اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٤ كانون الأول ٢٠٢٤
يقول الروائي الروسي تولستوي: 'إرّتكاب الخَطيئة عمل إِنساني، لَكن تَبرير تلك الخَطايا عَمل شَيطاني.'
ما يجري في لبنان هذا الايام الوجودية، من كوابيس وكواليس ايديولوجية مهترئة، من حروب ودروب ونزوح وشتات قديم جديد مستجد، هو نهاية الطبقة السياسية الحاكمة منتهية الصلاحية، قبل ان تولد والخروج من السلطة والصورة والمحاصصة والتوريث والبرستيج والوراثة.. الطبقة الفاقدة للأمانة، والمصداقية، والنزاهة، والشفافية السياسية الوطنية والاخلاقية والسيادة.. نعم، الطبقة السياسية الفاقدة للأمانة الوطنية بكل أبعادها من المواطنة إلى الدستور العصري إلى النشيد الوطني إلى العلم وكلنا للوطن.. طبقة الفساد والإفساد المستشري، حتى النخاع الشوكي والعظمي في أوجاع الناس والمواطنين ومصائبهم.. وانقطاع أساسيات وبديهيات الحياة من الهواء الى الماء، إلى الرغيف الى الدواء إلى الكهرباء، إلى الودائع والمدخرات وصولاً إلى المقابر والأكفان المستوردة، من محاور الشرور والاجندات….
نعم، الطبقة السياسية المرتهنة لأحزاب الطائفية السياسية المنتحلة صفة… الاحزاب والأيديولوجيات القابضة بالتراتبية على روح المواطن والدولة والوطن، والقرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والمصيرية… الأحزاب التي ترعى وتقود سلطة المال السياسي، من تفريغ جيوب المواطنين المغلوب على امرهم، بعصا الأحياء الأموات من الوارث الى الموروث والأصوليات المستبدة!
في خلاصة مقال عمر عاطف نوفل ( كارل ماركس وجدلية الدين بين الحقيقة والوهم)، لم يكن كارل ماركس في عداء حقيقي مع الدين في ذاته، وإنما مع الذين ينطقون بإسم الله في أرضه، بمعنى أنهم مفوضون عن الله، وأنهم ناطقون بإسم السماء ويجب الإذعان لهم، فهذه العبارة لا يمكن تعميمها على كل دين، وإنما على أفكار بعض المنتسبين إليه. نعم، لا يمكن تعميمها على كل دين وإنما على أفكار المنتسبين اليه من اجل المصالح القديمة الجديدة والأجندات والأيديولوجيات المشبوهة والمشتبهة… نعم، الدين والثقافة من المواضيع التي تتعدَّد وجوه القول والبحث فيها. وبالأساس فإن مصطلح 'ثقافة' مصطلح إشكالي، لا يستقر على تعريف محدَّد جامع مانع. كما أن مفهوم الدين (وليس الدين نفسه) مفهوم ملتبس، على الأقل لجهة التمييز بين ما هو دين، وبين ما هو فكر ديني. وإذا كان الفكر الديني هو المعرفة البشرية بالدين، تَحتَّم علينا أن نصنِّف الفكر الديني في خانة المعطى الثقافي. ولكن هذا التصنيف لا يتم إلا بعد التوافق على أن مصطلح الثقافة، مهما تتباين تحديداته وتعريفاته، فإنها تُجمِع على أن النشاط الفكري المعرفي هو عنصر أساسي من عناصر مصطلح الثقافة. وهكذا تغدو الخبرة الدينية هي أيضا خبرة ثقافية. ولعل هذا هو ما يسوِّغ استعمال مصطلح 'الثقافة الدينية'، إلى جانب مصطلحات ثقافية أخرى، كالثقافة العلمية، والثقافة الأدبية، والفنية، والسياسية بعيداً عن أجندات الأيديولوجيات المشبوهة والمشتبهة!
العالم أصبح في عصر كمبيوترات 'الكوانتم'، التي يمكن بمفردها أو من خلال دمجها مع الذكاء الاصطناعي، أن تؤدي في ثوان معدودة مهام، قد تستغرق أجهزة الكمبيوتر التقليدية ملايين السنين لإنجازها، فضلاً عن قدرتها الخارقة لكسر أي تشفير مهما كانت درجة تعقيده… في حين بعض الاحزاب التوليتارية المستبدة في بلادنا، تعمل على البطاريات الايديولوجية الثيوقراطية المتخلفه منتهية الصلاحية كما قال 'اتيان دولابواسيي' في كتابه العبودية المختارة: (عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتوائم مع الاستبداد ويظهر فيه ما يمكن ان نسميه المواطن تحت الصفر). نعم، المواطن تحت الصفر الذي تعيش على اكتافه الأحزاب الطائفية، كما هو الحال في لبنان هذه الأيام المتفلتة، من كل المفاهيم الحسية والتجريبية والعقلية. لقد ثبت أن تبعية بعض الاحزاب من خارج الحدود الوطنيّة والسيادة اللبنانية، خطأ تاريخي دفع الوطن والمواطن والاجيال القادمة أثمان باهظة… وأولئك الذين تحالفوا مع تلك الاحزاب الوظائفية، بناءً على المصالح أو على بعض الأيديولوجيات البائدة التي أكل عليها الدهر وشرب.. ألا يجب أن تأتي المصالح الوطنية والسيادية وليس الحزبية أولًا؟ نحن بحاجة إلى تبني البدائل الوطنية بامتيازات وطنية لا تقبل اللعب بالمعنى السيادي.. ولا تقبل التبعية للخارج بالمعنى الوطني… التبعية لمحور من هنا ومحور من هناك التي هي في المقلب الأول موضع شك، في حقيقة النظريات الوظائفية، كما فندها ورفضها المئات من الفلاسفة والعلماء والمفكرين والمرجعيات التي لها تاريخها:
يشكّل رجال الدين المراجع والفقهاء (آيات الله)، أحد أسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران أو ما يسمى بدولة ولاية الفقيه. وإثر انتصار الثورة والإطاحة بنظام الشاه في فبراير 1979، دعا الخميني الشعب الإيراني إلى المشاركة في استفتاء عام لتحديد هوية النظام الجديد. وبالفعل تم تنظيم الاستفتاء في 30 و31 مارس. والمثير في هذا الشأن أن العديد من رجال الدين المراجع والفقهاء لم يشاركوا في الاستفتاء، أو قالوا “لا” لنظام الجمهورية الإسلامية، أو قالوا “نعم” ثم أسفوا من المشاركة وتبرّؤوا من سياسات النظام ونظرياته.. والأيديولوجيات السياسية.
إقرأ أيضاً: الحريري يهنئ السوريين: سعيد برؤيتكم تصدحون بصوت الحرية
'العلامة محمد حسن الطباطبائي'، صاحب التفسير الشهير للقرآن “الميزان”. لم يشارك في الاستفتاء على دولة ولاية الفقيه… لم يكن الطباطبائي نشطا في الشؤون السياسية، لكنه وقّع مع مجموعة من رجال الدين من ضمنهم المرجع الشهير آية الله محمد رضا الكلبايكاني على عريضة تطالب بإصلاحات عديدة لم تنفذ… وحسب الباحث الإسلامي محسن كديور، فإن الطباطبائي وأثناء استقباله وفدا معزّيا بعد اغتيال زوج ابنته، علي قدوسي على يد النظام، قال بأن الثورة “لديها شهيدا واقعيًا واحدًا، وقد استشهد مظلومًا، وهذا الشهيد هو الإسلام…!
آية الله رضا الصدر، شقيق الإمام 'المُغيّب' موسى الصدر. رضا الصدر من الشخصيات الدينية البارزة في إيران ممّن رفضوا المشاركة في الاستفتاء ايضا. يقول بأن المرجع الشهير آية الله محمد كاظم الشريعتمدراي، الذي تم اتهامه بـ”التآمر” ضدنظام الجمهورية الإسلامية، أوصاه بأن يصلي على جنازته بعد وفاته، غير أنه تم دفن جنازة الشريعتمداري من قبل الأجهزة الرسمية ليلا وبشكل سرّي في مقبرة مهجورة، فيما اعتقلت السلطات الإيرانية رضا الصدر ليوم واحد في يوم دفن الجنازة. وقد ذكر الصدر تفاصيل هذه الحادثة في مقال له بعنوان “في سجن ولاية الفقيه”.
وفي المقال طلب من الخميني أن يعلن عن قيام “الجمهورية الإيرانية” وليس الجمهورية الإسلامية، لأنه “أيا كان نظام الجمهورية الإسلامية فسيكون هناك الكثير من المعارضين له، ومن ثم فهؤلاء المعارضين سيعارضون الإسلام أيضا، وبالتالي استمرار وجود الجمهورية الإسلامية سيكون في ضرر الإسلام”. وانتقد الصدر في مقاله كذلك ممارسات محكمة الثورة، وأعلن معارضته تأسيس تنظيم 'حزب الله' في لبنان، كما عارض فرض الحجاب على النساء.
في 1981 نشر أبو الفضل موسوي مجتهد الزنجاني احد الشخصيات الدينية الفقهية الثورية البارزة في ايران، الذي لم يشارك وأخاه رضا في الاستفتاء العام بيانا اعتبر بمثابة “أطروحة متكاملة” حول “انحراف الثورة”، حسب الباحث الإسلامي محسن كديور. إذ وجّه نقدا لاذعا للسلطة الدينية، محتجّا على وجه الخصوص على تلفيق ملفات أمنية للناشطين، وعلى ممارسات محكمة الثورة، وعلى وجود محاكم تفتيش تتعقّب أفكار وآراء وعقائد الناس، وعلى إلغاء الجامعات، وعلى مصادرة أموال الناس. كما عارض نظرية ولاية الفقيه، قائلا بأنها تعني “الحكم المطلق للفقيه”، مؤكدا بأن النظرية هي مجرد ادّعاء لا يستند إلى اي دليل.
آية الله أحمد الخانساري احد المراجع البارزين الذين رفضوا كذلك المشاركة في الاستفتاء العام لولاية الفقيه. وكان الخميني وتلامذته ينتقدونه باستمرار لرفضه الخوض في الشأن السياسي ورغم ذلك، كان للخانساري مواقف بارزة قبل الثورة أثناء إبعاد الخميني من قبل الشاه محمد رضا إلى تركيا. إلا أن شخصيات بارزة قريبة من الخميني، كصادق خلخالي (أول مدعي عام بعد الثورة، وتنسب إليه بعض الإعدامات التعسفية) وهادي غفاري (ويعتبر أكثر رجال الدين تطرفا في السنوات الأولى من الثورة) ومحسن رفيق دوست (العنصر البارز في الحرس الثوري)، كانت تنتقد الخانساري باستمرار لمواقفه المعتدلة.
مرتضى الحائري اليزدي، نجل المرجع الشهير آية الله عبدالكريم الحائري اليزدي، مؤسس الحوزة العلمية في قم. وكانت لمرتضى علاقة وثيقة مع الخميني، وابنته هي زوجة مصطفى الخميني. لكنه خالف السبل التي سارت عليها الثورة وعارض قتل المتظاهرين. في حين يذكر كديور أن مرتضى اليزدي يعتبر من رجال الدين البارزين الذين لم يشاركوا في الاستفتاء العام. وينقل عن البعض أن اليزدي عارض كل الأحكام الصادرة عن محكمة الثورة. كما ينقل عن الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني قوله أن ابنة اليزدي، نجمة، احتجت على وجود أحمد نجل الخميني في مراسم عزاء والدها، كما احتجت أيضا على سياسات السلطة.
مهدي الحائري اليزدي هو النجل الآخر لمؤسس الحوزة العلمية في قم. فقيه شهير، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة حينما كان مقيما في الولايات المتحدة قبل الثورة، وبعد نجاح الثورة تم تعيينه مسئولا عن السفارة الإيرانية هناك، وحسب ما نقل مقربون منه، فقد قدم استقالته من منصبه احتجاجا على تدخل أفراد نافذين في شؤون السفارة. عاد إلى إيران، لكنه عاش في ظل إقامة شبه جبرية. ثم غادر في 1984 إلى لندن. يذكر مهدي الحائري في كتابه 'الحكمة والسلطة' أن ولاية الفقيه تعني أن “قوانين الكفاءة السياسية لإدارة البلد لا تستند إلى أساس فقهي”.
ساهم آية الله محمد كاظم الشريعتمداري أشهر المراجع الشيعة في القرن الماضي، في إنقاذ الخميني من حكم الإعدام.. ولكنه رفض دستور (ولاية الفقيه) والتصويت له. بعد انتهاء الاستفتاء، نشر التلفزيون الإيراني بيانا لأحد رجال الدين مذيلا باسم شريعتمداري، زاعما أن المرجع الشهير قد قال نعم لنظام ولاية الفقيه، فما كان من أنصار المرجع إلا أن كذّبوا الخبر واحتجوا عليه. وفي 1982 اتُهم المرجع بمساعدة صادق قطب زاده للتآمر ضد النظام وقيادة انقلاب ضد الخميني. وكان قطب زاده مستشار الخميني الخاص في منفاه بباريس. وفي سبتمبر 1982 تم إعدامه رميًا بالرصاص.
أما شريعتمداري، فقد تم اتهامه أيضا بمحاولة اغتيال قيادات في الثورة، إلا أن الخميني رفض محاكمته، وفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله ومُنع من التدريس في الحوزة وتعرض للضرب والإهانة وتم إحراق مكتبته. وبعد مرضه، منع من العلاج في المستشفى إلا قبل 40 يوما من وفاته في إبريل 1986. فحسب كديور، كانت السلطات الإيرانية تعلم بإصابة الشريعتمداري بالسرطان منذ عام 1983، لكن الخميني قال بأنه “يجب أن يظل محبوسا في منزله حتى يموت ويتعفّن مع مرضه”. وبعد وفاته دُفن إمام الأئمة شريعتمداري سرًا في مقبرة مهجورة في إحدى 'الضواحي' المهجورة!