اخبار لبنان
موقع كل يوم -وزارة الإعلام اللبنانية
نشر بتاريخ: ١٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتبت الدكتورة فيولا مخزوم مقالا تحت عنوان “الفضاء الرقمي ومسؤولية الإعلام: كيف نصنع محتوى يربط بين المعرفة والقيم؟”، تناولت فيه مسؤولية الإعلام في صنع محتوى يربط بين المعرفة والقيم، وجاء في المقال:
يشهد العالم اليوم تحولات هائلة بفعل التطور التكنولوجي السريع والانتشار الواسع للفضاء الرقمي، الذي أصبح منصة مركزية لتبادل المعلومات وبناء الرأي العام على نطاق غير مسبوق. لم يعد هذا الفضاء الرقمي مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو تبادل الآراء، بل تحول إلى أداة مؤثرة في تشكيل المفاهيم والقيم المجتمعية، وهو ما يجعل مسؤولية الإعلاميين وأصحاب المحتوى الرقمي أكبر من أي وقت مضى. إن المحتوى الذي يُنشر على المنصات الرقمية يمكن أن يكون قوة إيجابية تعزز الوعي والمعرفة، أو أن يتحول إلى وسيلة لنشر التضليل والأفكار السلبية، وبالتالي فإن الاهتمام بمسؤوليته أصبح ضرورة ملحة للحفاظ على تماسك المجتمع وتعزيز القيم الإنسانية الأساسية مثل الاحترام والتسامح والمواطنة الصالحة.
في ظل هذا الواقع، يواجه الإعلام الرقمي تحديات معقدة تتمثل في سرعة انتشار المعلومات وصعوبة التحقق من صحتها، ما يؤدي أحيانًا إلى تداول أخبار كاذبة أو مضللة تؤثر في قدرة الجمهور على التمييز بين الحقائق والآراء. كما أن التحولات التكنولوجية المتسارعة وأدوات النشر الفوري، إضافة إلى الضغط على صناع المحتوى لتقديم معلومات جذابة وسريعة، تجعل من الصعب أحيانًا الالتزام بمعايير الجودة والمهنية والأخلاقية. كل هذه العوامل تجعل من صناعة محتوى رقمي مسؤول يجمع بين نقل المعرفة وتعزيز القيم الإنسانية أمرًا صعبًا لكنه في الوقت ذاته ضروريًا لتحقيق أثر إيجابي على المجتمع.
لتجاوز هذه التحديات، تكمن الاستراتيجية الأولى في اعتماد المعايير الأخلاقية والمهنية كأساس لكل محتوى يتم إنتاجه. فالهدف من الإعلام الرقمي يجب أن يتجاوز مجرد جذب الانتباه أو تحقيق أرقام مشاهدة عالية، ليصبح أداة فاعلة في تعزيز وعي الجمهور وتحفيزه على التفكير النقدي وتحليل المعلومات بشكل متوازن. إن دمج المعرفة العلمية والثقافية مع الرسائل التي تعكس القيم الإنسانية يجعل المحتوى الرقمي وسيلة تعليمية قوية، تسهم في تشكيل وعي الأفراد بطريقة إيجابية. كما أن الاهتمام بالأسلوب والصياغة يعد عنصرًا أساسيًا، فالمحتوى يجب أن يكون واضحًا ومقنعًا، دون أن يفقد جوهر الرسالة الإنسانية والأخلاقية التي يسعى لنقلها.
تلعب الأمثلة العملية دورًا كبيرًا في توضيح أثر الإعلام المسؤول، حيث أظهرت التجارب المحلية والدولية أن الحملات الرقمية التي توازن بين المعلومات الدقيقة والقيم الأخلاقية يمكن أن ترفع مستوى وعي الجمهور بشكل ملحوظ وتعزز التغيير الإيجابي في المجتمع. ومن الأمثلة على ذلك المبادرات التي تستخدم الفيديوهات التثقيفية، المقالات التحليلية، والمحتوى التفاعلي لتعزيز مفاهيم المسؤولية الاجتماعية والوعي الرقمي، والتي أثبتت نجاحها في تحفيز المشاركة المجتمعية وتشجيع ثقافة الحوار البناء. كما أن إشراك الخبراء والمتخصصين في مجالات التربية وعلم الاجتماع ضمن فرق إنتاج المحتوى يعزز قدرة الإعلام على تقديم رسائل متوازنة ومؤثرة، تساعد الجمهور على اتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على المعرفة والقيم.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن صناعة محتوى رقمي يربط بين المعرفة والقيم ليست مهمة سهلة، لكنها ممكنة ومطلوبة أكثر من أي وقت مضى. يتطلب ذلك وعياً جماعياً من الإعلاميين وصناع المحتوى بمسؤولياتهم تجاه المجتمع، إضافة إلى الدمج المدروس بين التكنولوجيا الحديثة والمبادئ الأخلاقية والثقافية التي تحافظ على تماسك المجتمع وتعزز قيمه الإنسانية. فالفضاء الرقمي اليوم يشكل فرصة غير مسبوقة لنشر المعرفة والوعي، لكنه في الوقت ذاته يحمل مسؤولية كبيرة تتطلب التزامًا حقيقيًا من كل من يمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام، لضمان أن يكون هذا التأثير قوة إيجابية تعزز التعلم، القيم الإنسانية، والمشاركة المجتمعية البناءة.