اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
نظّم دير مار إلياس للآباء الأنطونيِّين – الكنَيسة (المتن الأعلى) لقاءً روحيًّا بعنوان: صمتُ الله في ضيقاتنا: صوتٌ لا يُسمع لكنه واضح، حاضر فيه الأب الدكتور الياس شخطوره، رئيس دير مار إلياس – قرنايل، وحضره كهنة منطقة المتن الأعلى، ومُدبّرو ورُهبان الرهبانيَّة الأنطونية، إلى جانب علمانيين ملتزمين بمُمارسة شعائرهم الدينيَّة في كنف كنيسة الدير.
استُهلّ اللقاء بكلمة ترحيبيَّة للأب الدكتور نجيب بعقليني، رئيس الدير ورئيس جمعيَّة عدل ورحمة، شدّد فيها على أهميَّة اللقاءات المُستمرّة والتعاون البنّاء بين الرُّهبان والكهنة والعلمانيِّين المُلتزمين بعمادهم وتعاليم الكنيسة، لما في ذلك من خدمةٍ للإنسان، ولا سيّما في هذه المنطقة التي تتميّز بروح العيش معًا في وئامٍ رغم اختلاف الأديان.أثنى الأب بعقليني على رؤية الرهبانيَّة الأنطونيَّة وجهودِها في دعم الشباب وتشجيعهم على الانخراط في حياة التبشير ونقل البُشرى السارة لأبناء الوطن الواحد، من خلال مساندة الناس وحثهم على الصُّمود والثبات رغم التحديَّات والصُّعوبات التي تواجههم في حياتهم اليومية.أكّد على ضرورة التمسّك بالإيمان والقيم الروحيَّة من خلال الصَّمت المُتكلّم والاتكال على مواهِب الله، وقال: حين تشتدّ التجارِب وتتعاظم الصعوبات، قد يختار المؤمن لغة الصَّمتِ بدل الكلام، لأنّ الصَّمت أحيانًا هو صلاةٌ أعمق من كلّ كلمة، ووقفةُ إيمانٍ أمام حضور الله الذي يرى ويسمع ويعرف ما في القلب قبل أن يَنطُق به اللسان.ختم: في أوقات الألم والضيق، لا يتركنا الله وحدنا في ساحة الجِهاد، بل يُرافق خطواتِنا بصمتٍ محبٍّ وحنانٍ أبويّ، فحين نصمت أمام الألم، نُعلن ثقتنا بأنّ الله حاضرٌ ويعمل، حتى وإن خفيت عنا طُرقه، فالصَّمت المعبّر هو إيمانٌ فعّال، لا يهرب من الواقع بل يحتضنه بنور الرجاء.
تمحورت محاضرة الأب شخطوره حول التالي: تُذكِّرنا الكنَيسة، بأنَّ صمت الله ليس غيابًا بل حضورٌ خفيٌّ يتكلَّم بلُغة الحبّ، فالله لا يصمُت لعدم المُبالاة، بل لأنَّ صمتَه يحمل معنى أعمق من الكلمات.في المذود، وُلدت الكلمة في صمت الفَقر والتواضُع؛ وفي الصَّليب، تكلَّم الله بالصَّمت الأعلى، صمت الألم الذي يكشف حبَّه المخلِّص.يدعونا الصَّمتُ الإلهيُّ إلى الإيمان والثقة، وإلى اكتشاف الله في عُمق القلب، لا في ضجيج العالم، فالصلاة الصَّادقة هي إصغاء إلى هذا الصَّمت الذي يخلُق فينا حياة جديدة. صمتُ الله هو رحم الرحمة، واحتجاجٌ على الشرّ، ودعوةٌ إلى الحبِّ الأصيل.صمت الله ليس الصمت التي يتراجع فيه الله عن وعوده، كما لو احتجاجًا، مختبِرًا حرّيتنا، كنوعٍ من النداء أمام شرّنا، أفعالنا غير الأخلاقيَّة والخاطئة، التي تكشف عن حقيقتنا بالكامل، فييشبه الموقف الذي فيه كان الله يسحب كلمته، عبر الأنبياء، من شعبه المختار، ليصبح صمت الموت، الجفاف، النهاية. إنَّه صمت الاحتجاج الذي يقع علينا بسبب ما نفعله، صمتٌ دامٍ كما في فعل قايين، الذي سأل الله عن أخيه: أين أخوك؟، الصمت الذي يولد كلماتٍ صحيحةٍ وحقيقيَّةٍ ومناسبة، التي تصلبنا بسبب مسؤوليّاتنا، وبسبب الأعمال الظالمة التي ارتكبناها، صمت يسوع المصلوب على الصليب، مسبوقًا بكلمات: كلُّ شيءٍ قد تمَّ. في هذا الصمت الكاشف والمحتجّ، يبدو أن الله يصرخ: أنا بلا ذنب، ليس لي علاقةٌ بما حدث. الله يريد الخير لنا. أمّا نحن، فلا نريد دائمًا الخير لأنفسنا وللآخرين، ونترك الأنانيَّة تسيطر علينا. فصمت الله هو احتجاجٌ على كلِّ الخطيئة التي يمكن أن نرتكبها.إنَّ قدرة لله هي القدرة على الحبّ، والقدرة على الحبِّ هي الموت حبًّا بالآخر. أبديَّة الله ليست أبديَّةً في الفضاء، بل حبٌّ بلا حدود. لذا، عملُ الخليقة ليس نوعٌ من محدوديَّة الله. من هنا صمته علامة تألُّمه مع الإنسان المتألِّم، وألم الربِّ ليس مرادفًا لغير الكمال، يريدنا أحرارًا في قرارتنا وفي بناء أبديَّة حبِّه لذواتنا، الذي يجعل كلَّ شيءٍ مستحيلًا وممكنًا.إذا كان الإنسان لا يرى في الصمت الإلهيِّ سوى شكلًا من أشكال تخلّي عن الله أو عدم مبالاته أو عجزه، فلن يتمكَّن من الدخول في سرِّه ولا الوصول إليه. كلَّما رفض الإنسان صمت الله كلما زاد مَيله إلى الانقلاب عليه. إنَّ الإنسان المصلّي يعلم جيّدًا أنَّ الله يصغي إليه بالطريقة عينها التي فهم بها كلمات المسيح الأخيرة على الصليب. لذا، الإنسانيَّة تتكلَّم والله يجيب دومًا بصمته. في سبت النور، تجرّأت الظلمة بإغلاق أبوابها على يسوع، ليشارك جحيمنا، جحيم غياب الله، لكنَّ حبَّه لنا، الحبَّ المصلوب، يجعل الصليب كشفًا لابن الله. في عذابه، لا يتركنا يسوع وحدنا حتّى صرخة الهجر، صرخةٌ مفعمةٌ بالأمل والانتظار.فلنُعد تعلُّم الصَّمت، حيث يلتقي الله بالإنسان، ويتحوَّلُ الصَّليب إلى رجاءٍ ومجدٍ جديد.











































































