تزامنت مع الحرب السورية والدخول الروسي إلى حلبة الصراع من بابه العريض، من خلال دعم النظام السوري السابق.في هذه المرحلة تبدّلت خطوط تواصل الروس مع القوى اللبنانية، فحلفاء سابقون ابتعدوا، وآخرون باتوا من زوار موسكو الدائمين.
وتوقّف العزي باهتمام عند تغريدة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قائلاً: كان لافتاً أن جنبلاط بادر سريعاً وقدّم الشكر لبوغدانوف. ويجب أن نفهم ما كتبه له بأن المختارة بابها مفتوح لك، وهذه إشارة الى أن على الروس أن يفهموا أن هناك تحالفات وصداقات سابقة يجب ألا يتجاهلونها نتيجة مصالح معينة من هنا او هناك، مضيفاً جنبلاط كان ولا زال يُعتبَر الحليف الوحيد للروس، لكنهم تناسوا هذا الشيء وذهبوا بعيداً في إطار التحالفات مع إيران ومنظومة الأسد.وفي هذا السياق، يلفت العزي إلى أنه في السابق كان هناك حلفاء لروسيا في الحركة الوطنية والحزب التقدمي الاشتراكي، لكن مع تقدم المرحلة أصبحت روسيا تنظر فقط الى حلفائها في حزب الله، نتيجة العلاقة بينها وبين ايران، مضيفاً روسيا ليس لها حلفاء في لبنان، انما شخصيات ترتكز عليها وفق التغيّرات الجيوسياسيّة.توسّعت مهمات بوغدانوف لاحقاً، بعدما عُيّن ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا في تشرين الأول 2014، إلا أن المنطقة تغيّرت بالكامل بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، وما تبعه من تطورات لا سيما سقوط نظام بشار الأسد، والحرب الإيرانية الاسرائيلية الأخيرة.
إذاً ماذا تعني الإقالات التي تشهدها روسيا على وقع التغيّرات الكبرى الحاصلة في المنطقة؟يجيب العزي: لا بد من القول إن إخفاقاً كبيراً حصل في منطقة الشرق الأوسط للسياسة والدبلوماسية الروسية، تمثلت بإخفاقها في ليبيا ثمّ في سوريا، حيث تراجع دورها لتنحصر قواعدها ومصالحها، وربما بوتين بات يرى أن الدور الكلاسيكي القديم لروسيا في ظل تعاملها مع الشرق الأوسط آن له أن يتغيّر وأن تعترف انه ليس لروسيا وجوداً في مصالح مركّبة مع الأنظمة. وخير مثال على ذلك علاقة روسيا ببشار الاسد، بدلاً من العلاقة بمكوّنات سوريا التي كانت تكنّ الاحترام لروسيا، وبالتالي لم تكن إلا طرفاً لحماية النظام.ويضيف: الدول العربية أصبحت ترى روسيا في مكان ضعيف ومتأزم، والعلاقات الاقتصادية معها غير متطورة. كذلك في افريقيا لم تأخذ روسيا موقفاً، ولم تكن سوى البديل لاحتلالات وإثارة الفوضى. وأما العودة الى مصر فلم تكن بالشكل الذي كانت تتوقعه روسيا.ويستنتج العزي: لا بد من بناء استراتيجية روسية جديدة في الشرق الأوسط تعتمد على تطلعات الشعوب وليس تطلعات القيادات والأحزاب والقوى التي تتغيّر. خصوصاً أن ما زاد الطين بلّة هو موقف روسيا من ايران، الذي كان موقفاً مرتبكاً. فلم تساعد روسيا بحماية ايران ولم تستطع ان تنصحها في كيفية إنقاذ نفسها من الضربة التي تعرّضت لها. وهنا روسيا خسرت النظامين السوري والايراني، واليوم تتدحرج الكرة أكثر في واقع روسيا مع تأزّم العلاقة بينها وبين أذربيجان.
هل هذا يعني أن موسكو تمهّد لمرحلة جديدة في تاريخها الدبلوماسي؟يقول العزي: نحن نشهد تغييراً جذرياً في وزارة خارجية بوتين. وعلى الأخير، كما فعل ترامب، إيجاد وجوه شابة في الخارجية. فروسيا كبيرة ولديها إمكانات وقدرات، لكن عليها أن تسلك نهج الواقعية العاقلة في الدبلوماسية السياسية.