اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
في ظل التصعيد غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، يزداد الحديث عن سيناريوهات خطيرة قد تُغير وجه المنطقة، ليس من ناحية جيوسياسية فقط، بل بيئية وصحية وحتى إنسانية. من بين هذه السيناريوهات، يبرز سؤال مقلق يتردد في أروقة العواصم والمراكز البحثية: ماذا لو ضُربت المنشآت النووية الإيرانية؟
هذا السؤال لم يعد افتراضياً بعد الآن، بل بات مطروحاً بجدية على طاولات النقاش الدولي، مع إعلان إسرائيل المتكرر عن استهدافها مواقع نووية إيرانية من بينها نطنز وأصفهان وآراك وحتى بوشهر الذي أُعلن قصفه ثم نُفي لاحقاً.
فما الذي يمكن أن يحصل لو أصابت الصواريخ قلب المفاعل النووي؟ وما هي التداعيات الواقعية لمثل هذا التصعيد الخطير؟
الضربات حتى الآن: ضرر محدود وإشارات مقلقة
بحسب تقارير رويترز وسكاي نيوز عربية، فإن الضربات الإسرائيلية حتى الآن استهدفت منشآت مثل نطنز وأصفهان، وهي منشآت تخصيب أو إنتاج لأجهزة الطرد المركزي، دون أن تُسجل تسريبات إشعاعية. يعود ذلك في جزء كبير منه إلى أن هذه المنشآت إما كانت تحت الأرض (كما في نطنز)، أو لم تكن قيد التشغيل الفعلي (كما في خُنداب)، أو أن المواد المشعة لم تكن قد دخلت مرحلة التفاعل الخطر.
أستاذ الحماية من الإشعاع في جامعة ليفربول، بيتر براينت، أشار إلى أن “المواد النووية لا تُشكل خطراً إلا إذا استُنشقت أو ابتُلعت أو دخلت الجسم”، مؤكداً أن درجة التخصيب الحالية في معظم المنشآت المستهدفة لا تُنتج إشعاعاً مدمراً.
لكن ما يُقلق الخبراء ليس الحاضر، بل الخطوة التالية: هل يصل التصعيد إلى منشآت مثل مفاعل بوشهر؟ وهل يمكن أن يتحول الأمر من عمليات دقيقة إلى كارثة إقليمية تشبه “تشيرنوبيل” أو “فوكوشيما”؟
بوشهر… خط أحمر نووي؟
مفاعل بوشهر هو محطة الطاقة النووية الوحيدة العاملة في إيران، وهو من النوع الذي يعمل بالماء المضغوط، ويقع على الساحل الجنوبي للبلاد قرب الخليج العربي. وتُعد المنشأة هدفاً بالغ الحساسية.
ريتشارد ويكفورد، أستاذ علم الأوبئة في جامعة مانشستر، يحذر من أن إصابة مفاعل من هذا النوع قد تُطلق عناصر مشعة على شكل “سحابة متطايرة أو عبر البحر”. هذه المواد قد تصل إلى دول الخليج، العراق، وربما أبعد، بحسب اتجاه الرياح.
الخبير الدولي جيمس أكتون من مؤسسة كارنيجي، يرى أن “ضرب بوشهر قد يسبب كارثة إشعاعية كاملة”، خصوصاً وأن المفاعل يحتوي على وقود نووي نشط.
في حين يحذر طارق رؤوف، المسؤول السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أن “اليورانيوم المخصب إذا تفاعل مع الهواء أو الماء، ينتج مواد تحرق الجلد وأحشاء الإنسان”. ويضيف أن المفاعل محمي بقبة سميكة يمكنها مقاومة القنابل الصغيرة، لكن القنابل المخصصة لاختراق التحصينات قد تُسبب تحطمه.
عوامل بيئية تحدد حجم الكارثة
تشير التحليلات البيئية إلى أن حجم التأثير لا يعتمد فقط على نوع المنشأة، بل أيضاً على:
• درجة التخصيب: المنشآت التي تحتوي يورانيوم مخصب بنسبة 90% تشكل خطراً أكبر من تلك التي تعمل بنسبة 60% (وهي النسبة المعلنة إيرانياً).
•الطقس والرياح: الرياح الضعيفة تجعل المواد المشعة تستقر قرب المنشأة، بينما الرياح القوية قد تنقلها إلى دول الجوار.
• موقع المنشأة: فوردو مثلاً تقع تحت جبل في منطقة غير مأهولة نسبياً، بينما بوشهر تقع قرب البحر وفي منطقة مأهولة.
• نوعية الهجوم: ضرب المنشأة مباشرة يختلف عن استهداف مداخلها أو بناها التحتية.
سيناريوهات محتملة: من التسريب إلى الانهيار الكامل
1. ضرب منشآت التخصيب (نطنز، أصفهان):
• النتائج: تسرب كيميائي محدود، خصوصاً من غاز سادس فلوريد اليورانيوم، وهو سام لكنه غير مشع.
• الخطر: على العمال والمناطق القريبة، دون آثار إقليمية.
2. ضرب مفاعل بوشهر مباشرة:
• النتائج: كارثة نووية محتملة.
• الآثار: انتشار إشعاعي قد يمتد إلى الخليج، وربما إلى بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية.
• السيناريو الأسوأ: انهيار المفاعل يؤدي إلى انفجار أو تسرب إشعاعي واسع، شبيه بكارثة تشيرنوبيل 1986.
3. استهداف آبار النفط ومصافي البتروكيماويات:
• النتائج: تلوث كربوني هائل.
• الآثار: تأثير بيئي كبير، زيادة في الاحتباس الحراري، وتفاقم أزمات صحية.
ردود أفعال وتحذيرات دولية
بحسب العربية.نت، يرى خبراء أن العالم يقف على حافة كارثة حقيقية إذا استهدفت إسرائيل مفاعل بوشهر. الخبير النووي يسري أبو شادي قال إن الضرب سيُحول المنطقة إلى “تشيرنوبيل أخرى”، تمتد آثارها إلى فلسطين، الأردن، سوريا، وربما مصر.
بينما قال اللواء أسامة محمود كبير، المستشار العسكري المصري، إن التأثيرات ستكون محدودة إذا كان التخصيب عند 60%، لكنها ستكون كارثية إذا وصل إلى 90% أو أكثر.
الخط الفاصل بين “عملية دقيقة” و”كارثة شاملة”
في ضوء ما سبق، يبدو أن العالم يقف أمام خيارين متضادين: إما استمرار الضربات “الجراحية” الإسرائيلية ضد المنشآت النووية غير الفعالة أو غير المشغلة، وهو ما قد يُبقي الخطر محصوراً. أو الانزلاق إلى استهداف مفاعل بوشهر أو منشآت ذات تخصيب عال، ما سيفتح أبواب جهنم على الجميع.
حتى اللحظة، تُظهر البيانات أن التسريبات الكيميائية أخطر من الإشعاعية، لكن هذا لا يمنع تحوّل الأمور في لحظة، خصوصاً إذا استخدمت قنابل خارقة للتحصينات أو أخطأت الصواريخ أهدافها بدقة.
وفي منطقة تعاني من هشاشة بيئية، وكثافة سكانية، ونقص في البنية التحتية الصحية، فإن مجرد تسرب إشعاعي محدود قد يكون كفيلاً بإحداث زلزال بشري وبيئي يستمر لعقود.
هل نحن مستعدون لـ “تشيرنوبيل الشرق الأوسط”؟ أم أن الحكمة ستتغلب على صخب الحرب؟