اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١١ نيسان ٢٠٢٥
نجيب ميقاتي في موناكو، ورياض سلامة في السجن. الأول غادر منصبه كرئيس للوزراء في كانون الثاني الماضي. والثاني كان حاكمًا للمصرف المركزي للبلاد من عام 1992 إلى 2023. وكما كشف موقع «إنتلجنس أونلاين»، يبدو إن العلاقة بين الرجلين تمر عبر إحدى المؤسسات المصرفية اللبنانية الرئيسية.
ما القصة؟
أحدهما، نجيب ميقاتي، ملياردير وشخصية وازنة في السياسة اللبنانية. والآخر، رياض سلامة، في السجن وقد سيطر لمدة ثلاثة عقود على مصرف لبنان. بتتبع أثر عمليات نقل أسهم قامت بها شركات أوفشور، يكشف «إنتلجنس أونلاين» النقاب عن معاملات مالية تظهر وجود صلات بين المقربين من رئيس الوزراء السابق، الذي غادر منصبه، وحاكم مصرف لبنان السابق.
مسار متعرج يجمع أدلة متناثرة على مر السنين، من لبنان إلى جزر كايمان، مروراً بسويسرا وليختنشتاين. ويكشف عن ترتيبات مرت تحت رادار حوالي عشر نيابات عامة دولية تنظر في قضايا سلامة. فالمسؤول المالي اللبناني السابق يخضع بالفعل لعدة تحقيقات في لبنان وأوروبا، لا سيما بتهمة «اختلاس أموال عامة»
مصرف لبنان كمساهم غامض
يجب العودة إلى عام 2010 لكشف غموض المعاملات الخفية لبنك عوده. في ذلك الوقت، كان القطاع المصرفي اللبناني يعمل بكامل طاقته حول حاكم المصرف المركزي للبلاد، رياض سلامة. وعندما أعلن بنك الاستثمار المصري EFG Hermes، الذي كان يمتلك 29.9% من أسهم بنك عوده، عن رغبته في التخلي عن حصصه، هبّ الحاكم لإنقاذ المؤسسة التي يديرها سمير حنا، الذي كان يخشى وصول مساهم معادٍ.
ولكن، بما أن القوانين اللبنانية تمنع المصرف المركزي من امتلاك حصص في مؤسسة خاصة، إلا في حالات استثنائية، تم تنفيذ الصفقة من خلال ترتيب دقيق.
في 19 كانون الثاني 2010، قامت شركة Middle East Opportunities For Structured Finance Ltd، وهي شركة جاءت في الوقت المناسب ومسجلة في جزر كايمان، بشراء سندات دين بقيمة 154 مليون دولار، وهو ما كان يمثل في ذلك الوقت 4.94% من رأسمال بنك عوده. ورداً على سؤال حول هذا الموضوع، يؤكد بنك عوده أن «المصرف المركزي قدم جزءًا صغيرًا من التمويل اللازم لإعادة شراء مقدم العرض. وقد تم بعد ذلك سداد جميع أموال المصرف المركزي بالكامل، مع الفوائد».
بعد سنوات، في عام 2021، أثبت المدعي العام السويسري، الذي كان أول من بدأ الإجراءات ضد رياض سلامة، أن مبلغ 154 مليون دولار قد تم إنفاقه بتوقيع منفرد من الحاكم اللبناني عبر حساب كان هو الوحيد المتحكم فيه في جنيف. وبالتالي، فإن الشركة الغامضة من جزر كايمان أصبحت مساهماً غير مباشر في البنك بأموال عامة، مقابل سندات الدين الخاصة بالشركة الخارجية المسجلة لدى Clearstream Banking Sa Luxembourg والمودعة في حساب لدى بنك Julius Baer السويسري.
انتقال سندات الدين
في عام 2012، تم نقل هذه السندات نفسها إلى شركة أوفشور أخرى في جزر كايمان، هي Levant Finance. في وثيقة رسمية لمصرف لبنان، يُقدَّم بنك عوده على أنه «وكيل» لشركات الأوفشور كوسيط في «عرض الشراء العام» هذا. وذلك على الرغم من عدم وجود أي أثر لمناقصة عامة في أرشيف مصرف لبنان، وأن Levant Finance لم تُسجل قط كمساهم في بنك عوده نتيجة لهذه الصفقة.
ثم في عام 2014، انتقلت أسهم بنك عوده إلى شركة ثالثة في جزر كايمان، هي Levant Finance 2. وذلك في الوقت الذي تتبع فيه المحققون السويسريون تحويلات من حساب HSBC في جنيف يخص رجا سلامة، شقيق رياض سلامة، إلى شركة في دبي تحمل الاسم نفسه: Levant Capital. وهي شركة، بحسب المحققين الفرنسيين، يمتلك رجا سلامة «توكيلاً مصرفيًا» عليها.
تدقيق BDO
في عام 2021، وبينما كانت حوكمته موضع تشكيك من قبل الصحافة، اتخذ رياض سلامة خطوة استباقية. فقد أوكل المهمة للمدقق أنطوان غلام، رئيس الفرع اللبناني لشركة التدقيق الدولية BDO. وعلى إثر ذلك، برر الأخير مجموعة من المعاملات، بما في ذلك صفقة سندات الشركة الخارجية في جزر كايمان.
يزعم التدقيق، الذي يقول موقع «انتلجنس أونلاين» إنه اطلع عليه، أن هذه الصفقة تمت لصالح مصرف لبنان، دون أن يوضح سبب عدم تسجيل الأخير كمساهم أو مستثمر في بنك عوده، شأنه في ذلك شأن Levant Finance.
في أيار 2024، وبعد وضعه قيد الاحتجاز على ذمة التحقيق من قبل قضاة التحقيق، وجهت العدالة الفرنسية اتهاماً رسمياً لأنطوان غلام، لا سيما بتهمة «التبرير الكاذب لمصدر ممتلكات ودخل رياض سلامة». وعند الاتصال به عبر محاميه، طعن المدقق في الوقائع، دون التعليق عليها.
نقاط غير واضحة
لتبرير هذا الإنفاق البالغ 154 مليون دولار من الأموال العامة، يؤكد رياض سلامة أن السندات، أي ضمانات الدين في هذه الحالة، قد أعيد شراؤها من قبل مشترٍ مجهول وبسعر غير معلن.
وهي عملية إعادة بيع يؤكد أنها تمت من حساب في JP Morgan Chase إلى حساب لمصرف لبنان في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. متجاهلاً التوضيح، كما تظهر وثائق اطلع عليها «إنتلجنس أونلاين»، أن 150 مليون دولار قد تم تحويلها فوراً من قبل مصرف لبنان إلى حساب لبناني لبنك عوده.
كان لا بد من الانتظار عدة سنوات حتى تقوم مؤسسة Julius Baer في زيورخ بالإبلاغ أخيراً عن العملية المشبوهة إلى الهيئة الفيدرالية السويسرية للرقابة على الأسواق المالية (Finma)، وهي هيئة التنظيم السويسرية.
في بلاغها، أشارت Julius Baer إلى «خصائص غير طبيعية ونقاط غير واضحة» وأن العملية تم تصميمها بطريقة لا تسمح بالتتبع المحاسبي. وأوضح البنك أنه لم يتمكن من معرفة هوية المشتري أو التحقق من حقيقة العملية، على الرغم من الأسئلة التي تم طرحها.
وعند الاتصال به، لم يرغب بيير-أوليفييه سور، محامي رياض سلامة، في التعليق على هذه الجوانب. أما بالنسبة لبنك عوده، فيؤكد المتحدث باسمه أن «رياض سلامة لم يشترِ أو يسيطر على أي أسهم في بنك عوده. التغييرات الأولية واللاحقة في حصص الملكية في البنك تمت في بورصة بيروت. وقد انعكست في هيكل مساهمي المؤسسة المصرفية وفي تقاريرها السنوية».
مصالح اقتصادية مرتبطة بمجموعة نجيب ميقاتي
في خضم تعقيدات العمليات مع بنك عوده، تظهر مصالح اقتصادية مرتبطة بمجموعة نجيب ميقاتي. حتى عندما كان رئيساً لوزراء لبنان، كانت عدة شركات تابعة للمجموعة العائلية للملياردير تدور بالفعل حول ترتيبات رياض سلامة.
في عام 2014، وفقاً لسجلات مساهمي بنك عوده، قامت شركتان من مجموعة ميقاتي، هما M1 Capital Ltd و M1 Investment Ltd، بتخفيض مساهماتهما بنسبة 0.23% و 0.13% على التوالي. بينما زادت حصة Levant Finance 2 Ltd بنسبة 0.36%.
ثم في عام 2016، فقدت Levant Finance 2 ما يقرب من نصف حصتها، أي 2.22% من رأسمال بنك عوده، بينما قامت شركة أخرى تابعة لميقاتي، هي Investment and Business Holding، بزيادة مساهمتها بنفس القدر.
بالتوازي، جرت عمليات تبادل للأموال في نفس العام. هذا ما يؤكده طلب المساعدة القضائية الذي صاغته نيابة ليختنشتاين. لم يفتح القضاء في الإمارة تحقيقًا يستهدف رئيس الوزراء السابق أو المقربين منه، لكنه لاحظ عدة عمليات مرتبطة.
من لبنان إلى حساب سويسري
يشير الطلب إلى عقد بتاريخ 26 كانون الثاني 2016 بين شركة SI 2 SA السويسرية التابعة لرياض سلامة ومجموعة M1 المنسوبة إلى طه ميقاتي – شقيق نجيب ميقاتي وشريكه. وهي صلة أدت إلى دفع 14 مليون دولار من مجموعة ميقاتي إلى حساب مصرفي سويسري تابع لبنك عوده لشركة أخرى تابعة لسلامة، هي Crossland البنمية.
هذه الشركة نفسها، دائماً وفقاً للقضاة، تمتلك 4 ملايين سهم لحامله (أسهم مجهولة المصدر) من بنك عوده – على شكل شهادات إيداع دولية (GDR) – بقيمة 25.28 مليون دولار. ولكن، وفقاً لسجل المساهمين لعام 2014، فإن MAL Investments One Holding، وهي شركة تابعة لعائلة ميقاتي كانت تمتلك تاريخياً شهادات إيداع دولية، تقوم ببيع حصتها بمبلغ معادل.
رداً على سؤال حول هذه العلاقة، قال متحدث باسم مجموعة ميقاتي كتابياً للموقع المذكور: «قامت بعض الكيانات التابعة بالاستثمار، في عام 2010، في أدوات مالية مرتبطة برأسمال بنك عوده. ومع ذلك، فقد تم تنفيذ هذه الاستثمارات في إطار معاملات ذات طابع مستقل، تحترم شروط السوق العادية، وكانت مفتوحة لمجموعة واسعة من المستثمرين».
إقرأ/ي أيضا: ميقاتي يواجه تهمة «الإثراء» بالسياسة.. وبنك عودة يوضح