اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
سريعاً نجحت إيران في تحويل الحرب الإسرائيلية عليها إلى حرب استنزاف وإرادات، اثر تمكّن طهران من استيعاب نتائج العدوان الصهيوني المباغت، في توجيه ضربة قاسية للجمهورية الإسلامية باغتيال القيادات العسكرية والأمنية وعدد من العلماء النوويين.. مسارعة القيادة الإيرانية الى ملء الشواغر واستعادة عمل منظومة القيادة والسيطرة، ومن ثم المبادرة إلى الردّ على العدوان بقوة، في إطار استراتيجية المواجهة، تدرّجت في استخدام القدرات الصاروخية الإيرانية، من صواريخ تقليدية في البداية إلى صواريخ نوعية وأكثر تدميراً، وتتميّز بالسرعة والقدرة على المناورة، وتحمل عدة رؤوس حربية بعد انفصال رأسها الحربي الصلب عن جسم الصاروخ.. مما مكن إيران من الردّ بالمثل وأكثر بضرب الأهداف الحيوية العسكرية والأمنية والعلمية والنفطية في عمق كيان الاحتلال، وتحويل المدن إلى ساحات حرب حقيقية لم يشهد مثيلاً لها منذ تاريخ نشأته على أرض فلسطين المحتلة عام 1948.
ومن خلال التدقيق في النتائج الأولية لحرب الاستنزاف والإرادات المستمرة منذ أسبوع، يتبيّن الآتي:
أولاً، إنّ الأهداف الإسرائيلية الثلاثة من هذه الحرب على إيران لم تتحقق حتى الآن، وظهر عجز إسرائيل عن تحقيقها، ولهذا سارعت إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة الأميركية لأجل تمكينها من بلوغها وتجنّب الغرق في حرب استنزاف مكلفة جداً وغير قادرة على تحمّلها طويلاً، كياناً ومجتمعاً استيطانياً.. أما عن ماهية الأهداف التي لم تنجح الحرب الإسرائيلية في تحقيقها فهي:
الهدف الأول، إفقاد إيران القدرة على التوازن واستعادة آليات عمل منظومة القيادة والسيطرة والتحكم، بهدف إدخالها في حالة من فقدان التوازن، والفوضى وبالتالي تمكين قوى المعارضة التابعة للغرب من استغلال ذلك لأجل محاولة السيطرة والقيام بإحداث انقلاب من الداخل والسيطرة على مقاليد الأمور.. هذا الهدف فشلت “إسرائيل” في تحقيقه، خصوصاً بعدما سارع القائد الأعلى للجمهورية الاسلامية المرشد السيد على الخامنئي، اثر العدوان الى أخذ زمام المبادرة وملء الشواغر في المواقع القيادية، ووضع خطط مواجهة العدوان وبدء الردّ عليه…
الهدف الثاني، تدمير الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية بحيث تشلّ قدرة إيران على التصدي للطائرات الإسرائيلية الحربية والمُسيّرة، وكذلك قدرتها الصاروخية بالردّ على العدوان بضرب العمق الصهيوني.. لكن هذا الهدف أيضاً، لم تتمكن “إسرائيل” من تحقيقه.. فإيران التي تصنع منظومة دفاعاتها الجوية سارعت إلى تعويض تلك التي تضرّرت أو جرى تدميرها في اليوم الأول من العدوان، وبالتالي عادت الدفاعات الجوية الى التصدّي بفعالية للغارات الجوية الإسرائيلية، مع الأخذ بالاعتبار تفوّق الطيران الحربي الإسرائيلي وقدراته الكبيرة على تجنّب هذه الدفاعات، ومع ذلك نجحت الأخيرة في إسقاط طائرات “أف 35” الأكثر تطوّراً وأسر طيارين إسرائيليين..
أما بالنسبة للقدرات الصاروخية فإنّ إيران تمكّنت من منع “إسرائيل” من تدميرها، إما عن طريق عمليات التموية بنصب منصات خادعة، أو عبر حماية قدراتها الصاروخية في أنفاق ومدن محصّنة في عمق الجبال وتحت الأرض.. وهو ما جعلها قادرة على مواصلة ضرب العمق الصهيوني على مدى الأيام الماضية، دون توقف رداً على العدوان، وفرض معادلة توازن الردع، والتي تقوم على ردّ الاستهداف باستهداف مماثل…
الهدف الثالث، تدمير البرنامج النووي، تمكنت “إسرائيل” من تدمير وإلحاق الضرر ببعض المنشآت والمفاعلات النووية الإيرانية، لكنها غير قادرة حتى الآن على تدمير كلّ المفاعلات والمنشآت لا سيما تلك المحصنة في أعماق الأرض أو الموجودة في أماكن سرية، نقلت إليها التجهيزات الأساسية وأجهزة الطرد المركزي، تحسّباً من استهدافها، وهو الأمر الذي أكده الرئيس السابق للحرس الثوري اللواء محسن رضائي.
ثانياً، لقد نجحت استراتيجية الردّ الإيرانية بالردّ على العدوان بقوة وفعالية في إدخال “إسرائيل” في حرب استنزاف متبادلة ذات كلفة عالية جداً، ينتصر فيها من يملك إرادة خوض القتال بنفس طويل إلى جانب المميّزات الطبيعية لكلّ من إيران وفلسطين المحتلة.. والتي تعمل جميعها لصالح إيران، وهذه المميّزات هي:
1 ـ مساحة الأرض والعمق الجغرافي..
مساحة العمق الصهيوني في فلسطين المحتلة الذي تتركز فيه الكثافة السكانية والمراكز الحكومية والمواقع الحيوية العسكرية والأمنية والنووية ومنشآت البنى التحتية، لا تتعدّى العشرين ألف كلم مربع، وهي مساحة تعادل مساحة العاصمة الإيرانية طهران فقط، في حين أنّ مساحة إيران الإجمالية تبلغ مليون وستماية ألف كلم مربع، أما مساحة كل فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر فإنها تبلغ 27 الف كلم مربع.. وهذا يعني انّ لدى الشعب الإيراني عمقاً جغرافياً واسعاً جداً، يستطيع أن يلجأ اليه المواطنون الإيرانيون الذين تتعرّض مناطقهم للتدمير او الضرر، بينما لن يجد المستوطنون الصهاينة عمقاً يلجأون اليه إذا ما دمّرت وتضرّرت مناطق سكنهم في معظم العمق الصهيوني…
2 ـ عدد السكان والموارد البشرية..
يبلغ عدد سكان الكيان الصهيوني نحو سبعة ملايين نسمة، فيما يبلغ عدد سكان إيران نحو ماية مليون نسمة، ولهذا فإنّ الموارد البشرية الإيرانية تفوق عشر مرات الموارد البشرية الصهيونية.
3 ـ الموارد الطبيعية
من المعروف انّ إيران غنية بالموارد الطبيعية من نفط وغاز ومعادن، ومساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة.. في حين أنّ فلسطين المحتلة تفتقد لموارد النفط، والمعادن.
4 ـ القدرة على الصبر والتحمّل
الشعب الإيراني يتميّز بالوطنية المتجذرة، ولديه الاستعداد للتضحية دفاعاً عن الوطن، وهو يضع ايّ خلافات داخلية جانبا عندما يتعرّض وطنه لعدوان خارجي وهذا ما ظهر هذه الأيام حيث توجد الشعب خلف قيادته، وأعلن الكثير من المعارضين لسياسات النظام الداخلية وقوفهم إلى جانب بلدهم في التصدي للعدوان.. ولهذا قدرة الشعب الإيراني على التحمّل والصبر كبيرة جداً.. هذه الصفات ليست متوافرة لدى أغلب المستوطنين الصهاينة لأنهم لا ينتمون إلى أرض فلسطين، فهم هاجروا إليها واستوطنوا فيها حديثاً عبر إغراءات قدمتها لهم الوكالة اليهودية، بأنهم سينعمون بالأمن والاستقرار وحياة مرفهة، ولهذا عندما يواجهون حرباً تهدّد حياتهم بالخطر فإنهم يفضلون العودة إلى البلدان التي جاؤوا منها، وكذلك لا يملكون قدرة تحمّل حرب استنزاف طويلة.. وليس لديهم الاستعداد للتضحية بحياتهم دفاعاً عن وطن لا ينتمون اليه.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول: في صراع الإرادات والقدرة على تحمّل حرب استنزاف طويلة وعالية الكلفة، فإنّ إيران أكثر قدرة على التحمّل والصبر والتضحية من كيان الاحتلال.. ولذلك فإنّ إطالة أمد الحرب او قصرها مرتبط بقدرة المستوطنين الصهاينة على تحمّل أثمانها الباهظة ان كان على صعيد الخسائر بالأرواح أو على صعيد الخسائر الاقتصادية والمادية.