اخبار لبنان
موقع كل يوم -الكتائب
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
في لبنان, لا تعتبر تكاليف الكهرباء عبئاً منفرداً على المواطنين، بل إن معاناتهم مضاعفة. فبدلاً من فاتورة كهرباء واحدة تثقل كاهلهم، يجد اللبنانيون أنفسهم مرغمين على تسديد فاتورتين منفصلتين؛ الأولى لتغطية الاستهلاك المحدود جداً من مؤسسة كهرباء لبنان، والثانية لتأمين الحد الأدنى من الطاقة عبر المولدات الخاصة التي تفرض تسعيرتها المرتفعة.
ووفقاً لدراسة نشرها موقع numbeo، فإن لبنان الأعلى تكلفة في فواتير الكهرباء والماء شهرياً في الدول العربية. وتشير البيانات إلى أن سعر الكهرباء في لبنان يبلغ حوالي 0.206 دولار أميركي لكل كيلوواط ساعة للمنازل، مما يجعله أعلى من المتوسط العالمي.
في هذا السياق, تسلّط الخبيرة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر الضوء على أن أسعار اشتراكات المولدات تعتبر أغلى بكثير من تكلفة تشغيلها.
وفي التفاصيل, يتطلب الكيلواط ساعة من الكهرباء أقل من ليتر مازوت، إلا أن المواطن يدفع ما يعادل 3 إلى 4 أضعاف الثمن عند استهلاك الكهرباء من المولد. ويتم احتساب تكاليف المازوت، الصيانة، التشغيل، الأجور، واستهلاك المعدات، بالإضافة إلى هامش ربح لصاحب المولد.
ويُلاحظ تباين واضح في استجابة أسعار الاشتراكات لتقلبات أسعار المازوت، حيث أن أسعار اشتراكات المولدات الخاصة ترتفع بسرعة مع أي زيادة في سعر المازوت، وهو أمر يبدو منطقياً باعتبار أنه يشكّل جزءاً أساسياً من كلفة التشغيل. لكن اللافت أن انخفاض أسعار المازوت لا ينعكس بنفس السرعة أو الحدة على أسعار الاشتراكات. وفي كثير من الأحيان، تكون التخفيضات رمزية أو شبه معدومة، ما يثير تساؤلات حول شفافية التسعيرة ومدى التزام أصحاب المولدات بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن وزارة الطاقة.
مع الإشارة إلى أن التسعير للمولدات هو أمر غير قانوني أصلاً، لأنه من الأساس لا يحق لأحد إنتاج الكهرباء إلا مؤسسة كهرباء لبنان, وفقاً لأبي حيدر.
في المقلب الآخر, لا تعتبر فاتورة مؤسسة كهرباء لبنان عادلة أيضاً. وتوضح أبي حيدر أنه من المفترض أن تكون متحركة بناءً على أسعار الفيول.
وفي ما يتعلق بالرقابة والمحاسبة، أكدت أبي حيدر أن الوضع الراهن لا يسمح بمحاسبة فعّالة بسبب احتكار أصحاب المولدات لهذا القطاع. وأضافت أن غياب الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء يلعب دوراً كبيراً في هذه الفوضى، موضحةً أن الهيئة هي الجهة المخولة لوضع التسعيرة الرسمية ودمج القطاع الخاص في عملية الإنتاج والتوزيع بشكل قانوني.
وفي حال تم تفعيل دور الهيئة الناظمة وفقاً للقانون 462/2002، فإنه من المفترض أن تتخلص البلاد من المولدات بشكل تدريجي، بحسب أبي حيدر.
وحتى يتحقق ذلك، فإن الأمر يتطلب من وزارتَي الطاقة والاقتصاد تشديد الرقابة على الأسعار لحماية المواطنين من أي تعسف أو استغلال.
وفي ما يتعلّق بدور البلديات في هذ الإطار، تقول إبي حيدر أن البلديات، رغم امتلاكها لصلاحيات الرقابة، غالباً ما تكون عاجزة عن تنفيذ مهامها في هذا الصدد، وقد يكون هناك في بعض الأحيان مصالح مشتركة بين البلديات وأصحاب المولدات. هذه البلبلة أجبرت وزارة الاقتصاد على تولي مراقبة الأسعار وحدها.
ما يعتبره المواطن 'خللاً' في قطاع الكهرباء ليس سوى انعكاس لغياب الشفافية، وتراخي الرقابة. إن أزمة الكهرباء في لبنان تتجاوز مجرد ارتفاع الأسعار لتكشف عن قصة استغلال مرير يكوي المواطن بناره مرتين. ويبقى السؤال: هل سيحمل معه عهد حكومة الإنقاذ بارقة أمل للخروج من هذه الدوامة؟