اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– يريدون تقديم سورية مثالاً لدعوة اللبنانيين إلى تأييد دعوات نزع سلاح المقاومة، تحت شعار أن قطار الازدهار ركبته سورية وتخلّف عنه لبنان، فحكم الشام قد أعلن اصطفافه تحت العباءة الأميركية وخرج من شعارات العقائد ومنطق المواجهة مع “إسرائيل”، وأعلن جهوزيته للانضمام إلى مسار التطبيع، دون اعتبار احتلال الجولان عقدة تحول دون ذلك، بغض النظر عن الصيغة التي تنتهي إليها هذه العقدة، والشعار هو أن تغييراً كبيراً يجري من حولنا وأن فرصة ذهبية في الأفق يجب أن لا تفوتنا.
– هذا كلام يُقال عنه موضوع إنشاء عربي ضعيف ومفكك، ينال بالكثير علامة اثنين من عشرين، فتعالوا نخرج من التنميق الكلامي وصف الحكي كما يُقال بالدارج وننظر إلى الوقائع، ماذا يجري في سورية اليوم؟ وماذا يجري في لبنان اليوم؟ في سورية قصف إسرائيلي للعاصمة، وفي العاصمة القصف يستهدف مقر وزارة الدفاع وأحد مقار الرئاسة، ويوضع فيتو إسرائيلي على دخول الجيش السوري الى منطقة مساحتها 10480 كلم مربع بما يزيد عن مساحة لبنان، ويترجم هذا الفيتو بقصف مواقع ووحدات تابعة للجيش السوري، و”إسرائيل” تنجح بتنظيم فتنة بين المكوّنات السورية، لا مكان فيها لمزاعم فلول النظام، كما جرى في حالة الساحل والمجازر التي شهدها، ونهر دماء يسيل بين مكونات أهليّة في المجتمع السوري زاد عدد ضحاياها عن ألف قتلوا وألوف هجّروا ومثلهم جرحى، ولا أفق قريب لنهاية المذبحة السورية الراهنة، وربما انفجار مثيلات لها تحت عناوين مختلفة.
– في لبنان اعتداءات “إسرائيلية” مستمرة تستهدف مواقع وشباباً من المقاومة وبيئتها، واحتلال لنقاط بعمق 3 كلم داخل الحدود، والجيش اللبناني يمسك بالأمن في جنوب لبنان عدا هذا الشريط الضيق، لكن العزيز، الذي يتمركز فيه جيش الاحتلال، و”إسرائيل” تدرك أن المقاومة التي أعادت ترميم قواها وتعلن جاهزيتها وقدرتها على خوض المنازلة مع الاحتلال، تتريّث لفعل ذلك، حرصاً على الإجماع اللبنانيّ المحقق داخل المجتمع وبين المقاومة والدولة حول منح الفرص للضغوط الدبلوماسية لوقف الاعتداءات وإنهاء الاحتلال، لكن إذا وقع اعتداء بحجم يصعب ابتلاعه فالمقاومة سوف تخرج عن صمتها وتفعل اللازم، والأكيد الأكيد أنه لو جرى في لبنان ما جرى في سورية، فإن المقاومة سوف تفعل ما تهدّد بفعله، وتعتبر أن اللحظة حانت وأن الجامع اللبناني سوف يكون وراءها، ولذلك فإن الاحتلال لا يفعل ما فعله في سورية لأنه لا يريد منح المقاومة اللحظة المناسبة، وفي لبنان رغم الصراخ الكثير والاختلافات العميقة، ليس هناك مشروع فتنة أهليّة تحت الرماد، بل تقدم غير مسبوق في وحدة موقف كتلتين تاريخيتين في لبنان، كتلة تؤمن بالمقاومة وحدها، وكتلة تؤمن بالدولة وحدها، والكتلتان تختبران التوافق على تعاون الدولة والمقاومة وها هما تنجحان، ويشعر أعداء المقاومة والدولة معاً أنهم محاصرون فيرفعون صراخهم بسبب إدراكهم أن رهانهم على تصادم الدولة والمقاومة قد خاب.
– إذا كان من نصيحة يجب أن توجّه لقيادة أحد البلدين باتباع وصفة البلد الآخر، فإنها النصيحة للقيادة السورية باعتماد الوصفة اللبنانية، تقديم التنازلات المتبادلة داخل البلد، والتمسك بالحقوق الوطنية وعناصر القوة في مواجهة الاحتلال، فالذين يعتبرون أن سلاح المقاومة هو سبب العدوان والاحتلال مطالبون بالجواب عن سؤالين، الأول: لم تقم الحكومة السورية بمنح “إسرائيل” فرصة تدمير كل السلاح الذي كانت تعتبره مصدر قلق وهي تتفرج ولم تنبس ببنت شفة، فماذا كانت النتيجة غير التغوّل الإسرائيلي وطلب المزيد وفرض مزيد عن المزيد، وكلما تحقق جزء طالبت بأجزاء؟ والسؤال الثاني: إذا كان باعتقادكم أن تسليم السلاح يضمن انسحاب الاحتلال ووقف العدوان، أليس منطقياً التساؤل عن أن الاحتلال الذي لم يفعل ما عليه فعله بموجب الاتفاق وهو يدرك أن تنفيذ الانسحاب ووقف العدوان قد يفتحان الباب للبحث بمستقبل السلاح، وهذا حافز كافٍ للالتزام من قبل طرف يقول تاريخه إنه عدو الالتزام بالتعهدات، وبالتالي ما هو الحافز الذي سوف يدفع الاحتلال لتنفيذ الانسحاب ووقف العدوان إذا ارتاح من السلاح؟
– ما قدّمته سورية الجديدة لـ”إسرائيل” درس وعبرة مع ما يجري لسورية على يد الاحتلال من إذلال وإخضاع وتدخل وتلاعب بالنسيج الداخلي وإملاءات على الحكومة، كي يدرك كل العرب أن القضية ليست في حركة حماس وحزب الله، ولا هي في إيران، بل إن “إسرائيل” تريد كل الدول العربية وفق عقيدة الضفة، دولة منزوعة السلاح بلا سيادة، يسمح لشعوبها بالبقاء المادي على قيد الحياة مقابل التسليم بالعيش بلا كرامة وطنيّة وبلا سيادة دولة، للحاكم قصر وحرس وعلم ونشيد والأجواء لـ”إسرائيل” والأرض تقتطع منها “إسرائيل” ما تقول إنه منطقتها الآمنة، وإملاءات تفرضها “إسرائيل” تحت شعار عدم الشعور بالتهديد، أما أميركا فلها مهمة واحدة تكرار الشعور بالقلق ثم القول إنها تؤيد حق “إسرائيل” بالدفاع عن نفسها، وتكرار الشعور بأن “إسرائيل” تعيش على مساحة ضيقة يجب أن تتوسّع، وأن ما لديها من سلاح بما فيه النوويّ ضرورات لهذا الدفاع، بينما كل سلاح عربي فهو مشروع تهديد لـ”إسرائيل” وكل اعتراض عربي على الهيمنة والعدوانية الإسرائيلية فهو مشروع إرهاب.