اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٧ حزيران ٢٠٢٥
خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يعيش لبنان في أجواء متناقضة إقليمياً تنعكس على وضعه الداخلي على نحو سلبي.. حتى أنه بات يمكن القول أن معظم مشاكل لبنان خارجية؛ وأن جزءاً صغيراً منها داخلية. فسوريا بمثلما أن مشاكلها هي مشكلة للسوريين هي أيضاً مشكلة للبنان الذي ليس لديه حدود برية إلا معها؛ وعليه فإن أي اضطراب في سورية أو مع سورية فهو يعني أمراً واحداً وهو أن لبنان يصبح في نوع من الحصار.. ناهيك عن أن حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة تتجه لتصبح ليس فقط حدوداً مع عدو، بل حدوداً مع عدوان مفتوح على بلد الأرز.. ما يحدث مع إسرائيل لم يعد له سبب واحد هو سلاح حزب الله كما يقول نتنياهو وكانس، بل له أسباب تتفاقم كلما تعمق الاتجاه اليميني الكاهني الصهيوني الإسرائيلي. أما أوروبا فهي كلما غرقت في جيل جديد من المشاكل الناتجة عن وصول ترامب للبيت الأبيض؛ كلما أصبح لبنان من دون عكاز علاقته التاريخية بفرنسا؛ وكلما أصبح صحيحاً كلام البطريرك المعوشي عن أن فرنسا شمس تعطي الدفء للبنان عن بعيد وتحرقه عن قريب.
والحال ذاته مع واشنطن التي يشعر لبنان أن سيدها ترامب يتعامل مع الدول الفقيرة والصغيرة بأسلوب المطور العقاري الذي يهمل القضايا والعقارات التي لا تعود عليه بمرابح كبيرة. ويظهر ترامب مع لبنان عدم عدالة في أكثر من جانب؛ فهو يمنح أحمد الشرع فرصة لاحتواء الأيغور المجاهدين المطلوبين عالمياً ولا يمنح الرئيس جوزاف عون فترة سماح كي يستوعب على طريقته حزب الله اللبناني الذي لا يعتبر نقطة في بحر خطر الأيغور والازباك وغيرهم من المقاتلين الأصوليين العالميين الموجودين تحت كنف الشرع. وأيضاً يرفع ترامب العقوبات عن سورية تحت عنوان سنعطي الشرع وننتظر ماذا سيفعل، ولكن مع لبنان يقول ترامب أنه لن يعطي جوزاف عون شيئاً قبل أن يعطينا كل شيء!!.
السطور أعلاه لا تعني أن لبنان لا يحتاج إلى إقفال ملف سلاح حزب الله؛ ولا تعني أن لبنان لديه مشكلة مع تسامح العالم مع الإدارة الجديدة في سورية؛ بل لبنان يشجع ولديه مصلحة في كل خطوة تؤدي لاستقرار سورية؛ ولكن مشكلة بيروت هي مع عدم العدالة في التعامل الأميركي والعالمي مع لبنان قياساً بطريقة التعامل السلسة والمرحب بها مع سورية وغيرها..
شيئاً فشيئاً يصبح السجال بين الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي ودول القرار الإقليمي والعالمي فيه شبه كبير مع السجال الداخلي اللبناني؛ حيث الحل يدخل مربع السؤال حول من سبق الآخر في الوجود البيضة أم الدجاجة؛ سلاح حزب الله أم الإعمار؛ تطبيق ال ١٧٠١ مع الاحتلال أم تطبيقه من دون وجود الاحتلال.
.. واضح أن نتنياهو بالعمق لا يريد القرار ١٧٠١ كمرجعية لطرفي المشكلة؛ أي لبنان وإسرائيل؛ بل يريده مرجعية لمحاكمة سلوك لبنان على أساس بنود فيه؛ بينما يريده هدية لإسرائيل تأخذ منه حقوقها من دون تنفيذها ما يرتبه عليها من واجبات.. أضف أن نتنياهو مثل ترامب لا يرغب برؤية دور في الصراع العربي الإسرائيلي يحمل علم أوروبا.. وأكثر من ذلك، يريد نتنياهو استبدال اليونيفيل كحد أدنى بالاندوف وكحد أعلى بدور إسرائيلي بحيث يصبح نتنياهو مرجعية بصفته أنه هو الخصم والحكم.
كان مطلوباً أو مرغوباً أو متأملاً من ترامب أن يغرد مستاء أو محبطاً من نتنياهو لأنه قصف ضاحية عاصمة لبنان الجنوبية ليلة عيد الأضحى الذي يمثل مناسبة إنسانية للبنانيين عامة بمثلما هو مناسبة دينية للمسلمين.. كان لدى ترامب ألف سبب إنساني وسياسي وشخصي ليفعل ذلك.. كان يمكنه على افتراض جدلي أن 'يدين حزب الله'؛ ولكن بنفس الوقت يدين تصرف نتنياهو في ليلة العيد. كان يمكنه القول أنه بمثلما يعتبر أن هجوم حماس في ليلة عيد اليهود يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ عمل مشين؛ فإن هجوم نتنياهو في ليلة عيد الأضحى على لبنان مشين.
يطلب لبنان من ترامب معاملته بمكيال مسامحة الآخرين الذين لا يحفل سجلهم بنفس علامات الاستقامة التي تزين سجل رئيس جمهوريته المنتخب ديمقراطياً وغير المطارد بتهم داخلية أو خارجية؛ والذي يعرف الجميع بأنه بمثلما هو ابن المؤسسة الوطنية اللبنانية فهو أيضاً صديق المجتمع الدولي ويؤمن بقيمه الليبرالية، الخ..
يعرف لبنان أن السياسة الأميركية منحازة تاريخياً لإسرائيل، وستستمر أغلب الظن على هذا النهج في المستقبل؛ ولكن لبنان لا يعرف أن السياسة الأميركية معادية له أو عدائية تجاهه؛ قد تكون فاترة نحوه، أو لديها ملاحظات عليه؛ ولكن تاريخياً لم يكن بين لبنان الرسمي أو لبنان الثقافي مشكلة مزمنة مع الولايات المتحدة الأميركية كما هو حال الكثير من الدول العربية التي عادت أميركا أيديولوجياً وأصبحت الآن لديها صداقة تفاهم أميركية نحوها؛ بينما لبنان بات جزء كبير من أزمته الراهنة تعود أسبابها إلى أن واشنطن لا ترغب بتفهم ظرفه؛ وفيما تعامل تجربة أحمد الشرع لإعادة بناء سورية ودولتها بتسامح ومده بالفرص وإزالة العقبات العالمية من أمامه؛ فإنها تعامل تجربة جوزاف عون لاستعادة الدولة بحرمانه من فرص المساعدة وبفرض الشروط عليه من دون أن تقدم له أية حوافز..
يحتاج لبنان أن يطبق ترامب على أوضاعه الراهنة شيئاً من استراتيجية أميركا أولاً التي تعتبر أن أجندة المصالح الأميركية في كثير من ملفات المنطقة ليست متطابقة مع مصالح الأجندة الإسرائيلية؛ ولا شك أن لبنان بوضعه الحالي هو بحاجة لحل أميركي منسجم مع سياسة أجندة أميركا أولاً وليس أجندة إسرائيل دائماً أولاً.