اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء':
ليست صدفة أن الذين يتحدثون عن “التفاوض الآن”، هم أنفسهم الذين يقولون “نزع سلاح المقاومة” الآن، بل هم الذين يقولون بأحقية “إسرائيل” في مواصلة العدوان ما دام لبنان لم يقم بنزع سلاح المقاومة في كل لبنان، وليس غريباً أن هؤلاء أنفسهم لا يشعرون بالحرج من القول، عندما تقول لهم، حسناً ماذا لو ذهبنا الى التفاوض المباشر وعلى مستوى وزراء خارجية وهو ما تطلبه أميركا و”إسرائيل”، وماذا لو نزعنا سلاح المقاومة أيضاً، لكن بعد خمسة شهور وجدنا أنفسنا عالقين مع اعتداءات مستمرة واحتلال قائم، كما هو حال سورية التي ليست لديها مقاومة وما كان لديها من سلاح يزعج “إسرائيل” تُركت “إسرائيل” تقوم بتدميره عن بكرة أبيه والتزمت الحكومة السورية بعدم الحصول على أي سلاح بدلاً منه، وذهبت إلى التفاوض المباشر، وأعلنت استعدادها بغض النظر عن بقاء الجولان السوري المحتل محتلاً، وجعلت سقف التفاوض طلب العودة إلى خطوط انتشار الاحتلال عند وقف النار الذي يمثله اتفاق فضّ الاشتباك الموقع عام 74، وأعلنت التزامها مسبقاً بتفكيك المنظمات الفلسطينية التي كانت منتشرة في سورية ومصادرة سلاحها، ورغم كل ذلك وفوقه مكانة الحكم الجديد في سورية بعيون واشنطن وأنقرة وعواصم العرب، فماذا نفعل؟ ولا يأتي الجواب على هذا السؤال إلا بالقول، نعم لا ضمانات لكن يجب أن نفعل ذلك لأنه يجعلنا جيدين بنظر أميركا والنظام العربي، حتى لو كنا تحت احتلال وعدوان مستمرّين، وفي الحقيقة الجواب هنا هو حول الأولويات، أولويات الذين يهمهم رضا مراكز المال العالمية والإقليمية، ويعتبرون أن المعنيين بذلك هم لبنانيون من الدرجة الأولى، بينما يعتبرون أن المتضررين من العدوان والاحتلال هم لبننايون من الدرجة الثانية، وأولوية كل طرف تختلف عن أولوية الطرف الآخر، ولكن فاتهم أن هذا المنطق يُعطي المعنيين بالاحتلال والعدوان أن يعملوا وفق أولويتهم بالمقابل.
بالمقابل يوجد منطق يتحدّث عن التفاوض وحصر السلاح بيد الدولة يمثله رئيس الجمهورية، ويقول إنه اختار التفاوض لأن الحرب برأيه فشلت، ويضيف أن التفاوض يحتاج إلى مناخ، حيث لا يمكن الذهاب إلى التفاوض دون تثبيت وقف إطلاق النار، ولهذا المنطق وجاهته، إلا إذا كان المقصود هو ما سبق وقاله الجانب الإسرائيلي قبل اتفاق وقف إطلاق النار، تحت عنوان التفاوض تحت النار وهذا يستدعي أن يكون لبنان محارباً وهو ليس كذلك اليوم بوضوح، بحيث يصبح الاحتلال والعدوان أدوات ضغط تفاوضية لا يملك لبنان ما يوازيها، ويُصير التفاوض غير متكافئ، وإذا كان لبنان يريد من الإسرائيلي الانسحاب من أرضه ووقف العدوان ومن ضمنه انتهاك الأجواء، وهو لا يملك ما يعطيه بالمقابل، إلا إذا كان دعاة التفاوض يقبلون تحويل سلاح المقاومة ورقة قوة تفاوضية؟
ما قاله قائد الجيش أمام مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة يمكن مقاربته من هذه الزاوية، حيث دعا الحكومة إلى إعلان تعليق المهل في ما يتعلق بمهمة حصر السلاح بما في ذلك جنوب الليطاني رداً على استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتوسيع نطاقها وصولاً إلى مراكز الجيش اللبناني، مضيفاً للحكومة أن الجيش بالأصل لن يستطيع مواصلة مهمته في حصر السلاح جنوب الليطاني في ظل هذا المستوى من الاعتداءات الذي يفرض على الجيش أولويات أخرى، لكن الحكومة تجاهلت كلام قائد الجيش، وظهر أن كل الذين كانوا يتحدّثون عن الجيش والوقوف وراء الجيش والثقة بالجيش والتأكيد أن الجيش وحده يعرف ما يجب فعله لحماية لبنان ولا حاجة لاستراتيجية وطنية للدفاع لأن الجيش هو هذه الاستراتيجية، إنما يقولون ذلك في سياق الكيد بالمقاومة وليس قناعة نابعة من مفهوم مختلف مع المقاومة حول كيفية ممارسة الروح الوطنية، لأنه عندما وجد الجيش بوحي من هذه الروح الوطنية أنه يحتاج الى مساندة هؤلاء ترجمة ما يعتبره الاستراتيجية هربوا من الساحة وتخلّوا عنه.
في المشهد الآن يبدو أن الضغط على لبنان عسكرياً لإلزامه سياسياً بالذهاب إلى التفاوض المباشر، ليس على صلة بقضية نزع سلاح المقاومة، ولا هو امتداد لمسعى التوصل إلى اتفاق مع لبنان، بل هو سعي لتحقيق هدف يتصل بالتفاوض على المسار السوريّ الذي تدعو مراكز الدراسات الأميركية الوثيقة الصلة بـ”إسرائيل” إلى ربطه بالمسار اللبناني، تحت شعار مستعار هو تلازم المسارين، وتقول إن ظروف الجبهات المفتوحة لا تسمح بتحقيق إنجازات ذات قيمة استراتيجية إلا في سورية، وإن شرعنة الحكم الجديد في سورية باحتفالات عالمية ضروري لتعويض النقص في الشرعية الداخلية للنظام الجديد، واستثمار هذا الوضع بالحصول على اتفاق يفتح الأجواء السورية امام “إسرائيل” ويمنح جيش الاحتلال امتيازات واسعة في الأراضي السورية وضمان البقاء في جبل الشيخ والمنطقة العازلة وتجاهل التفاوض حول مصير الجولان المحتل، وإن أحد عناصر إضعاف قدرة الحكم الجديد في سورية على مواصلة التفاوض وتبرير القبول بالتنازلات المطلوبة إسرائيلياً هو أن لبنان الأصغر من سورية والأضعف منها والأقل تأييداً عربياً ودولياً لا يزال خارج التفاوض ويقاوم الضغوط، وإن انضمامه إلى التفاوض يسهل المهمة على المسار السوري، ثم إن التوصل إلى اتفاق مع سورية يتضمن مكاسب إسرائيلية كبرى سيجعل لبنان يتصلب برفض التفاوض، ولذلك يجب جذبه الآن إلى التفاوض قبل اكتشاف الفضيحة السورية.











































































