اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٦ شباط ٢٠٢٥
في زاوية بلدة حولا المدمرة، وسط الحجارة المتناثرة وبقايا الذكريات، تقف سنية قطيش أمام دكانها القديم، تنظر إليه بعينين يغمرهما الحنين، وكأنها ترى من خلف الركام ماضياً لم يغب عنها يوماً. كانت آخر من بقيت في حولا وأول من قررت العودة، لتعيد فتح محلها الصغير، الذي لم يكن مجرد دكان، بل ذاكرة جماعية وسنداً لأبناء البلدة في أحلك الظروف.
تروي سنية لـ 'نداء الوطن'، ذكرياتها عن تلك الأيام العصيبة خلال الحرب عندما كانت تفتح دكانها، وكيف كان الأهالي يشترون منها ما يحتاجونه كلما سنحت الفرصة، وكيف ظل محلها صامداً حتى اللحظة التي اضطر فيها الجميع للنزوح. لم يكن أحدٌ ليتخلى عن المكان، لكن القصف لم يترك لهم خياراً. 'كنت في الغرفة المجاورة أجهز حقيبتي عندما شنت الطائرات غاراتها... لم يصلني حتى الغبار، وكأن الله وضعني في كنف رحمته، لكن المحل لم يسلم، سقط عليه الركام كله'، تقول سنية، وهي تمرر يدها على جدرانه المتشققة.
رغم كل شيء، لم تغادر سنية البلدة فوراً. تقول 'بقيت مع صامد آخر'، يتشاركان وحشة المكان وصوت القذائف الذي لم يهدأ، لكن مع اشتداد القصف لم يعد البقاء ممكناً. كان عليها أن ترحل، لكنها لم ترحل من أجل نفسها، بل من أجل ذلك الإنسان، الذي شعرت بمسؤوليتها تجاهه وسط الخطر المتزايد.
واليوم، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي وتبدد أصوات الحرب، تعود سنية إلى حولا، محمّلة بفرح لا تصفه الكلمات رغم الحزن الذي يثقل قلبها على الشهداء والدمار الذي يملأ المكان. 'ما أحلى العودة رغم القهر'، تقول بابتسامة مريرة، وهي تعقد العزم على إعادة ترميم منزلها ومحلها، ليعود كما كان ملجأً للناس، شاهداً على صمودهم. 'سأبقى هنا... والذين يأتون إلى البلدة سيحضرون لي ما أحتاجه من أغراض للبيع، وسأعيد فتح الدكان، تماماً كما كان'.
تروي شقيقتها، سامية قطيش، تلك اللحظات العصيبة بقلق لا يزال يملأ صوتها: 'بقيت لوحدها في البلدة، وخفنا عليها كثيراً. كنا نتصل بها باستمرار للاطمئنان، لكنها كانت تؤكد لنا أنها بخير. لم يمضِ على مغادرتها سوى يومين حتى دخل الاحتلال الإسرائيلي إلى البلدة، ونجت بأعجوبة. عند وقف إطلاق النار، لم تتردد لحظة في العودة. ولو تمكنت من الوصول بالسيارة يومها، لبقيت هناك، ولكن الحمد لله أنها لم تستطع، وإلا لكانت قد استشهدت. إنها عنيدة، لا تسمع الكلمة أبداً!'.