اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
لم أعد أستغرب حين أسمع بعض الأبواق من بيئة حزب الله تقول: نحن لا نريد فقط أن نضيء صخرة الروشة بصورة نصرالله أو صفي الدين، نحن لو صَحَّ لنا نغيّر الأرزة من علم لبنان ونضع صورة نصرالله مكانها.
لا بأس. هذا شغل شعبي وإعلامي للتسلية والتعبئة. صار جمهور الحزب اليوم تيكتوكرز، يجمع المشاهدات لا أكثر ولا أقل.
الهيبة التي قيل يومًا إنّها من سلاحهم، تحوّلت اليوم إلى نكتة بأسلوبهم وإنكارهم. لكن المسألة تتجاوز مقاطع الفيديو إلى تصريحات مسؤوليهم الذين يُفترض أن يكون كلامهم وازنًا.
خذوا مثلاً النائب حسن فضل الله هذا الأسبوع: نريد إدراج كلفة إعادة إعمار منازل الجنوبيين ضمن الموازنة العامة، والأموال متوافرة إذا تمّ ضرب الفساد في الوزارات.
هذا الطرح ليس مطالبة بقدر ما هو وقاحة في التنصّل من المسؤولية. فـالحزب هو من اتخذ القرار وأدخل لبنان في حرب جديدة، عجز فيها عن تحقيق أيّ انتصار، ليعود ويطالب الدولة بتصحيح خطوته. كلّ ذلك من دون اعتذار أو تنازل أو اعتراف بالخطأ، فيما سلاحه لا يزال خطًّا أحمر، ويواصل الضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها بنزع السلاح غير الشرعي.
بعد سنوات من الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية، ردّ عليهم رئيس الحكومة بوضوح: لا أحد يحدّثني بعد اليوم بهذا العنوان. فبدأوا يسوّقون استراتيجية الأمن الوطني، على اعتبار أنّها صيغة لإبقاء سلاحهم كعلامة قوّة ضمن الدولة، وكأنّ هذا السلاح كان مصدرَ القوّة أصلًا في مواجهة إسرائيل، وكأنّ هذا الطرح علمي وواقعي بعد قرار الحكومة بضرورة تسليم السلاح، وهو قرار أتى متأخّرًا منذ 1989. يتناسون أنّ اتفاقية وقف إطلاق النار واضحة في مقدّمتها: السلاح حصرًا بيد القوى الشرعية. وقد وافقوا عليها، وصادقت عليها حكومة كانوا فيها الأكثرية. يومها لم تكن إملاءات أميركية؟
ويذكّر أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم بخطورة تلك الإملاءات في إطلالته الأخيرة: أميركا تعمل لمصلحة إسرائيل، فكيف نثق بأي طرح منها؟. لكن أليس الحزب نفسه هو من فاوض الأميركيين؟ وأليس هو من جعل لبنان ورقة ضغط على طاولة المفاوضات الإيرانية – الأميركية؟
ويضيف قاسم: لتضع الحكومة بند الإعمار أولوية.
سلّمنا جدلًا بطرح قاسم؛ من أين ستأتي الأموال؟ من الوزارات التي طالب فضل الله بمحاربة الفساد فيها؟ رائع. يجب تذكير فضل الله وقاسم أنّ خزينة الدولة تضرّرت بعد تهرّب الحزب وبيئته من دفع الضرائب، وبعد حقبة سوداء سيطر فيها حزب الله على مفاصل الدّولة، وغطّى الفساد وشارك فيه، من ملف الكهرباء إلى غيره. الحقيقة التي لا يزال الحزب ينكرها أمام بيئته التي أنهكها وخيّب آمالها وخلف بوعوده أمامها، أنّ الإعمار من دون رضى دولي لن يتحقّق مهما جرى تسويقه في الخطابات.
ثم يعود قاسم ليدعو السعودية إلى فتح صفحة جديدة. لكن على أي أساس؟ هل فتح الحزب صفحة جديدة؟ هل توقّف عن مشروع السلاح، وقنواته غير الشرعية، والتصفيق لحرب الحوثيين؟
المشكلة ليست في الكلام وحده، بل في التعاطي مع اللبنانيين والأسرة العربية والدولية وكأنّ ذاكرتهم قصيرة، وكأنّ الخطاب الذي يقدّمونه منزّه من أي سؤال أو محاسبة. فيما الواقع أنّ البيئة التي صُوّرت يومًا كمصدر هيبة لم تعد أكثر من محتوى ترفيهي. لا بأس، يمكن لـ الحزب أن يكذب ويسلّينا، لكن على أرض الواقع بيئته تعاني وهي بأمسّ الحاجة للعودة إلى الدولة.
فإنْ أصرّ على أنّ كلّ ما حصل انتصار، ولا يريد أن يُقدّم أيّ تنازل، فليُكمل ما يقوم به ولا يأتي إلى الدولة ليطالبها بأيّ شيء؛ فهو، من وجهة نظره: منتصر. لـ يقبّع شوكه بيده!