×



klyoum.com
lebanon
لبنان  ٨ تموز ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

klyoum.com
lebanon
لبنان  ٨ تموز ٢٠٢٥ 

قم بالدخول أو انشئ حساب شخصي لمتابعة مصادرك المفضلة

ملاحظة: الدخول عن طريق الدعوة فقط.

تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

موقع كل يوم »

اخبار لبنان

»سياسة» اندبندنت عربية»

العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف

اندبندنت عربية
times

نشر بتاريخ:  الأثنين ٧ تموز ٢٠٢٥ - ١٤:٥٨

العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف

العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف

اخبار لبنان

موقع كل يوم -

اندبندنت عربية


نشر بتاريخ:  ٧ تموز ٢٠٢٥ 

حادثة لمى الأمين في مطار بيروت تكشف الأزمة والمسابح نموذج لمعاناة أصحاب البشرة السمراء

لم تكد حادثة الفنانة اللبنانية لمى الأمين في مطار بيروت تطفو على السطح حتى عادت لتنكأ جرح العنصرية الغائر في المجتمع الذي دُفن تحت ضماد التنوع وتقبل الآخر.

ما حصل مع لمى ليس مجرد زلَّة عابرة أو تصرف فردي معزول، بل شرارة أعادت إشعال نقاش حاول البعض دفنه تحت الأقنعة اللامعة والتسويق المضلل. فلبنان الذي ظل يتغنى بتنوعه وثقافاته، غارق في وحل العنصرية. وما كشفت عنه الأمين من تفاصيل حول المعاملة التي تعرضت لها، وما تبعها من ردود فعل متباينة، أكد أن التحدي ليس في وجود أفراد عنصريين، بل في انتشار هذه الظاهرة بصورة منهجية، وربما مؤسساتية، في عصب الحياة اليومية.

وهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تُظهر فيها مثل هذه الحوادث وجهاً قبيحاً لواقع يفضل كُثر تجاهله، وهو واقع يضع لبنان أمام مرآة تظهر تشوهات عميقة في نسيجه الاجتماعي، وتساؤلات عميقة حول مدى التزام القيم الإنسانية التي يدعيها البعض.

الفارق أن لمى لم تغض الطرف هذه المرة، ولم تلتف بعباءة الصمت، بل أطلقت صوتها، فاتخذت الإجراءات اللازمة في حق عنصر الأمن، وخرق صوتها جدار قصر بعبدا ولبى رئيس الجمهورية جوزاف عون النداء بعدما سمع مناشدتها، ولكن كل هذا لا يخفف من وهج العنصرية الحارق في لبنان.

زوجته ليست خادمته!

ففي بلد كان لدعاية سيف العبد أغنية ملحنة، والفستق يسمى فستق العبيد، وحلوى الأطفال كان اسمها رأس العبد، لا بد من هدم مفهومي لإنشاء إدراك جديد.

فالمسابح ما زال معظمها يرفض دخول الأشخاص الأغمق لوناً إلى مياهها العذبة، وتشترط على العائلات عدم سباحة المساعدة في الأعمال المنزلية في بركها.

مواقف كثيرة في جعبة كل شخص مغترب في أفريقيا أو إحدى الدول الآسيوية مر في لبنان أو بعض الدول العربية التي تنظر إلى الأجنبي الأغمق لوناً على أنه أدنى مرتبة.

 

وفي واحدة من المواقف الأكثر إحراجاً، مُنعت صبية من كوت ديفوار، هي أخت بالرضاعة لأحد اللبنانيين وأتت إلى لبنان لمشاهدة بلد شقيقها، من دخول المسبح بسبب لونها، فغادرت مجموعة الأصدقاء المكان. وفي موقف آخر لطبيب لبناني متزوج من طبيبة ماليزية أتت لتتعرف إلى عائلة الزوج، وأقسمت أنها لن تطأ الأراضي اللبنانية مرة أخرى بسبب نظرات الاستهجان، وأسئلة الناس 'لماذا ترافقك خادمتك؟'. بطبيعة الحال ليست الخدمة بأنواعها سبباً لخلق طبقية بين الأشخاص مهما اختلفت أعراقهم، فهذا الفصل من التاريخ طُويت أوراقه القاتمة تلك على أساس أن الجميع الآن في عصر التقدم والحرية وحقوق الإنسان.

أصل الإنسان

في نظرة خاطفة إلى التاريخ تقف أفريقيا باعتبارها المهد الأول للبشرية جمعاء، كما تشير الدراسات العلمية الحديثة، المدعومة بكم هائل من الأدلة الأحفورية والتحليلات الجينية. وأكدت الأبحاث الجينية المتقدمة، بخاصة تلك التي تتناول الحمض النووي للميتوكوندريا والكروموسوم واي، أن جميع البشر المعاصرين، أو هومو سابينس، يتحدرون من سلالة مشتركة ظهرت وتطورت على الأراضي الأفريقية قبل ما يقارب 300 ألف عام.

وفي مارس (آذار) الماضي نشرت مجلة 'نيتشر جينيتيكس' في دراسة أجريت في جامعة كامبريدج أن عمليات التطور والاندماج الجيني التي شكلت الإنسان الحديث حدثت داخل أفريقيا، قبل أن يبدأ البشر في الهجرة إلى سائر أنحاء العالم.

والمؤسف الاضطرار إلى تأكيد أصل الإنسان لإيصال فكرة مبدئية أنه لا يمكن النظر إلى أفريقيا و'العرق' الأسود على أنه أقل، بل هو مهد الإنسان الأول وانطلاقته إلى القارات الأخرى.

الدرع السوداء

لم يخرج الإنسان من ثلوج السويد، بل من شمس أفريقيا. نعم، الأصل أسود. والجلد الداكن ليس صدفة جينية، بل درع تطورية أنقذت البشرية من الأشعة فوق البنفسجية القاتلة. هذا ما أثبتته دراسة سابقة منشورة عام 2000 في مجلة 'ساينس'، شرحت كيف أن الميلانين في البشرة الداكنة تطور لحماية حمض الفوليك، الضروري للخصوبة وتطور الأجنَّة. أما البشرة الفاتحة، التي يباهي بها الرجل الأبيض ومشتقاته، فقد جاءت لاحقاً كحل بيولوجي اضطراري للحصول على فيتامين دي في المناطق الباردة ذات الشمس الشحيحة، مثل شمال أوروبا وسيبيريا.

لا يوجد أعراق!

وهكذا، فإن الاختلافات في لون البشرة بين البشر ليست دليلاً على عرق أنقى أو أذكى، وهي مجرد استجابة بيئية خالصة. وحتى التنوع الجيني بين شخصين من نفس العرق قد يفوق ما بين أعراق مختلفة، كما أظهر مشروع الجينوم البشري عام 2003، أي إن كل خطاب تفوقي أبيض ما هو إلا تخريف تطوري رديء الصياغة وخالٍ من المعرفة العلمية. وكذلك فإن فكرة العرق ليست سوى صناعة اجتماعية هشة. ففي مؤتمر جمعية علم الأنثروبولوجيا الأميركية عام 2019، أتى الإعلان الصارخ 'لا وجود لأساس جيني صلب لتقسيم البشر إلى أعراق'. وكل ما يقال عن تفوق الأبيض على الأسود أو العكس، مكانه ليس في المكتبات العلمية، إنما في كتب الأساطير الساقطة.

وإذا كان الأساس العلمي والتاريخي يجيب بصلابة عن أسئلة الأعراق بوضوح، لماذا لم يُجاريهما المجتمع بعد؟ ولماذا لا زال متمسكاً بخرافات بشعة وعنصرية؟ وإلامَ سيبقى الأفتح يعد نفسه متقبلاً للأغمق كأنه هو صاحب الدار الدنيا هذه؟

السريلانكية قبل الإنجليزية

في وقت كانت فيه سيريمافو باندرانايكي تتولى رئاسة وزراء سريلانكا عام 1960، كان وضع المرأة في السياسة الأوروبية على سبيل المثال مختلفاً بصورة كبيرة. وعلى رغم أن عديداً من الدول الأوروبية كانت قد منحت المرأة حق التصويت في النصف الأول من القرن الـ20، مثل بريطانيا في 1928، وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وألمانيا في 1949، لم يكن وصول المرأة إلى المناصب القيادية العليا، بخاصة رئاسة الوزراء أو رئيس الدولة، قد تحقق بعد. وكانت المرأة الأوروبية لا تزال تكافح لترسيخ حقوقها السياسية والاجتماعية بصورة كاملة، حيث لم يمنح حق التصويت للمرأة إلا في منتصف القرن الـ20، كسويسرا التي لم تمنحه إلا عام 1971 في الانتخابات الفيدرالية.

وكانت الأدوار التقليدية للمرأة في المجتمع الأوروبي لا تزال طاغية، حيث كان التركيز ينصبُّ على دورها في الأسرة والمنزل. ولم تشهد أوروبا ظهور رئيسات وزراء أو رئيسات دول في فترة الستينيات. أما أول رئيسة وزراء أوروبية كانت مارغريت تاتشر في المملكة المتحدة، والتي تولت منصبها عام 1979، أي بعد نحو 19 عاماً من تولي السريلانكية باندرانايكي.

سريلانكيتي... إثيوبية

ومع هذا فإننا في 'اللغة اللبنانية' نسمع كلمة 'سيرلانكيتي'، وهي لا تشير إلى جنسية أو بلد في جنوب آسيا، إنما لتوصيف وظيفي لمهنة المدبرة المنزلية، تلصق على أي عاملة أجنبية ذات بشرة سمراء ولهجة غير مألوفة، سواء كانت من بنغلاديش أو إثيوبيا أو نيبال أو كينيا... فالكلمة لا تعني شيئاً في الجغرافيا، بل هي ترميز ضمني لنظام طبقي عنصري صارخ، قاعدته أن من يخدم هو بالضرورة أدنى، وأن من يخدم يملك حق هذه التسمية.

لا أحد يجرؤ على القول مثلاً 'فرنسيتي تطبخ لي' أو 'إيطاليتي تنظف أرضي'، لأن البياض ما زال في مخيلة البعض مرفوع الرأس محصناً ضد الانحناء. أما السيرلانكية فليس فقط تنادى باسم بلدها بدلاً من اسمها، بل تلصق بجنسيتها صفة الطاعة والخضوع، وصولاً إلى عدم الكفاءة الإنسانية، وكأنها روبوت مصمم للخدمة، لا أكثر.

وكثيراً ما سمعنا عبارة 'سريلانكيتي إثيوبية' في واحدة من أسوأ الطرق للتعريف بجنسية العاملة بالخدمة المنزل. ومما لا شك فيه أن نظام الكفالة اللبناني يرسخ علاقة بين مالك ومملوك مغطاة بعقد عمل هش، لا يحمي من الضرب أو الحجز أو الإهانات اليومية. هي علاقة شبه استعمارية، تشبه تلك التي انتهجها الرجل الأبيض عندما استعبد سمر البشرة لأجيال وأجيال، إنما بقناع حديث، إذ لا يسمح للعاملات بأيام عطل، أو بساعات راحة، ولا يسمح لهن أحياناً غسل ملابسهن مع أصحاب المنزل، أو الجلوس معهم على طاولة الطعام، أو تقبيل أطفالهم.

بالطبع يوجد عديد من العائلات التي تتعاطى بإنسانية تامة مع عاملات الخدمة المنزلية، وهذا أضعف الإيمان، ولكنها تبقى قليلة نسبة إلى أولئك الذين يعتبرونها مجرد ماكينة عمل.

الأبيض غير

لا تكتفي العنصرية في لبنان -لدى البعض- بلون البشرة، بل توسع نشاطها لتشمل جنسيات عربية. فالمصري افتراضياً عامل في محطة محروقات، والسوري حتى قبل الحرب والنزوح 'شغيل'، بناء أو مجمع قمامة، والفلسطيني دليفري أو ناطور... التصنيفات هذه لا تدرس في المدارس، لكنها تحفظ في الذاكرة الشعبية وتلتصق بالمهنة، وترسم على سلم الرواتب والتعامل والاحترام.

بعض اللبنانيين يتصرفون كأنهم العملة النادرة في العالم العربي، لا تشوبهم شائبة لهجة ولا يشك أحد في نسب حضارتهم. يسخر أحدهم من طبيب عربي، على سبيل المثال، لفظ الـP حرف B، أو مهندس أردني خلط الـV مع F، ويتهكم على من لا يعرف كيف ينطق الفرنسية وكأنه خريج السوربون، أو الإنجليزية كأنه عاش عمره في أميركا.

لكن السخرية تتبخر فجأة إذا أخطأ أوروبي في لفظ كلمة عربية فقال 'هبيبي' بدل حبيبي، أو نطق اسم شارع لبناني كأنه يتعلم الأبجدية. في هذه الحالة، يصبح الخطأ جذاباً، وصاحب اللكنة 'مهضوماً'. أما العربي، فمحكوم بلعنة الإتقان كي يقبل، وإن أتقن، فمحكوم بالاتهام بالتصنع.

طبعاً، ليس هذا هو حال جميع اللبنانيين، لكن المشكلة ليست في 'بعض' الأفراد، بل في بنية ثقافية ترى التهكم متعة، والتمييز نكتة، والاحترام انتقائي، بحسب الجواز واللهجة والسمرة ورقم الحساب. هو ذاته الذي يحب العربي صاحب الأموال ويخدمه بأشفار العيون، وبعد أن يحصل على الإكرامية يستطيع إكمال التهكم على لهجته.

لبنانيات بنكهة أفريقية

كل تلك العنصرية التي يمكن أن تطاول الوافدين إلى لبنان يتلقفها أحياناً أبناؤه، أولئك الذين ولدوا من أم أفريقية أو آسيوية وورثوا ملامحها، أو لونها، أو شعرها. فلو كانت الأم لبنانية والوالد أفريقياً أو غير لبناني بالمطلق، فالأبناء للأسف لا يحصلون على هوية الرحم الذي أتى بهم إلى هذا الكون.

لكن أولئك حاملي وحاملات الجنسية اللبنانية، الذين آباؤهم أورثوهم هذه الجنسية، يبقون معلقين على حبل الأحكام، يواجهون كم التعصب والعنصرية، ويحاولون أن يتواروا وراء أشكالهم، كأنها وصمة مريرة في حياتهم، إلى أن يأتي وقت يخلعون فيه عباءة الخوف والتردد والخجل، ويجاهرون ويفخرون بأصولهم التي تجمع الأمجاد من أطرافها، ومهما دفعوا بالسلام إلى دواخلهم، ولبسوا دروع الشجاعة والقوة في المواجهة، تبقى سهام العنصرية تلاحقهم أينما ذهبوا، لفظاً أو تحديقاً.

بنت السريلانكية

في بلد يتقن التغني بالتعدد، لكنه يختنق بالتنوع، قررت الممثلة والعارضة اللبنانية ميا علاوي أن تسحب الكرسي وتجلس أمام مجتمع اعتاد أن يُقصي من لا يشبهه تماماً. ابنة أم سريلانكية وأب لبناني، عاشت ميا منذ الطفولة واقع 'الهوية المشروطة'. تعرف باسم 'بنت السريلانكية'، ليس كإشارة فخر بأصل مزدوج، إنما كاختزال مهين لجذور أرادها البعض هامشاً.

لكن ميا قلبت المعادلة، فوقفت عام 2024 على خشبة المسرح في عمل بعنوان 'ماري كريم'، في مسرحية تعكس رحلتها. وقالت في مقابلات إعلامية إنها قررت تحويل اللقب الذي حملته كعبء إلى عنوان اعتزاز، أو مشروع مقاومة ناعمة. وتكتب اليوم سيناريو درامياً باسم 'بنت السريلانكية'، وتبني عليه حملة توعية شجاعة ضد التمييز المتجذر في المجتمع اللبناني.

في فيديوهاتها على 'إنستغرام' تظهر إلى جانب والدتها التي عملت في التنظيفات يوماً، وأغرمت وتزوجت برجل لبناني متحدية السردية السائدة عن الزيجات المختلطة. الأم السمراء تحولت إلى رمز صامت للكرامة، والابنة قررت ألا تكون ضحية، بل مرآة تعكس صورة مجتمع يعاني أزمة الاختلاف.

زنجية وعبدة!

وفي بلد لم يُنهِ بعد صراعاته مع الهويات الطائفية، لا تزال الهويات المختلطة تقابل بالريبة، وربما بالسخرية. غوى كنعان، الصحافية اللبنانية من والد لبناني وأم سيراليونية، ولدت في سيراليون ثم انتقلت إلى لبنان في عمر الثالثة، حيث نشأت وترعرعت.

تقول غوى في حديث إلى 'اندبندنت عربية' عن حياة مجبولة بالعنصرية إنها كثيراً ما كانت مضطرة إلى أن تثبت أنها لبنانية، حيث جعلها شعرها وملامحها المختلفة في موقع دفاع دائم عن هويتها، فواجهت النظرات والعبارات المسمومة، والتلميحات المبطنة، التي تشعر الشخص إنه غير مقبول تماماً. وتضيف، 'كنت أسمع دائماً صحيح إن لونك هكذا، لكنك جميلة. كأن السمرة نقيض الجمال. وعندما أقول إنني أشبه أمي، يردون: آه يعني أمك حلوة مثلك؟! كأن الأصل الأفريقي يناقض الحسن بالفطرة'.

لم تمر أيام المدرسة من دون ترك ندوب العنصرية في حياة غوى، 'أتذكر تماماً يوم قال لي زميلي: إنت زنجية. كنت صغيرة جداً، لا أفهم معنى الكلمة بالكامل، لكنني شعرت بالإهانة وخضت شجاراً دفاعاً عن نفسي. واليوم، أعلم أن هذه الكلمة جزء من ثقافة جاهلة ترى السواد نقيصة، لكن الأذى لم يكن يأتي فقط من الأطفال. أحياناً، كلمات الراشدين كانت أعمق وأكثر إيلاماً، كعبارة سمعتها طفلة ولا تزال ترن في أذني حتى اليوم: أمك عبدة… هكذا، بلا مواربة. فقط لأنها أفريقية وسمراء'.

وتشير غوى إلى أنها عندما تجدل شعرها تشعر بأن نظرات الناس تغيرت، كأنها فقدت هويتها اللبنانية، وأصبحت عاملة مهاجرة. وغالباً ما تعرضت لنظرات التنميط وللتحرش. كأن خيار جدل الشعر ليس خياراً جمالياً إنما هوية واضحة المعالم!

بداية، لم تكن غوى تميل للحديث العلني عن العنصرية، وكانت تعد الأمر شخصياً، وربما لا ضرورة لنشره، لكن كل شيء تغير مع مقتل جورج فلويد في أميركا عام 2020. 'حينها، شعرت أن الوقت حان لأتحدث. كتبت منشوراً للمرة الأولى أعبر فيه عن غضبي، وعن تجربتي. وما استفزني أكثر أن كثيرين في لبنان استنكروا ما حصل في الولايات المتحدة، بينما بلدهم يحتضن نظام كفالة فيه عنصرية ممنهجة ضد العاملات المهاجرات. نراهُنَّ يُضربن ويتعرضن للإهانة ويُقتلن أحياناً، ولا أحد يتحرك'.

وما يؤلم غوى أنه في وقت تملك هي صوتاً وتستطيع أن تكتب وتوصل رأيها في الإعلام، لا يسمع أحد أنين العاملات، ولا أحد يعيد لهن حقهن.

وعن رأيها بما حصل مع لمى الأمين تقول إن أول ما خطر ببالها إنه من الجيد أنه ما زلنا نتحدث عندما نتعرض لهذه المواقف، مع أسفها أن العاملات غير قادرات على إيصال أصواتهن ومعانتهن، وإنه لا بد من تغيير جذري، حيث لا تكفي الاعتذارات لخلق واقع أفضل.

حدث في مطار بيروت

الأسبوع الماضي، وجدت المخرجة والممثلة اللبنانية والناشطة الاجتماعية والمتخصصة بالحركة الجسدية لمى الأمين نفسها في موقف مربك بمطار بيروت، حين شكك أحد رجال الأمن في هويتها اللبنانية، مستنداً فقط إلى ملامحها المختلفة.

لم تكن الحادثة جديدة من نوعها، لكنها كانت القشة التي دفعتها إلى كسر الصمت. فحولت لحظة قاسية إلى مناسبة للنظر في مرآة بلد، يرى نفسه متقدماً، لكنه يرفض الاعتراف بعنصرية موروثة، مقنعة، ومتجذرة في تفاصيله اليومية.

من المطار إلى الذاكرة

لم يكن ما حدث في المطار لحظة استثنائية في حياة لمى، بل كان تتويجاً لمسار طويل من التمييز المبطن، الذي رافقها منذ الطفولة في المدرسة وفي الشارع وفي الرياضة.

لمى قالت في تصريح خاص 'إنها كانت تتدرب مع فريق الرياضي لتكون لاعبة محترفة. كما كانت تلعب كرة السلة، ويندهش البعض لمجرد معرفتهم أنها لبنانية، وكثيراً ما تعرضت لمواقف تنمر وتمييز، وحتى لعنف لفظي وجسدي، في المدرسة. حاولوا تخويفي، وكنت طفلة خجولة، كنت أتمنى أن أواجه، ولكن لم يكن لدي الوسائل والأدوات'.

ومع تعلمها المسرح في عمر صغير قويت شخصيتها أكثر، وتعلمت المواجهة وكيف تحب نفسها وغيرها، كيف تعيد تشكيل غضبها، وتحوله إلى فعل فني.

لمى التي تحب لبنان ولم تستقر في لندن لأنها تريد أن يستفيد بلدها من طاقاتها ومعرفتها، والتي تحب اللغة العربية والحكي البيروتي لم يغير الموقف الذي حصل معها من شعورها تجاه البلد، بل زاد حبها له، كما تقول.

كي لا يشعر أنه أقل

تلفت إلى أن ما حصل معها استطاعت مواجهته لأنها باتت لا تخاف ولا تخجل من شكلها، 'على رغم أنني تساءلت في طفولتي في صراع طويل لماذا شكلي هكذا، إلى أن كبرت وفهمت أننا نولد بصورنا، وهكذا خلقنا الله. وجزء من مواجهتي هذه كانت لأنني لا أريد لأي ولد أن يعيش ويكبر وهو يشعر أنه أقل من غيره، وغير مقبول في المجتمع'.

وعن سؤال عن اعتراف المجتمع اللبناني بالعنصرية التي يمارسها، أوضحت لمى أن المجتمع لا يعترف بذلك، ويدعي أنه متخط للأمر، لكن الواقع يقول العكس تماماً، حتى إن البعض لا يريد الحديث كأن الموضوع لا يعني لهم بتاتاً، وكأن الناس الآخرين ليسوا بشراً. وحتى إن البعض يضع الناس في خانات بحسب نوع عملهم لهذا ينظرون مثلاً إلى العاملات على أنهن أقل قيمة منهم'.

تخبر لمى أنها شعرت بدعم الناس في لبنان والدول العربية والخارج، لكن المفارقة التي رصدتها لمى كانت في موقف المجتمع نفسه. فئة كبيرة من الناس أنكرت أن يكون في ما حدث شيء من التمييز. آخرون خففوا من وقعه، والقليلون فقط اعترفوا بأنهم مروا بتجارب مشابهة. وربما كان دافعاً جعل الناس يشاركون قصصهم أيضاً.

وكانت لمى أيضاً قد شاركت موقفاً سابقاً في (فيديو) أيضاً أنها بعدما أعطت مقعدها في مطار هيثرو في لندن لسيدة كبيرة في السن، سمعتها بعد قليل وهي تقول باللغة العربية لمن حولها مشيرة إلى لمى 'لماذا تذهب هذه إلى لبنان'، فما كان من لمى إلا أن أجابت بالعربية 'هذه ذاهبة لترى أهلها في لبنان'. فاعتلت الصدمة وجه السيدة والحاضرين.

التغطية الإعلامية أوصلت الرسالة

وقد غطى الإعلام ما جرى مع لمى في مطار بيروت، وتقول إنها فوجئت بتفاعل إعلامي كبير، وإن جزءاً من الإعلام اللبناني نقل القصة، لكن اللافت كان تجاوب الصحافة العربية والدولية، من 'بي بي سي' إلى 'فرانس 24' و'دويتشه فيله'، وسواها، ووجد كثر في قصتها مرآة لواقع عربي يعاني هو أيضاً تمييزاً صامتاً ضد كل ما هو مختلف في لون البشرة أو الطبقة أو اللهجة. وتقول 'ما أسعدني أن تصل الرسالة إلى ما بعد لبنان، لأن العنصرية لا جنسية لها، ولأن مجتمعاتنا جميعاً في حاجة إلى مكاشفة'.

'ألو... معك الرئيس!'

وسط هذا التفاعل جاءها اتصال غير متوقع من رئيس الجمهورية جوزاف عون، تقول لمى إنها فرحت بالاتصال، وهي كانت قد ناشدت الرئيس إيجاد حل لهذه المواقف العنصرية. وتلفت إلى أن الرئيس لم يكن المسؤول عما حدث، لكنه سمعها. اتصل بها وقال إنه يأسف لما حصل معها، 'لي الفخر أن الرئيس سمعني واتصل بي، وهذا لم يحدث في أي بلد. وهذا يدل على أن التغيير سيحصل في لبنان، وأنا مؤمنة به. ولن أنسى طوال حياتي حين يصل صوتك، ولو لمرة، وتشعر أن هناك من يستمع إليه، فذلك لا يُنسى'.

وقد سألت الرئيس إذا ما كان هناك من قانون صريح يحمي الناس من هذه الممارسات، وأجاب بالنفي. وقالت، 'غياب القانون يترك الباب مفتوحاً لكل صور التعدي، لكن الأهم أن يبدأ النقاش. أن نقر أن هناك مشكلة. بعدها يمكن أن نبني'.

تفريغ الغضب

لم تفكر لمى في اللجوء إلى أي إجراء قانوني لأنها لم تكن تعرف إن كانت هناك جهة قانونية مناطة بالأمر، وإن كان القانون سيأخذ حقها كما فعلت هي. وتقول 'إن ما حصل ليس حالاً فردية، إنما متجذرة بنا في النظام والمدرسة والبيت، والبلد متشرب لهذه العنصرية بطريقة غريبة ويمارسها في الأقل حظاً أو فقراً، وأي شخص لا يملك الوسائل للدفاع عن نفسه. ولا يمارس كل اللبنانيون العنصرية، ولكن جزءاً لا بأس به'. وتدعو لمى من يتعرض لموقف عنصري ألا يخاف من المواجهة، وتسمية الأمور بأسمائها. وتتمسك بأنه لا بد من تحويل الغضب إلى فعل جمالي أو مساحة للتعبير، منبهة إلى أنه لا بد من نشاطات للتوعية، إضافة إلى نشاطات تفرغ الوجع من خلال اليوغا أو التأمل أو الألعاب التي تساعد على التفريغ بعد فترات الحرب والأحداث المؤلمة... فالناس في لبنان في حاجة إلى التنفس، لا إلى مزيد من الكبت. في حاجة إلى تمارين جسدية، ومساحات فنية، وأماكن يمكن فيها للألم أن يجد مخرجاً.

الله يسامحك!

وفي الختام أجابت لمى عن سؤال ماذا تقولين لمن أساء إليك؟ 'ربما أقول له الله يسامحك، وأريد سؤاله لماذا قمت بهذا الفعل، وأطلب منه الاعتذار لأن ما فعله خطأ يجب الاعتراف به... وكذلك أحب أن يكون لكل الأشخاص مساحة آمنة يعبرون فيها عن مكنوناتهم... فالحياة كارما، وما نفعله اليوم قد نراه يرتد إلينا غداً'.

العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف العنصرية جرح غائر في لبنان تنكأه المواقف
موقع كل يومموقع كل يوم

أخر اخبار لبنان:

فيديو جديد لاستهداف السيارة في العيرونية

* تعبر المقالات الموجوده هنا عن وجهة نظر كاتبيها.

* جميع المقالات تحمل إسم المصدر و العنوان الاكتروني للمقالة.

موقع كل يوم
3

أخبار كل يوم

lebanonKlyoum.com is 2077 days old | 711,336 Lebanon News Articles | 4,833 Articles in Jul 2025 | 542 Articles Today | from 58 News Sources ~~ last update: 18 min ago
klyoum.com

×

موقع كل يوم


لايف ستايل