اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٦ أذار ٢٠٢٥
خبر صادم يقهر البلاد وناسها، وفاة الفنان الممثل الكبير انطوان كرباج ، بعدما عاش حياة تكللت ب 88 سنة.خرج من الحياة كما حضر..ملكاً..
الفنان الملك الممثل الكبير والمبدع أنطوان كرباج ، أو القامة الفنية الرفيعة الزاخرة التي لا يمكن لها الا أن تكون سيدة الخشبة والشاشة. فنان صاحب شخصية بعلامة فارقة في المسرح والتلفزيون. حضر باكراً الى الميدان الإبداعي، وكانت إطلالته صورة متجلية من اللحظة الأولى. يرى في المسرح صورة المجتمع، أو مرآة المجتمع، لذلك جهد ليكون الصوت الذي يرسم طريق المعنى والصورة والفكرة والأمل والثورة.
ولد الفنان أنطوان كرباج في بلدة “زبوغة” ( جبل صنين ). والده شكري كرباج،والدته إيراساما كرم، وهو الولد البكر لعائلته ( خمسة شباب وفتاة ).
موهبته في التمثيل تجلّت في سن مبكرة ، كان في التاسعة من العمر حين بدأ مسيرته الفنية الإبداعية. كان يكتب “الإسكتشات” ويؤديها مع أبناء جيرانه وأقاربه في منزله. تلقى علومه في المدرسة الرسمية. وفي دار المعلمين درس مادتي التاريخ والجغرافيا وتخرج من الجامعة اليسوعية. زوجته الفنانة الرسامة و الزميلة الصحافية لور غريب.
(مسيرة فنية غنية وحافلة)
ــ الحديث عن مسيرة الفنان وكيف انطلقت ، يمكن أن يمتد الى مساحات طويلة من الكلام، فقد بدأ مسيرته الفنية في أواخر الخمسينيات،ومن اللحظة الأولى لمشواره الفني سطعت الموهبة وتجلّت، وفي حديث صحافي معه قبل سنوات اخبرني وسرد الكثير من التفاصيل: “عندما كنت أدرس اختصاص التاريخ، في جامعة القديس يوسف بالكلية الشرقية، وهناك كانت المرحلة الهامة، حيث اكتشفت في هذا الصرح التعليمي وجود مسرح مغلق… في تلك المرحلة فكرت مع بعض الطلاب بافتتاح هذا المسرح بعمل كلاسيكي، ولا سيما أننا كنا ندرس لشكسبير والمرحلة الإغريقية، فإذ بأحد زملائي يقول لي: إن المسرح له أصوله وقواعده، والوقوف على الخشبة ليس بالأمر السهل أبداً، ولكن لم أقتنع بكلامه، واكملت طموحي ومحاولتي في تأسيس ما يشبه المناخ الحاضن للمسرح.”..
يعترف الراحل كرباج بأن إصراره على العمل والجهد والدراسة ساهم في تحقيق الكثير من الرغبة الجامحة داخل طموحه: 'كان لدى إصراري الكبير، فتعرفت على المبدع الكبير منير أبو دبس الذي كان يتولى إدارة معهد المسرح الحديث التابع للجنة مهرجانات بعلبك الدولية، ولدى دخولي لأول مرة على المعهد، مكثت لمدة 10 دقائق ، وشاهدت خلالها أشخاصاً صامتين، جامدين على المسرح، وبدافع الفضول تابعت حضوري وترددت دائماً على المعهد، وبعد عدة جلسات أيقنت أن المسرح ليس “مزحة” وهو يتطلب من الممثل الكثير من الجهد والتعب والفكر والشرح والعلم والأهم هو الاشتغال على الصوت ، (صوت الفنان كرباج ميزة تكاد تكون فريدة) واكتشفت أن الذي يتحكم بتنفسه يصنع الأعاجيب بصوته.”
يتذكر الفنان ويذكر الكثير من تاريخه الإبداعي الحافل:
” دائماً كنت أقدم التمرينات على خشبة المسرح، وكان زملائي يضحكون علي، الأمر الذي جعلني أنجز تدريباتي في المنزل… عند حلول امتحانات آخر السنة قدمت مشهداً مسرحياً وهو عبارة عن مونولوغ مستل من مسرحية “عطيل” لشكسبير بعد أن قمت بترجمته إلى العربية”.
وقف كثيراً على المسرح، كان ملكاً حتى في أدواره (الشريرة )،” أثناء وقفتي على المسرح كان يخالجني الشعور بالعدائية والنيل من أي طالب ينوي الاستهزاء والضحك على أدائي”.
أول ظهور مسرحي للفنان لم يكن في لبنان إنما في المغرب في “أطلال وليل” ، حيث شارك في مهرجان البحر المتوسط المسرحي،”و حيث عرضنا مسرحية “الملك أوديب”، وجسدت فيها دور الراعي، وبالرغم من مساحة دوري الصغير إلا أنني لفت فيه إعجاب الحضور.” وفي مهرجان جبيل الأول عام 1962، يقول كرباج:” كان منير أبو دبس يحضر مسرحية “ماكبث” لشكسبير وأسند إلي الشخصية الرئيسية “ماكبث”، وبعد أدائي لهذا العمل كتبت عني الصحف، مشيدة بموهبتي “.
المحطة الهامة في حياة الراحل أنطوان كرباج كانت في مسرحية “الملك يموت” ولعب فيها دور “الملك” الذي يبلغ من العمر 100 سنة ويرفض الموت، وكان آنذاك في عمر الرابعة والعشرين، فكانت هذه المسرحية بمثابة تحد كبير لقدراته التمثيلية، “ومن حينها بدأت أخطط وأدرس ملامح هذه الشخصية وكيفية تأديتها، وتوالت الأعمال المسرحية الناجحة”.
سرد الفنان الكثير من التفاصيل والوقائع في حياته الإبداعية: “في 5 يونيو عام 1967 أثناء النكسة التي أصابت العالم العربي قلت لمنير الدبس إن المسرح هو مرآة المجتمع، وإنه يجب أن يلقي الضوء على المشاكل والقضايا الاجتماعية التي يعانيها المجتمع، واقترحت عليه أن نتبنى اللغة العامية عوضاً عن الفصحى التي اتسمت بها مسرحياتنا السابقة، فرأى استحالة ذلك معللاً أنها لغة هزيلة لا تتسم بالرقي وتفتقر إلى تواجد كتاب يجيدون هذه الكتابة، فانفصلت عنه مع زميلي ميشال نبعا، وقمنا بمسرحية “الديكتاتور” الناطقة باللغة العامية وكانت من كتابة الشاعر والمسرحي اللبناني الراحل عصام محفوظ، فألقى هذا العمل الضوء على مشكلة الديكتاتورية في العالم، ثم تابعنا مسيرتنا في مسرحية “المهرج” للشاعر السوري محمد الماغوط وإخراج يعقوب الشدراوي حيث جسدت دور “المهرج”.
ومن بعدها قدمنا “المارسيلياز” العربي، وكذلك تعاونت مع الفنانة الكبيرة نضال الأشقر في مسرحية “أبو علي السمراني” من كتابة خلدون تامر تركي وإخراج بارج فازيليان”.
ارتبط اسم كرباج مع الأخوين رحباني منذ عام 1968بعد أن تم التعارف بينه وبين عاصي ومنصور : ” شاهد الراحل الكبير عاصي الرحباني مسرحية “الملك يموت” فطلب من منير أبو دبس لقائي، في منزله بأنطلياس، فذهبنا أنا ومنير وميشال بصبوص، وخلال الجلسة أراد عاصي أن يتعرف علي عن كثب، إذ كان يعتقد أنني من جذور فرنسية نسبة لاسم عائلتي كرباج، فما كان منه أن ألقى بيتاً من الزجل يشتمني به، عندئذٍ أصابتني الحيرة والتردد هل أرد عليه أم أتجاهل قوله، فأجبته ببيت زجلي يتضمن كلاماً قاسياً، عندئذٍ انتفض قائلاً: أنطوان من أين أنت؟ فقلت له: أنا من بلدة “زبوغة” في سفح جبل صنين، فتابع حديثه: إذن أنت ابن الأرض ونحن نبحث عنك، وكان أول لقاء لي مع الأخوين رحباني في مسرحية “الشخص” .