اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٤ نيسان ٢٠٢٥
يعرض ريجيس دوبريه دراسات الفلاسفة ونظرتهم للصورة وللتاريخ ويقوم بشرحها وتفصيلها، فيقول: إنّ الفيلسوف يملك كل الحق في تمني موت الفن حتى يحتكر الحقيقة ويستخلص وحده جوهرها. من ثم يقدم رأيه عارضاً الأسباب والمؤثرات والنتائج التي تفصح عنها هذه الدراسات، بل يدافع بشكل مستميت عن الفن، من بعض هذه الدراسات خاصة دراسة هيجل التي يعتبر فيها أن الفنان مثله مثل البطل لا يعرف ما يفعل، ولو كان يعلم ما يفعل لكان فيلسوفاً. فيقول 'فلنحلم من جهتنا بتاريخ للفن بالشكل الذي يمكن أن ندافع عنه جميعا ومن دون أن نناقض أنفسنا'!
ايديولوجيا الصورة، أو عصر الصورة، أو فخ تكنولوجيا الصورة، نعم، عصر فخ تكنولوجيا الصورة، عصر أصبح الإنسان فيه يعيش، ويشبه ما يرى بإمتياز وتنقله لنا الصورة، ومع تتطور وتقدم هذه الصورة وتقدم وظائفها وتداعياتها، اصبحنا نعيش داخل هذه الصورة، أو اسرى هذه الصورة، كما لم نعد أمام الصورة، بل داخلها، في الصفوف الخلفية، حيث إن'الانسان' في زمن الحداثة عموماً، أو ما بعد الحداثة، أو ما بعد بعد الحداثة أصبح يشبه ما يرى، بل أصبح ما يرى في مجتمع الفرجة وصندوقها، أصبح مجرد صورة أو نسخة طبق الأصل، ومشوهة في مجتمعات ودول اخرى.
فلسفة الصورة
يعد 'ريجيس دوبريه'من أهم الفلاسفة المعاصرين، إهتماما بفلسفة الصورة، ويمكن اعتباره فيلسوف تاريخ الصورة، إذ تتبع تطور مفهوم الصورة وتجلياتها الوجودية وتحقيبها الرمزي منذ القدم إلى الراهن. الفيلسوف الفرنسي، والصحفي، والمسؤول الحكومي السابق، والأكاديمي. المعروف بنظريته في الميديولوجيا، وهي نظرية نقدية في انتقال المعنى الثقافي في المجتمع البشري على المدى البعيد، قاد هذا الاهتمام التاريخي بالتطور المفهومي والتجلي الرمزي للصورة، ريجيس دوبري اشار إلى تقسيم العصور التي مرت بها إلى ثلاثة عصور مرتبطة فيما بينها، وهي عصر الخطاب وعصر الكتابة، والعصر السمعي البصري، وبذلك فلسفته أطروحة مهمة لتأسس لعلم جديد هو علم الميديولوجيا، ليعتبر الصورة أهم وسيط في العصر الراهن، تنعكس في شكل صورة تلفزيونية، وصورة سينمائية ورقمية…
أصبح الإنسان يعيش ويشبه ما يرى بإمتياز وما تنقله لنا الصورة، ومع تتطور وتقدم هذه الصورة وتقدم وظائفها وتداعياتها، اصبحنا نعيش داخل هذه الصورة،
وصفت الكاتبة نبيلة بوخبزة بأختصار، سلطة الصور حسب ريجيس دوبري: إن محاصرة الصور لنا من كل أتجاه وفي كل لحظة كالفيضان العارم التي تفيض علينا وتغرق أذهاننا بكثافة وسرعة، هذا ما جعلنا نخوض البحث في مجال أصول تأثير الوسائل السمعية البصرية على الإنسان تاريخياً والاطلاع على مؤلفات بعض فحول فلسفة الثقافة البصرية الذين أبرزوا قوة الصورة السمعية البصرية.
بدأً من الفين توفلر الذي كان قد تحدث في كتابه (صدمة المستقبل) عن عدم قدرة الذهن البشري على ملاحقة سرعة جريان الأحداث والأشياء، وكذا التطورات الحاصلة في مناحي الحياة كافة، تلك السرعة التي تربك الأفكار والتصورات، وتسبب نوعاً من الصدمة النفسية للإنسان المعاصر، خطا الإعلام السمعي البصري في الدول المتطوّرة خطوات عملاقة في مجالات الميديولوجيا والمحتوى، مؤسّسا منظومة متجذرة من حيث قواعد المهنة والاحترافية في الأداء والتفاعل مع المشاهد كطرف أساسي في المعادلة الإعلامية، كما يتكيّف مع التكنولوجيات الحديثة ومستجدات التقنية للحفاظ على مكانة التلفزيون كمصدر للأخبار والتسلية والترفيه، وسط إغراقه بمختلف هذه المواد من وسائل أخرى منافسة، في مقدّمتها الانترنيت بمختلف تطبيقاتها.
منصات الفيديو
يعدّ الفيديو اليوم منافساً للشاشات التقليدية نظراً لما يتميز به من خصائص تجعله يستحوذ على إهتمام المستخدم منها الحركية وتجاوز أبعاد الجغرافيا والزمن، وقد وفّرت المنصّات عدّة أدوات رقمية تتيح إنتاج ونشر ومشاركة الفيديو بشكل غير مسبوق، نتج عنه إنتاج غزير للمحتوى من هذا النوع، يقابله موجة أستهلاك تغلّبت على كلّ الأنواع التقليدية، والذي أصبح تحديد أهّم الخصائص التي تميّز الفيديو وتستقطب المستخدم والرهانات المرتبطة ببنية الاتصال الحديث والأنساق الجديدة التي تؤطّر العمليات الاتصالية على جميع الأصعدة، مع إسقاط ذلك على نموذج T2T (Time to Time) الذي يربط بين الزمن الإعلامي والزمن الاجتماعي ضرورة معرفية في عالم ثورة الصورة.
نحن نعيش اليوم عصر تـطــــــور فلسفــــــة الصـــــــورة من أفلاطون إلى دوبري، نعم، نعيش اليوم 'عصر الصورة'، الصورة المرتبطة بمجال الإعلام والإتصال، والمرتبطة أيضا بعالم التربية والتعليم والأخلاق والدين والخيال والإبداع، فمجال الصورة في عالم اليوم يتمتع باستقلالية نسبية، له مناهجه وأدواته الخاصة.
لقد صار البحث في فلسفة الصورة مطلباً ملحاً من أجل أمتلاك أدوات تفكيك الصورة ونقد خباياها، وعليه فإن هذه المقدمة تستعرض أسماء أهم فلاسفة الإسهامات الفلسفية التي قدموها في هذا المجال، فلاسفة أمثال: أفلاطون وأرسطو وأوغسطين وموريس ميرلوبونتي وميشيل فوكو وبودريار وجي ديبور وريجيس دوبريه…
هذا العالم الافتراضي، وبكل تجريد وواقعية، أصبح حقيقة قائمة في متناول الجميع، إنها تكنولوجيا الصورة،تكنولوجيا الإنسان وأيديولوجيته الإفتراضية الجديدة التي لم نعد فيها نشبّه انفسنا، والتي لم تعد افتراضية من جهةٍ اخرى، في تطور خارق للآلة و التي بدأت وبدون أدنى شك تحفر قبره وقبرها بسرعة تطورها في المقلب الافتراضي الأخر.
ماهية الصورة
دوبري لا يطرح السؤال: ما هي الصورة؟ إنه لا يعطيك ماهية الصورة نقية صالحة لكل عصر، بل يتتبع هذه الصورة عبر مراحل تشكلها وعبر عصورها المتميزة: أي عصور تحولها. كما يتتبع تقاطعاتها. محاولا الكشف عن 'أنظمتها' حسب كل عصر، وعن 'مبدأ فعاليتها' المرتبط بعلاقتها مع الوجود، أو عن 'نمط وجودها' وعن 'مصدر سلطتها' وعن 'ابتعاثها'، وعن 'الهدف منها'، وعن 'سياقها التاريخي' وعن 'معيار عملها'، وعن 'أفقها الزماني' في ارتباط مع 'المواد التي تصنع منها '، فالصورة إذن تربط علاقة مع المكان والزمان، وتحولها مقياس لتحول هذا الأخير، وهي لا تكتفي بتلك العلاقة التي تربطها مع الوسط الذي تتشكل فيه، سواء أكان جغرافياً، أو سياسياً أو اقتصادياً، أو اجتماعياً، أو نفسياً. بل إنها أيضاً تربط علاقة مع الفكر وأشكاله: فالصورة 'إبداع' مزدوج ينتمي إلى شكل من أكبر أشكال الفكر والفن السياسي، كما أن علاقتها بالدين وثيقة، فهذا الأخير استخدمها واستثمر قوتها لاستمراريته وذيوعه وهيمنته، ولممارسة سلطته.
لقد صار البحث في فلسفة الصورة مطلباً ملحاً من أجل أمتلاك أدوات تفكيك الصورة ونقد خباياها،
فسلطة الصورة إذن تغذي سلطة الدين، وتمنحها التماسك والقوة التي يحتاجها خطابه السياسي لدى البعض الذي غدا بدوره صورة، هنا تبرز خطورة قوة ووظيفة الصورة وهي ما حاول دوبريه التركيز عليه، فالصورة سلطة بل في رأيه 'سلطة السلطة'، إنها 'السلطة الرمزية' بإمتياز حيث يشبه الواحد ما يرى، وخصوصاً في بيئة مجتمعات وأحزاب الأيديولوجيات المستبدة، والمغلقة على جمهورها، والمغلقة على نفسها!
اقرا ايضا: فيديوهات تفطر القلوب من غزة: صرخات أطفال ونساء وهي تحترق داخل مدرسة «دار الأرقم»!