اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
بيروت - داود رمال
قال مرجع رئاسي سابق لـ «الأنباء»: «لبنان الذي خاض حروبا مريرة ودفع أثمانا باهظة في أمنه واقتصاده ووحدته الوطنية، يبدو قد بلغ لحظة وعي جماعي تستدعي، وبإلحاح، مراجعة شاملة للوسائل التي يعتمدها في مقاربة أزماته المتراكمة، خصوصا في ظل هشاشة وضعه الإقليمي والدولي».
وأضاف المرجع الرئاسي السابق: «من هنا، يعود الخطاب الرسمي ليركز مجددا على الحل الديبلوماسي كخيار وحيد متاح أمام اللبنانيين الذين ملوا الحروب ورفضوا أن يبقوا رهائن لمعادلات الخارج أو لصراعات الداخل التي لا تخلف سوى الركام. فالحرب، وإن رفعت من سقف الشعارات، فإنها في التجربة اللبنانية لم تكن يوما مدخلا إلى الاستقرار، بل إلى المزيد من التصدع والانقسام، فيما أثبتت الديبلوماسية، على بطئها، أنها السبيل الوحيد الآمن للاستقرار المستدام».
ورأى المرجع ان «هذا التوجه الجديد نحو الحلول الديبلوماسية لا يعني تساهلا مع المخاطر، بل هو تعبير عن نضج سياسي بات يتعامل مع المصلحة الوطنية العليا كأولوية فوق كل الاعتبارات الفئوية والآنية. صحيح أن العمل الديبلوماسي لا يثمر دائما نتائج فورية، لكنه عمل تراكمي يقوم على بناء الثقة، وتحقيق التفاهمات في الكواليس، وتوظيف العلاقات الدولية لخدمة الأهداف الوطنية. وقد بات واضحا أن لبنان، على رغم كل التحديات، يخوض يوميا معارك تفاوضية بعيدة عن الأضواء مع جهات دولية فاعلة، بهدف تثبيت حدوده، وحماية أمنه، وانتزاع ما يمكن من مكاسب لصالح اقتصاده الذي يعاني من صعوبات متعددة».
وتابع المرجع: «لعل التلازم بين الديبلوماسية الفاعلة والأمن الداخلي الصلب هو ما يحدد اليوم قدرة الدولة اللبنانية على النهوض. فالأمن ليس ترفا، بل شرط بنيوي لأي نهوض اقتصادي. كما أن القضاء المستقل والنزيه يشكل الجسر الذي يربط بين المؤسسات والناس، ويعيد ترميم الثقة المفقودة بين الدولة ومواطنيها. فالاقتصاد لا يقوم في بيئة أمنية مفككة، ولا يمكن جذب الاستثمارات في ظل غياب قضاء يحفظ الحقوق ويحاسب المرتكبين».
ورأى المرجع انه «في هذا الإطار، تبرز المشكلة الأكثر استعصاء في بنية الدولة اللبنانية، وهي الفساد المستشري الذي بات ثقافة لا مجرد ممارسات، وشبكة لا أفرادا معزولين. الفساد في لبنان ليس نتيجة فقط للضعف الإداري، بل لمنظومة تغطي نفسها بنفسها، وتستخدم الطائفية كدرع حماية، وتمنع المحاسبة. ومن يغطي الفاسدين هو فاسد، أيا كان موقعه، لأن التواطؤ مع الجريمة لا يقل خطورة عنها. وهذا الفساد هو ما ينهك الاقتصاد، ويمنع أي محاولات جدية للانتعاش، ويطيح بأي إصلاح قبل أن يبدأ. وهنا، يعول على اللبنانيين أنفسهم، كل من موقعه، في كشف الفساد، وفضحه، وعدم الخضوع له، بل تحويل مكافحته إلى واجب وطني جامع يتجاوز الانتماءات الضيقة».
واعتبر المرجع ان «التعويل على وعي اللبنانيين، وعلى نضال الإعلام النزيه، والمجتمع المدني الحر، والقوى القضائية الصادقة، هو ما يفتح الباب أمام إمكانية استعادة الدورة الاقتصادية لحيويتها. فحين يشعر المستثمر أن لبنان لا يزال قادرا على حماية نفسه، ومكافحة فساده، وإرساء استقراره، حينها فقط تعود الثقة، ويبدأ التغيير الفعلي».
وأكد المرجع ان «الجمع بين مسارين متلازمين - العمل الديبلوماسي الصبور والمكافحة الداخلية للفساد - هو الأمل الوحيد الذي يمكن البناء عليه. فلبنان، الخارج من الحرب، المثقل بالديون، والمطوق بالأزمات، لم يعد يحتمل المزيد من الانهيار، وهو لا يحتاج إلى معجزات بقدر ما يحتاج إلى الإرادة، والشفافية، وقيادة وطنية تملك الشجاعة للمكاشفة، والجرأة للقرار».
وختم بالقول «هذا المسار، رغم وعورته، هو ما يعيد للبنانيين الأمل، ويثبت أن الحلول لا تصنع في لحظة، بل تبنى بصمت، يوما بعد يوم، حتى تثمر».