اخبار لبنان
موقع كل يوم -وزارة الإعلام اللبنانية
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
كتبت الدكتورة فيولا مخزوم مقالا تحت عنوان 'الإعلام التربوي: شراكة ضرورية لبناء الإنسان والمواطنة'، تناول أهمية تكامل الأدوار بين الإعلام والمؤسسات التربوية، وسبل توظيف الإعلام كأداة فاعلة لبناء الوعي وتعزيز قيم المواطنة في ظل التحديات التي تمر بها مجتمعاتنا، لا سيما في لبنان، جاء فيه:
لم يعد الإعلام، في زمن التحوّلات المتسارعة، مجرد أداة لنقل الخبر أو وسيلة ترفيه عابرة، بل تحوّل إلى قوة ناعمة تتجاوز دورها التقليدي لتؤثر في صياغة المفاهيم، وتشكيل الوعي، وتوجيه السلوك الجمعي. في هذا الإطار، تبرز أهمية 'الإعلام التربوي' بوصفه نمطًا من أنماط الإعلام الذي يتقاطع مع الرسالة التربوية، ويتكامل معها في سعي مشترك لبناء الإنسان، وتعزيز مفاهيم المواطنة الفاعلة والانتماء المسؤول.
الإعلام التربوي لا يقوم على التثقيف فقط، بل يتعداه إلى صناعة فكر قادر على النقد، والتحليل، والانخراط الواعي في الشأن العام. إنه إعلام يعمل على نقل القيم التربوية من نطاق المؤسسات التعليمية إلى الفضاء العام، ويعيد تعريف العلاقة بين المواطن ومجتمعه من خلال خطاب عقلاني، هادف، ومتزن. هذه الوظيفة تصبح أكثر إلحاحًا في مجتمعات تعاني من أزمات متكررة، كما هو الحال في لبنان، حيث يشهد النظام التربوي ضغوطًا كبيرة، وحيث تتطلب إعادة بناء الثقة بالمؤسسات تفعيل الشراكة بين الإعلام والتربية.
في الواقع اللبناني والعربي عمومًا، لم يحظَ الإعلام التربوي بعد بالمكانة التي يستحقها ضمن السياسات الإعلامية الوطنية. إذ غالبًا ما يُختزل التربوي في الإعلام ضمن تغطيات موسمية للامتحانات الرسمية، أو مقابلات عابرة مع مسؤولين تربويين، بينما يغيب التخطيط الاستراتيجي لمضامين إعلامية تُسهم فعليًا في تعزيز ثقافة التربية والمواطنة. لا تزال كثير من المنصات الإعلامية أسيرة لنماذج تجارية أو سياسية تجعلها تبتعد عن رسالتها التربوية، بل وتتناقض أحيانًا معها من خلال نشر العنف الرمزي، أو تعميم التنميط، أو إثارة الانقسام الاجتماعي والثقافي.
رغم ذلك، يبقى الإعلام أداة فاعلة قادرة، إذا ما تم توجيهها بالشكل السليم، على لعب دور محوري في بناء الإنسان. فالمضامين الإعلامية التي تحمل أبعادًا تربوية يمكن أن تساهم في نشر الوعي، وتعزيز التفكير النقدي، وبناء منظومة قيم إيجابية تنعكس في سلوك الأفراد والمجتمعات. الإعلام يستطيع أن يتدخل حيث تعجز المدرسة، في الأحياء المهمّشة، وبين الفئات التي تسرّبت من التعليم، وحتى داخل الأسرة التي تحتاج إلى دعم تربوي في مواجهة تحديات العصر.
ولعل الرابط الأهم الذي يعكس ضرورة هذه الشراكة بين الإعلام والتربية، هو مفهوم 'المواطنة'. فالمواطنة ليست معطى جاهزًا يولد مع الفرد، بل هي منظومة من القيم والتصرفات التي تُكتسب وتُعزّز عبر التربية الواعية والخطاب الإعلامي المسؤول. من هنا، فإن الإعلام التربوي يمكن أن يكون شريكًا في تكوين الحسّ الوطني، وتغذية الانتماء، وترسيخ المسؤولية الجماعية، خاصة حين يُسلّط الضوء على نماذج إيجابية من داخل المجتمع، ويُعلي من صوت الكفاءة، ويشجّع على المشاركة في الشأن العام بعيدًا عن الاصطفاف والانغلاق.
إن تفعيل هذه الشراكة يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية واضحة، تبدأ بوضع سياسات وطنية تُدرج الإعلام التربوي ضمن أولوياتها، وتُنشئ منصات إعلامية متخصصة أو أقسامًا تربوية ضمن المؤسسات الإعلامية القائمة. كما أن تدريب الإعلاميين على المهارات التربوية، والتنسيق بين وزارتي التربية والإعلام، وتبني مشروعات مشتركة بين الإعلاميين والمربين، كلّها خطوات ضرورية لتحويل هذا المفهوم من مجرد شعار إلى ممارسة ملموسة. وفي الوقت نفسه، لا بد من أن تنخرط المؤسسات التربوية في إنتاج المحتوى، وتوفير البيانات، ودعم البحث العلمي في هذا المجال بما يضمن المأسسة والاستدامة.
في الخلاصة، إن الإعلام التربوي ليس ترفًا فكريًا ولا رفاهًا إعلاميًا، بل هو ركيزة أساسية في بناء مجتمع متماسك، ومواطن فاعل، ودولة عادلة. إن الشراكة بين الإعلام والتربية، إذا ما أُحسن توجيهها، يمكن أن تصبح أداة تحوّل حقيقية في مجتمعاتنا، تُعيد الاعتبار للإنسان بوصفه محور التنمية وغايتها، وتفتح الطريق أمام نهضة ثقافية وتربوية قائمة على الوعي، والحوار، والانتماء المسؤول.