اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
في ظل الانهيار الاقتصادي المتواصل، تُسجّل معدلات البطالة في لبنان خلال العام 2025 مستويات غير مسبوقة، وسط تراجع كبير في فرص العمل، وهجرة متزايدة للشباب الساعي إلى مستقبل خارج حدود الوطن. الأزمة لم تعد محصورة بالأرقام، بل أصبحت واقعاً يعيشه عشرات الآلاف من الخريجين والعمال، في بلدٍ بات سوق العمل فيه ضيقاً، بلا نمو، ولا قدرة على استيعاب الطاقات الشابة.
وتم تداول أرقام تُظهر عمق هذه المأساة، إذ تخرج في العام 2024 ما يقارب 41,000 طالب جامعي، إلّا أنّ نحو 7,000 فقط منهم تمكنوا من إيجاد وظائف، بحسب تقارير إعلامية متداولة، ما أثار تساؤلات حول مدى دقّة هذه المعطيات وآلية احتسابها.
شمس الدين: لا يمكن قياس البطالة بهذه الطريقة
الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين يوضح في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أنه “لا يمكن الجزم بأن 7,000 فقط من أصل 41,000 خرّيج حصلوا على وظائف، لأن هذا الرقم لا يشمل أولئك الذين غادروا البلاد للعمل في الخارج، وهؤلاء يساهمون في التخفيف من نسبة العاطلين عن العمل الظاهرة، لكن ذلك لا يعني أن البطالة لا ترتفع عاماً بعد عام”.
ويؤكد شمس الدين أن “معدلات البطالة لا تُقاس بهذه الطريقة، نحن نقدّر اليوم أن النسبة قد بلغت نحو 36%، وهي نسبة مرتفعة جداً. ولولا الهجرة، لكانت الأرقام أعلى بكثير”، مشيراً الى أن التعريف القانوني للبطالة هو “كل شخص عمره بين 16 و64 عاماً، لا يتابع دراسته، وكان يبحث عن عمل خلال آخر 15 يوماً، وعلى هذا الأساس، يتم احتساب النسبة. لكن في لبنان، هذه النسب تبقى نظرية، لأن آلاف الشبان والشابات يهاجرون أو ينتظرون فرص العمل في الخارج، وهذا ما يُبقي الأرقام تحت السيطرة ظاهرياً، بينما الواقع أكثر قساوة”.
ويضيف: “ما يُقال عن 4 أو 5 آلاف شاب وشابة تركوا وظائفهم في جمعيات أممية ليس رقماً صادماً، بل طبيعي ولا يمكن أن نقارن به، لأن المشكلة الأساسية تكمن في أن معدلات البطالة ترتفع سنوياً، والهجرة أصبحت صمّام أمان غير مستدام”.
أبو دياب: الحل عبر نمو اقتصادي حقيقي
أما الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب فيوضح في حديثه لـ”لبنان الكبير” أن لبنان يعيش اليوم في حالة اقتصادية غير سليمة، ما ينعكس تراجعاً واضحاً في معدلات النمو، مؤكداً أن “فرص العمل لا تُنتج إلا في ظل نمو اقتصادي فعلي، ومع استمرار الانكماش في السنوات الماضية وحتى اليوم، فإن سوق العمل يشهد تقلّصاً متواصلاً، مقابل دخول نحو 40 ألف خرّيج جامعي سنوياً إلى السوق”.
واذ يرى أبو دياب أنه “لولا وجود الهجرة والعمل في الخارج، لكانت نسب البطالة أعلى بكثير في لبنان، فالهجرة اليوم تُخفف الضغط مؤقتاً لكنها لا تحلّ جوهر الأزمة”، يشدد على أن الحل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في “إيجاد فرص عمل مستدامة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا عبر نمو اقتصادي حقيقي، يقود إلى توسع الاستثمار، وتنشيط الدورة الاقتصادية، وخلق فرص عمل جديدة، إلى جانب ضرورة تنظيم سوق العمل الداخلي”.
شهادات من الواقع
وسيم، 27 عاماً، خرّيج في مجال الهندسة، يعمل منذ عام في شركة برمجة في برلين، بعد محاولات متكررة لإيجاد فرصة عمل في لبنان. يقول لموقع “لبنان الكبير”: “قدمت طلبات توظيف لأكثر من ثلاثين شركة في لبنان، لكن الردود كانت إما معدومة، أو برواتب لا تكفي حتى للمواصلات. غادرت البلاد لأنني أردت أن أعيش، لا أن أعمل فقط. هنا، أعمل بكرامتي، ولديّ أمل ببناء مستقبل”.
في المقابل، يروي حسن، 25 عاماً، خرّيج إدارة أعمال من جامعة خاصة، تجربته مع البطالة قائلاً: “تخرّجت منذ أكثر من سنة، ولا أزال أبحث عن عمل. حاولت إطلاق مشروع صغير في بلدتي، اشتريت بعض المعدات البسيطة، لكن ليس هناك رأسمال، والدولة لم تساعدنا لا عبر القروض ولا بأي حوافز، ووصلت إلى مرحلة أرى فيها أن الحصول على عمل في الخارج أسهل من أي فرصة في لبنان”.
بين شبابٍ مهاجر استطاع الافلات من البطالة، وآخرين يواجهون مصيراً غامضاً، تبقى أزمة البطالة في لبنان مرآةً لأزمة اقتصادية أشمل، لا تُعالج بالحلول الجزئية أو المبادرات الفردية، بل تتطلب سياسات اقتصادية فعّالة تعيد تحريك عجلة النمو، وتعيد بناء الثقة في سوق العمل، وحتى يتحقق ذلك، يبقى الحلم اللبناني مؤجلاً، أو مؤقتاً في بلاد الاغتراب.