اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١٣ حزيران ٢٠٢٥
لم يكن خيار الحرب مجرد خطوة ميدانية عسكرية لها آثارها المباشرة، بل كان أيضاً فعلًا رمزيًا بامتياز، يعيد رفع البنية المعرفية التي تنسج بها الأحزاب حضورها السياسي والثقافي في لبنان، ليصبح مادةً سجاليةً شديدة التوتر، تُظهر بوضوح طبيعة الصراع الذي يُدار في البلاد منذ عقود.
أطلقت 'جبهة الإسناد' التي فتحها حزب الله في جنوب لبنان ضد إسرائيل في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 جولةً جديدةً من جولات تظهير ومبارزة السرديات المتناقضة في لبنان حول هوية البلد ودوره. لم تنتهِ هذه الجولة ببدء سريان وقف إطلاق النار، إذ كانت نتائج الحرب الكارثية على حزب الله وعلى لبنان والتحولات الإقليمية الكبرى دافعًا إضافيًا أمام الأطراف لمزيد من الانقسام حول محاولات تفسير الواقع وصياغته.
إدارة المعرفة: سلطة على الوعي
تحوّلت إدارة المعرفة وعملية السيطرة على المعلومات إلى أبرز أدوات الفعل السياسي المعاصر، بوصفها ممارسة أيديولوجية تؤسس للهيمنة.
هنا يحضر اقتباس ميشيل فوكو البليغ: 'الحقيقة ليست خارج السلطة… بل هي جزء منها. فالحقيقة تنتجها علاقات القوة وتوزعها وتعيد إنتاجها'. ما يعني أن إنتاج السلطة وإعادة إنتاجها يعتمدان على القدرة على إدارة المعرفة والسيطرة على الحقيقة، وهو ما يحدّد تشكيل الوعي الجماهيري في الفضاء العام، وبخاصة في دول مثل لبنان، حيث تصبح للرموز اليد الطولى في تحديد أشكال الاصطفافات إزاء الأحداث.
تُفهم إدارة المعرفة كآلية للتحكّم بالموارد الرمزية التي تتيح للفاعلين بناء سردياتهم وإضفاء الشرعية عليها. تصبح المعرفة هنا عنصراً في لعبة السلطة، حيث لا يُكتفى بإنتاج المعلومات، بل يُعاد تنظيمها وتسويقها ضمن بنى معرفية كبرى، على شكل روايات ثابتة الجوهر، شمولية التفسير، تدمج الماضي بالحاضر وتستشرف المستقبل وفق سردية أحادية. ويعبّر عن ذلك المفكر زيغمونت باومان حين يرى:'الحقائق، حتى تلك التي تبدو صلبة، ما هي إلا منتجات اجتماعية، تتغير بتغير القوى التي تصنعها'.
في السياق اللبناني، يظهر ذلك في محاولة حزب الله وضع خياره العسكري في قلب 'الرواية المقاومة' لا كمستجد، بل كأساس متكامل، ما يمنحه القدرة على منح الشرعيات وسحبها، في تمازج بين 'سلاح المقاومة' و'الشرعية' وبين السياسات الشعبوية والمصالح المالية.