اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
بقلم المحامي زياد رامز الخازن
لم يعد الأمر مفاجئاً. في هذا البلد، كل شيء أصبح ممكناً… حتى أن يُصبح توقيع حاكم المصرف المركزي أهم من القانون. إعتدنا أن تُعلَّق الحقوق كلما ضاقت الأحوال، وأن يُقدَّم الاستثناء على القاعدة، والذريعة على النص. لكن هذه المرة، جاءت الضربة من حيث يفترض أن يُحمى القانون، لا أن يُعلّق.
في الأول من تموز 2025، صدر عن مصرف لبنان التعميم الأساسي رقم 169، مرفقاً بالقرار الأساسي رقم 13729. عنوانه يبدو مطمئناً 'تأمين المساواة في التسديد لودائع بالعملات الأجنبية'. لكن المضمون يقول العكس تماماً. يمنع التعميم المصارف من تسديد أي مبلغ بالدولار من الحسابات المفتوحة أو المحوّلة قبل 17 تشرين الثاني 2019، ما لم يصدر إذن خطي من الحاكم نفسه.
ببساطة، لم تعد أموالك لك… إلا إذا قرر الحاكم كريم سعيد أن يمنّ بها عليك.
أنت مودع؟ عليك أن تنتظر.
أنت صاحب حق؟ عليك أن تصبر.
ولأن القرار لا يريد أن يبدو ظالماً، زُيّن بجملة منمّقة:
'مصرف لبنان يؤكد تكراراً على مبدأ المعاملة المتساوية والعادلة بين جميع المودعين، كقاعدة قانونية أساسية وكضرورة تقتضيها النزاهة المالية والمصلحة العامة'.
جميلة العبارة، لكن مؤلمة في معناها. فالمساواة المقصودة هنا، هي أن يُمنع الجميع بالتساوي. أن تُجمَّد كل الحسابات… كي لا يُقال إن هناك تمييزاً.
والواقع أن التمييز الحقيقي حصل منذ زمن. حين خرجت أموال البعض إلى الخارج، بصمت. حين فُتحت لهم الأبواب، وأُقفلت على غيرهم. واليوم، يُقال لنا: لا يحق لكم الاعتراض، لأننا نحرم الكل… بعد أن سمحنا للبعض.
من الناحية القانونية، لا يحتاج الرد إلى اجتهاد. المادة 15 من الدستور واضحة: الملكية مصونة. لا تُنزع إلا لمنفعة عامة، بموجب قانون، ومع تعويض عادل.
والقانون 283/2022 أعاد تأكيد هذا الحق.
والقضاء اللبناني أصدر قرارات تحفظ للمودعين حقوقهم.
لكن مصرف لبنان قرر أن يُعلّق كل هذا… بتعميم.
المشكلة لم تعد فقط في التعميم، بل في ما يُراد لنا أن نقتنع به. أن هذا 'تنظيم' للأزمة. أن هذا 'عدل و مساواة'. أن انتظارنا لأموالنا نوع من 'المواطنة الصالحة'.
ولا أحد يسأل: منذ متى أصبح المواطن بحاجة إلى إذن كي يسحب ماله؟
منذ متى صارت الودائع تُدار كأنها صدقات؟
ومن قال إن استرداد الحق فيه تفضيل على الآخرين؟
التعميم موجه إلى المصارف، لا إلى الناس. لكنه مكتوب بلغة تُشبه رسالة موجهة إلى المواطن نفسه: اصمت. انتظر. ولا تسأل كثيراً.
لكن الناس تعبت من الإنتظار. تعبت من التسليم الأعمى لما يُقال إنه 'مصلحة عامة' بينما لا أحد يشرح أين ذهبت المصالح، ولا من إستفاد.
العدالة لا تكون في أن نُعامل كل الناس بالمنع، بل أن نعيد لكل إنسان حقه.
والمساواة لا تعني أن نتقاسم الظلم، بل أن نُنصف من ظُلم.
في النهاية، لا أحد يطلب إمتيازاً. لا أحد يطلب معجزة.
فقط أن يعود المال لصاحبه، وأن لا يُجبر المواطن على الشعور بالذنب لأنه يريد ما يملكه.
هذا التعميم لا يُلغي الدستور، حتى لو حاول. ولا يُسقط حقاً، حتى لو جُمِّد.
قد يُطبَّق، نعم.
لكنه لا يُقنع.
ولا يُحترم.