اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٣ نيسان ٢٠٢٥
سمّوها ما شئتم: حربُنا، حرب الآخرين، حربُنا مع الآخرين. ففي الحالات الثلاث الحرب الأهلية 'حاضرة ناطرة'.
فسّروا أحداثها كما تريدون: بالسياسة، بالاقتصاد ، بالدين، بالطوائف، بالطبقات، بالجغرافيا، بالتاريخ. المؤكد ان لا حرب اهلية من دون عدوانية بين الجماعات وبدون سلاح.
حصر السلاح بيد الدولة هو الحل الوحيد للسلاح. والقانون هو الحل الضروري وإن كان غير كافٍ للعدوانية، أكان القانون للردع او للعقاب او لتنظيم الصراعات ديمقراطيًا بين الجماعات. اما معالجة النفوس فتتطلب مقاربات مناسبة، في العائلة والمدرسة والعمل، في البلدات والمدن، يمكن للقانون أيضا ان يساهم في تطبيقها.
فكرة الدولة نشأت عبر التاريخ عندما قررت جماعات متقاتلة بالسلاح تسليم سلاحها إلى جهاز محايد إخترعته وأسمته الدولة، حتى عُرِّفت الدولة بأنها وقبل كل شيء من يحتكر حمل السلاح واستخدام العنف.
هذه الدولة التي احتكرت السلاح أصبحت مع الزمن دولة القانون، وهذا القانون الذي يلجم العدوانية او ينظّمها سلمياً، اصبح مع الزمن ما يتفق عليه مواطنو هذه الدولة بالطرق الديمقراطية، ويرون فيه مصلحتهم المشتركة.
العدوانية بين الجماعات تسعى لاقتناء السلاح وتجربة ما قبل حرب ال٧٥ شاهدة على ذلك. والسلاح بيد جماعة يولّد العدوانية وتجربة حزب الله مع اللبنانيين دليلٌ ساطع لا يزال حاضراً.
معالجة العدوانيّة بالقانون من دون معالجة حصر السلاح بيد الدولة، قد تفتح شهية العدوانية على السلاح. وحصر السلاح بيد الدولة من دون معالجة العدوانية بالقانون، قد يحوّل الدولة إلى سلطة قمعية، او يفاقم العداوات حتى انفجارها بالوسائل المتاحة تمهيداً لحمل السلاح.
إتفاق الطائف الذي جاء ليوقف الحرب نص على حصر السلاح بيد الدولة واقر دستوراً ببنود جديدة للجم العدوانية ولتنظيمها ديمقراطياً ولمحاولة معالجة جذورها، لكن الدولة لم تحتكر السلاح ولم تطبّق النص الدستوري، وبقيت العدوانية بدون رادع عنفي او قانوني.
نحتاج إلى بندقية عون التي تحتكر السلاح، عن طريق الحوار اذا امكن، كما يفضّل عون. كما نحتاج إلى مطرقة سلام التي تطبق القانون، عن طريق تطوير القانون واستقلالية القضاء، كما يفضّل سلام.
وعون وسلام يحتاجان – وأكثر من الدعم الدولي- إلى شعب يعترف بالعدوانية بين فئاته وبمضارها على عيشه الحر الكريم، ويقرر معالجتها بالقانون لا بالسلاح، حتى يأتي اليوم الذي نحتفل فيه بنهاية الحرب وليس بذكرى اندلاعها.
لا حجة لحزب الله للاحتفاظ بسلاحه. فمقاومته لم تحارب لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بل لإسناد غزة، وسلاحه لم يحمِ لبنان من العدوان الاسرائيلي. الفعالية الوحيدة لسلاحه كانت في حروبه الاهلية: في ٧ ايار ٢٠٠٨ في غزوة بيروت، وفي انخراطه في الصراع الأهلي السوري والعراقي واليمني.
أصعب من احتكار السلاح وأهم على المدى البعيد، سيكون معالجة النزعات العدوانية بين الجماعات اللبنانية، المذهبية والطائفية، بدءاً بظاهرة التخوين، التي تتجلّى اليوم بإتهام فئة ب'الصهيونية' وأخرى ب'الإيرانية'. كان جورج نقاش يقول 'سلبيتان(لا للغرب ولا للشرق) لا تبنيان وطناً'. نقول معه اليوم للمخوِّنين 'خائنان لا يبنيان وطناً'.
ظاهرة التخوين لا نلاحظها فقط بين مذاهب او طوائف بل أيضاً داخل المذاهب والطوائف نفسها. واذا كان حزب الله سبّاقاً في تخوين معارضيه الشيعة، فإننا نشهد ممارسات شبيهة في البيئة المسيحية اليوم، حيث تخوَّن الاطراف الاقوى سياسياً من يخالفها الرأي السياسي او الاقتصادي، بالعودة الى مفردات الحرب من خلال الصاق التهم من مثل 'يساري' او 'فلسطيني'. وكأن وهم فائض القوة وسلوكياته، ينتقلان من الجانب الشيعي الى الجانب المسيحي.
التخوين هو اقصى درجات رفض الآخر المختلف، واخطر ما فيه انه قد يذهب إلى حد إلغاء الآخر، اي قتله، تماماً كما كان يحصل خلال الحرب، وكما حصل بعدها.
وصولًا إلى الهدف السامي الذي اسمه السلم الاهلي، والذي بدونه لا حرية ولا ديمقراطية، لا ازدهار ولا عدالة اجتماعية،
فلنبني معًا ما هدمناه معًا خلال خمسين سنة، ولنعتذر من شهدائنا الذين كذبنا عليهم عندما كتبنا على صورهم 'ماتوا لنحيا'.
فنحن لم نحيَ بعدهم، بل استمرينا بقتلهم مرات ومرات
وزدنا من اعدادهم، اذ ان الذين بقوا بالصدفة على قيد الحياة لا يزالون يكررون حتى اليوم ما مات من أجله الشهداء وما يمكن ان يموت من أجله شهداء جدد، وكأن الحرب لم تتوقف بعد.