اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
بلغت العلاقة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وعدد من المستشفيات الحكومية طريقاً مسدوداً، بعد إعلان الصندوق تعليق دفع مستحقات هذه المستشفيات، إلى حين قيامها بتسديد ما يتوجّب عليها من اشتراكات وتصاريح موظفين لمصلحة الضمان، فيما تزعم المستشفيات، في المقابل، أنها عاجزة عن التحرك في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد.
وقد تفاقمت الأزمة مع تضخم المبالغ المستحقّة بين الطرفين، إذ يدين كلٌّ منهما للآخر بمبالغ ضخمة تصل إلى عشرات مليارات الليرات. وفي هذا السياق، تشير مصادر في الصندوق إلى وجود لائحة من المستشفيات التي لم تُسدِّد أي دفعات للضمان منذ ما قبل الأزمة المالية، كما لم تُقدّم أي تصاريح عن موظفيها منذ ذلك الحين.
ويأتي على رأس هذه اللائحة مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي يدين للضمان بـ26 مليار ليرة منذ عام 2020، كما لم يصرّح عن موظفيه منذ ذلك الوقت. كما يُسجَّل على مستشفى ضهر الباشق الحكومي الذي لم يصرح عن موظفيه منذ عام 2021، نحو 8 مليارات ليرة، يُتوقَّع أن ترتفع مع احتساب الغرامات، إضافة إلى مستشفى بعبدا الحكومي الذي تبلغ ديونه للضمان نحو 7 مليارات ليرة.
وتتسع اللائحة، بحسب مصادر وزارة الصحة، لتشمل بدرجات متفاوتة المستشفيات الحكومية في زحلة، بعلبك، الهرمل، حاصبيا، راشيا الفخار، وغيرها. وفي المقابل، للمستشفيات أيضاً مستحقات غير مدفوعة لدى الصندوق، لم تُسدّد إما بسبب التأخير المعتاد في الدفع، أو – أخيراً – نتيجة قرار الصندوق تعليق التسديد على خلفية هذه الأزمة.
لكن، مع ذلك، فإن ما يجري اليوم بين الطرفين لا يُمكن اعتباره مواجهة مباشرة أو عملية تصفية حسابات، بل انعكاس لأزمة بنيوية على مستوى النظام نفسه. أزمة تتجلّى في ما تُظهره المستشفيات الحكومية من لا مسؤولية في التعاطي مع واجباتها، وفي المقابل تراخٍ بلغ حدّ الانفلات داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
فالمستشفيات باتت تتعامل مع استحقاقاتها تجاه الصندوق على أنها من مسؤولية الدولة وحدها، متحلّلة بذلك من أي التزام أو محاسبة، رغم أن القانون منحها الاستقلالية المالية والإدارية التي تمكّنها من تحقيق توازن بين حقوقها وما يتوجب عليها.
تعليق متبادل للمستحقات بين الضمان والمستشفيات وسط غياب التدقيق وتضخم الغرامات
ومن جهة أخرى، فإن الصندوق نفسه يعاني من غياب المساءلة، في مشهد بات مألوفاً في بلدٍ تسوده الفوضى الإدارية، حيث تُركت الملفات تتراكم لسنوات من دون معالجة. وبدلاً من تقديم حلول جذرية، تم اللجوء إلى إجراءات مؤقتة ومرقّعة، من بينها نظام السلف، الذي أسهم في تضييع الحقوق بين الطرفين، فلم يعد واضحاً ما الذي يُدين به كل طرف للآخر، وسط ضبابية محاسبية وتشغيلية كاملة.
وبفعل هذا الواقع، تراخت المستشفيات الحكومية في تسديد ما يتوجّب عليها من اشتراكات للضمان، فيما لجأ بعضها إلى التلاعب بعدد موظفيه عبر الامتناع عن التصريح عنهم للصندوق. وقد أسهم في تفاقم الوضع غياب التدقيق الفعلي داخل الضمان، ما أدى إلى الوصول إلى الأزمة الحالية بين الطرفين، إذ يمتنع الصندوق عن دفع مستحقات المستشفيات المخالفة بانتظار تسديدها لما يتوجب عليها.
ويبدو أن هذا المسار مرشّح للاستمرار، في ظل عاملين أساسيين: أولهما العجز المالي للمستشفيات الحكومية، الذي ينعكس سلباً على جودة خدماتها الطبية، والثاني غياب قاعدة بيانات دقيقة توضح بشكل واضح ما يستحق لكل من الطرفين.
وأمام تفاقم الأزمة وبلوغها حدّ القطيعة، عقد اجتماعان في وزارة الصحة برعاية وزيري الصحة ركان ناصر الدين والعمل محمد حيدر، في محاولة لإيجاد مخرج يُجنّب الطرفين مواجهة مباشرة، باتت نتائجها تُهدّد صحة المرضى المنتسبين إلى الضمان الاجتماعي. فقد بدأت الأزمة أصلاً بتعليق الصندوق العقود مع المستشفيات المخالفة، ثم امتناعه عن تسديد مستحقاتها، وصولاً إلى رفض هذه المستشفيات استقبال أي مريض على حساب الضمان. وهكذا، بات يُحوَّل المريض إما إلى الاستشفاء على نفقة وزارة الصحة، أو يُحال من طبيبه المعالج إلى مستشفى خاص يعمل فيه، وهي الصيغة التي باتت الأكثر شيوعاً.
في هذا السياق جاء الاجتماع التشاوري في وزارة الصحة بهدف البحث عن صيغ حلول عملية للأزمة. وخلال اللقاء، طرحت المستشفيات الحكومية، وفقاً لمصادر وزارة الصحة، اقتراحاً بإعفائها من الغرامات المتراكمة الناتجة من تأخير تسديد المستحقات، ثم العمل على جدولة هذه المستحقات والاتفاق مع الصندوق على آلية ومدة سدادها، على أن يقوم الصندوق في المقابل بتسديد ما لها من مستحقات في ذمته بعد إنجاز عملية تدقيق شاملة للملفات بين الطرفين.
أما مصادر الضمان، فأشارت إلى أن حجم الغرامات بات يتجاوز أصل المبالغ المستحقة، موضحة أن هذه الغرامات «تتضاعف» بعد مرور خمس سنوات على تاريخ الاستحقاق، ما أدى إلى تضخّم الدين المستحق للضمان إلى مستويات تفوق قدرة المستشفيات على التسديد.
كما طُرح في الاجتماع اقتراح آخر من بعض المستشفيات، خصوصاً التي تدين بمبالغ كبيرة للصندوق، يقضي بالحصول على سلفة مالية أو دعم مباشر لتغطية جزء من هذه المستحقات، على أن يُجدول المبلغ المتبقي ضمن مهلة زمنية محددة. ويستند هذا الطرح إلى تجربة سابقة قامت بها وزارة الصحة، تمثّلت بتأمين سلفة حكومية للمستشفيات الحكومية لتسديد الأموال المتوجبة عليها لشركة كهرباء لبنان.
وإذ وعد وزير الصحة العامة بالسعي إلى تذويب الجليد بين الجانبين، إلا أن الحلول المطروحة لا يمكن أن تتحقق بمجرد قرار إداري أو بكبسة زر. فالمقترحان المطروحان – سواء إعفاء المستشفيات من الغرامات أو تقديم المساعدات المالية لها – يتطلبان مساراً قانونياً وحكومياً واضحاً، ولا يندرجان ضمن صلاحيات وزارة الصحة وحدها.