صحافي يورط "إل.بي.سي.آي" بالتضليل.. واستنفار عربي

للمرة الأولى منذ 7 اكتوبر، تسمح 'المؤسسة اللبنانية للارسال انترناشيونال' LBCI ببثّ تقرير لا يراعي الاصول المهنية، خلافاً لتجربتها خلال السنوات الماضية التي حرصت فيها على تقديم الرأي والرأي الآخر، بجهد مهني بالغ، وتدقيق مسبق بالمعلومات.

ومثار السخط، أن القناة اتُهمت بترويج الرواية الإسرائيلية، ومحاولة خلق تبرير للإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ أكثر من خمسة شهور، فيما ذهب البعض الآخر إلى القول بأن ما نشرته LBCI، لم تجرؤ على نشره قنوات أخرى تعارض 'حماس'.

يستعرض المحتوى بوصف مُقدّمه رواد طه أوجه الشبه بين رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، وقائد الحركة في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف من جهة، وبين رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزيريه المتطرفين إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، من جهة ثانية. يساوي رواد طه بين الطرفين. في الواقع، هو يساوي الضحية بالجلاد، ويتجاهل أن المقاومة هي نتيجة إحتلال وإغتصاب أرض وتطهير عرقي للشعب الفلسطيني وقتل أطفال وشباب وشيوخ ونساء، وليست حادثة 7 اكتوبر معزولة عن السياق التاريخي للاضطهاد الاسرائيلي بحق الفلسطينيين، خلافاً للمقاربة المجتزأة التي قدمها طه في مقطع الفيديو.

والخلاف حول المقاربة من زاوية سياسية، ليس الأساس في النقاش القائم، بالنظر الى أن أي طرف، من حقه أن يعارض أو ينتقد، بمعزل عما إذا كان الأمر جائزاً، في هذا الوقت، من زاوية أخلاقية، ربما تحاذر وسائل إعلام عالمية النقاش فيه، بعدما أوغلت اسرائيل في ضرب كل المعايير الأخلاقية للحرب، ودِينت بارتكاب ابادة جماعية في محكمة العدل الدولية.

السنوار والضيف

النقاش الاساسي الآن، هو مهنية التقرير، لجهة المعلومات التي قدمها. فالتقرير تضمن مغالطات عديدة وردت في المحتوى، إذ يتحدث رواد طه عن دور يحيى السنوار في بناء الأنفاق في غزة، ويتجاهل أن الرجل خرج من الأسر في العام 2011 بعدما أمضى حوالى 23 عاماً في سجون الاحتلال، وتم إبعاده الى غزة، بينما نشاط حفر الانفاق، ليس ماركة مسجلة باسم 'حماس' ولا السنوار.. وهي تجربة تاريخية ممتدة، منذ الحصار الذي فرضه الاسكندر المقدوني على القطاع دام حوالى 3 أشهر، وإضطر خلاله لحفر الأنفاق في غزة، واستفادت 'حماس' من الانفاق الموجودة التي طورها البريطانيون في الأربعينيات، ثم إسرائيل خلال احتلالها لغزة قبل العام 2005.

وإذا غاب عنه تاريخ السنوار، فإن هذا الاختزال يشمل أيضاً تجربة محمد الضيف الذي لم يكن طوال حياته مجنوناً.. ولو لم يؤمن به الزعيم الراحل ياسر عرفات، لما أطلق سراحه في العام 2000، خلافاً للإرادة الاسرائيلية، عندما طلب الاحتلال من أجهزة الأمن الفلسطينية اعتقاله، وطلب عرفات الإفراج عنه وحمايته! كان الرجل الذي تعرض لثلاث محاولات اغتيال بالحد الادنى، ولا يزال، رمزاً لمقاومة الاحتلال والاضطهاد. وعليه، فإن إسقاط تهمة الجنون عليه في التقرير، تنتقص من تجربته ونضاله وكفاحه ضد نظام الفصل العنصري، بشهادة المحكمة الجنائية الدولية، التي لم يقرأ طه بالتأكيد شيئاً عنها، كما لم يقرأ تجربة الانتفاضة الثانية في 2001، التي تثبت أن 'فتح' لم تتخلَّ عن الكفاح المسلح بعد أوسلو، ببساطة لأن اسرائيل انقلبت عليها!

حملات مناصرة

لا يمكن انتقاص حق طه بأن يكون معارضاً لـ'حماس'، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن له أن يذهب الى التضليل والاجتزاء وتجاوز الأصول المهنية، من دون أن يتعرض لانتقاد مقابل. لا شك أن الصحافي اليافع، استفزّ شريحة لا يُستهان بها لبنانياً وعربياً، فانتقدته وهاجمته، ضمن سياق حقهم في الانتقاد أيضاً.

الطرفان يتحركان ضمن اطار حق الرأي والتعبير، وتالياً، فإن الحملة التي نشطت وتتهم منتقديه بسعيتهم لـ'كم الأفواه' أو 'هدر الدم'، هي نفسها تسعى لـ'كمّ الأفواه'، وتنتقص من حق معارضيه في حرية التعبير عن رأيهم، تحت ذرائع معلبة وجاهزة مسبقاً، لمجرد دفاع منتقدي خطابه عن حق الفلسطينيين في الحياة، وأن تكون لهم دولة، وأن يواجهوا آلة البطش الإسرائيلية، إسوة بتجارب مقاومة الاحتلال في كل دول العالم وعبر التاريخ.. ولمجرد دفاعهم عن الفلسطينيين برفض مصادرة أرضهم وتحويلهم الى لاجئين في بلادهم، أو ضحايا 'ترانسفير' جديد، أو شتات في العالم، أو حتى جاليات مستهلكة لشركات اسرائيلية داخل فلسطين.

رد 'حماس'

وعلى أثر انتشار الفيديو، اعتبرت حركة 'حماس'، في بيان، أن التقرير يتضمن مقارنة عبثية وظالمة وغير معهودة بين حكومة الاحتلال الفاشية والمقاومين في قطاع غزة، ويحتوي على جملة من المغالطات التي تنافي الوقائع، وتتساوق ضمنياً مع جهود الاحتلال لتحميل المقاومين المسؤولية عن قتل الأطفال والنساء والإبادة عموماً.

وقالت 'حماس' إن التقرير 'ربط بين ما يحدث حالياً من مجازر وما وقع من فعلٍ مقاوم في السابع من أكتوبر، وكأن القضية الفلسطينية وُلدت في ذلك اليوم، متجاهلاً تاريخ الاحتلال الطويل، وأن لكل احتلال مقاومة تعمل على طرده'. كما 'تنكّر للأحداث السابقة، من استيطان في الضفة الغربية، وحصار غزة منذ 17 عاماً، واعتداءات على الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس، وتهديد دائم بالترانسفير. كما تعمّد التقرير تجاهل رؤية حماس التي نشرتها، وتحكي فيها ما جرى في السابع من أكتوبر'.

وقالت 'حماس' إن 'الهدف من التقرير هو التحريض على المقاومة وقيادتها وتجريم عملها وأساليبها وأدواتها'، واعتبرت أن 'اتهام حركة حماس التي تدافع عن شعبها ووطنها بأنها 'تقتل المدنيين الإسرائيليين' هو تجني كبير على الشعب الفلسطيني ومقاومته وهو عبارة عن صك براءة للاحتلال الإسرائيلي المجرم وتبني كامل لرؤيته ومشروعه ومجازره'. وأكدت أن 'المقارنة بين المقاومة والاحتلال، أو بين قيادة المقاومة وقادة الاحتلال المجرمين هو انحياز بحد ذاته للاحتلال وترويج لمشروعه ووجوده والاستسلام والخنوع والتسليم له'.

وأعرب المكتب الإعلامي لحركة 'حماس' في لبنان عن استغرابها 'لمضمون التقرير وتوقيته'، ودعت قناة LBCI إلى 'الانحياز الكامل لصالح الضحية، كما فعلت منذ بداية العدوان'. وأكدت أن 'التساوق مع الاحتلال في المضامين، هو جريمة إضافية بحق الضحايا، وانسلاخ عن القيم الانسانية وتأييد لحرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني'.