"المتة" الأرجنتينية مشروب "الهوية الجماعية" في لبنان وسوريا

تعود جذورها لأميركا الجنوبية وأسهم نجوم كرة القدم في شهرتها

قبل 100 عام وصلت 'المتة' إلى سوريا ولبنان على يد مهاجرين إلى الأرجنتين، ومذاك الحين لا تكاد تمر جلسة أو أمسية من دون هذه 'العشبة المقدسة' لدى محبيها، والتي باتت عنصراً من عناصر الهوية الجماعية لدى شريحة عريضة من المواطنين، واليوم تدخل 'المتة' عالم الشهرة والمنافسة في كسب الشعبية، جنباً إلى جنب مع مشروبات الطاقة والقهوة سريعة التحضير والعصائر الشعبية المنعشة.

رمزية 'المتة'

وأسهم نجوم كرة القدم في زيادة شعبية 'المتة' لتتحول إلى مشروب عالمي، ولا تزال صورة ليونيل ميسي وهو يحتضن كأس العالم بيده اليمنى وقرعة 'المتة' بيده اليسرى حاضرة في أذهان ملايين المتابعين، وقبل ذلك حضرت 'المتة' في يومياته ويوميات أقرانه على غرار زميله في المنتخب الأرجنتيني أنخيل دي ماريا، وكذلك نجم منتخب الأرغواي لويس سواريز والنجم البرازيلي نيمار، كما شارك ميسي في الترويج لـ 'شيبس' بنكهة 'المتة' تعبيراً عن فخر أميركا اللاتينية بها.

لكن وقبل ذلك بكثير حلّت 'المتة' على المائدة، وفي يوميات الآلاف من العائلات والأسر السورية واللبنانية.

ويعد مشروب 'المتة' من الأكثر شعبية في سوريا وينافس الشاي بصورة جدية، كما أنه أكثر انتشاراً في لبنان لدى طائفة الموحدين وبعض مناطق شمال لبنان حيث يتحول إلى طقس جماعي عام، كما بدأ ينتشر في صفوف الشباب الذين جربوا هذا الشراب المنعش.

وتحضر 'المتة' باستمرار على مائدة أهالي منطقة الشوف في جبل لبنان، إذ يستقبل الشاب رأفت رفاقه في منزله قرب المدفأة ويدعوهم إلى شرب 'المتة'، ويضع ملاعق عدة من 'المتة' داخل القرعة ويضيف إليها في البداية ماء متوسط السخونة ثم يتركها لتنتقع مدة دقيقة قبل أن يضيف إليها الماء الساخن ويدعو أحد الرفاق إلى شربها.

ويؤكد رأفت أنه 'تاريخياً تحضر ’المتة‘ أثناء الاجتماعات الأسرية الدرزية'، ويعتقد أن 'من خصائص تناولها المشاركة إذ تنتقل القرعة بين الجالسين، وهو ما يضفي على الجلسات شعوراً بالقرب والوحدة، مما يجعلها المشروب المعتمد عند اللقاءات والزيارات'.

ويمتدح الشاب 'المتة' فهي تتمتع بمزايا كثيرة، 'فإلى جانب الطعم الجيد لمن اعتاد عليها فلها فوائد عدة، فهي تساعد في الهضم، كما يكثر استهلاكها في الصباح بسبب احتوائها على نسبة كافية من الكافيين، فتصبح بديلاً مرغوباً به عن القهوة'.

رفيقة سهرات الدراسة

وبدأت 'المتة' بالانتشار في صفوف الشباب وطلاب الجامعات، ولا تخلو جلسة منزلية أو نزهة في الطبيعة من طقوس 'المتة'، وقاد الفضول ميسان ورفاقها إلى تجربة 'المتة' باعتباره شيئاً جديداً وعشبة شبيهة بالزهورات، ولكن سرعان ما تحولت إلى عادة يومية لتصبح رفيقة 'سهرات الدراسة الطويلة'.

وتقول ميسان 'بعد أن اختبرت ’المتة‘ لاحظت أنها تكسب الطاقة وتحافظ على الوعي، لذلك أصبحت المفضلة لدي في أوقات الدراسة، وأعتقد أنها أفضل من القهوة لأنها تمنح الدفء وتحسن المزاج'، مضيفة 'نخوض أحياناً منافسة لناحية من يشرب أكثر، وفنجان يلي فنجان حتى يصبح الإبريق فارغاً، ونضطر إلى تسخين إبريق آخر وإضافة بعض السكر'.

من جهتها تشير الشابة رونزا إلى أنها اعتادت احتساء 'المتة' من خلال أشقائها، ومع مرور الوقت أصبحت من أساسات السهرة، مشيرة إلى أن 'السهرة لا تكتمل إلا بثلاثية ’المتة‘ والبزر وأغاني جورج وسوف'، لافتة إلى إمكان زيادة بعض الإضافات على غرار الحليب أو العسل بديلاً عن السكر، وهذه الإضافات تمنح 'المتة' طعماً رائعاً.

حركة الاستيراد مستمرة

ويستورد لبنان 'المتة' المعلبة من دول أميركا الجنوبية، فيما تقوم مصانع مجهزة بتعبئة 'المتة' السورية بسبب الاستهلاك الكبير لها، ويشير المستورد اللبناني أريج أبو خزام إلى مصدر 'المتة'، فهي تأتي جاهزة من الأرجنتين والبرازيل وأوروغواي، لافتاً إلى أن 'الطلب الكبير عليها في المناطق الدرزية التي اعتاد أهلها عليها، فهم أول من أتى بها من الأرجنتين إلى لبنان عبر المهاجرين قبل التجار'.

ويروي أبو خزام 'كان المهاجرون يأتون بها لشربها أثناء قضاء الإجازة في لبنان، ولكن سرعان ما بدأت بالانتشار على نطاق واسع خلال خمسينيات القرن الماضي'، كما يتحدث عن تراجع في بعض العادات القديمة عقب جائحة كورونا، ففي السابق كانت تنتقل من يد إلى يد ويتشارك الحاضرون في الشرب من قرعة ومصاصة واحدة، على غرار ما يفعل السكان في الأرجنتين، ولكن أخيراً تراجعت بعض العائلات عن هذه العادة. كما بدأ بعضهم بشربها باردة لمذاق منعش، ولكن لا يلغي كونها شراباً شتوياً في لبنان، وتواجه منافسة من قبل القهوة والشاي التي تمتاز بسرعة التحضير، بحسب بو خزام.

شجرة مقدسة

يسبغ أهالي أميركا الجنوبية شيئاً من القداسة على النبتة التي اكتشفها آباؤهم من الهنود الحمر منذ ما يزيد على 2000 عام، ويؤكد بو خزام في هذا الشأن أن 'تأثر مذاق ’المتة‘ بنوعية الأرض على غرار ما هو حاصل مع الزيتون الذي يختلف طعمه بين المناطق اللبنانية'، ويكشف عن 'فشل محاولات زراعتها في لبنان والمحيط'، مضيفاً أن 'مشروب ’المتة‘ صحي لأنه خال من المواد الحافظة، كما تستخرج من الشجرة البرية'.

وتطرق بو خزام إلى الأسباب التي تدفع الناس للاعتقاد بأنها 'شجرة مقدسة'، فهي 'شجرة لا يصيبها مرض ولا تحتاج إلى الرش بالمبيدات الكيماوية أو أن يزودها أحد بالدواء، فهي ذات مكانية سامية عند ربها على غرار الأشخاص الذين لا يصيبهم مرض، ناهيك عن وجود الفيتامينات والكافيين في محلولها'.

فوائد ومحاذير

وتحظى 'المتة' بسمعة جيدة لدى المستهلكين وأنصار الطب البديل، إذ يتحدث خبير الأعشاب حكيم قاطوع عن 'دورها في تسهيل عملية الهضم وتقوية العضل وعمل الأعصاب، كما أنها تساعد الفرد على تجاوز الشعور بالتعب أو الإرهاق ولذلك كان يستهلكها المسافرون، إضافة توسعة الشعب الهوائية والمساعدة في إدرار البول ومحاربة الكولسترول وتحفيز عمل القلب'، لكنه يحذر في المقابل من الاستهلاك المفرط لهذه المشروبات العشبية التي تحوي المنبهات، مقترحاً 'أن تكون الجرعة على شكل وضع ملعقة بمقدار خمسة غرامات في كوب بسعة 250 مليليتراً، وليس كما هو قائم حالياً حيث يوضع 30 غراماً في كمية قليلة من الماء مما يؤدي إلى ضخ كمية كبيرة من الكافيين في الجسم، وهو ما يفوق حاجته اليومية وقد يقود إلى الإدمان والتعلق بها'.