اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
سمحت إسرائيل بدخول المساعدات إلى غزة بعد حصار دام شهرَين، وتردّدت في حسم استراتيجيّتها العسكرية بينما تحاول الحكومة التوفيق بين مصالح متضاربة.
لسنوات، حاولت إسرائيل الضغط على «حماس» من خلال التهديد بشن هجوم بري كبير على غزة، وفي الوقت عينه قطع المساعدات عن القطاع.
لكن أمس، غيّرت إسرائيل موقفها بشأن المساعدات، وسمحت بدخول عدد قليل من شاحنات الغذاء إلى غزة.
وعلى رغم من تصعيدها للخطاب السياسي والغارات الجوية في الأيام الأخيرة، لم تبدأ القوات الإسرائيلية بعد الهجوم البري الكبير المرتقب الذي من المفترض أن يشمل آلاف الجنود.
ويعكس غياب الوضوح الاستراتيجي وجود خلافات داخل القيادة الإسرائيلية حول أولويات الدولة الوطنية.
في مسألة المساعدات، يجب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يوازن بين الحلفاء السياسيِّين من اليمين الذين يعارضون إرسال الطعام إلى غزة، وبين الحلفاء الأجانب - بما في ذلك إدارة ترامب - الذين يخشَون من أن يؤدّي الحصار إلى مجاعة.
أمّا التردّد بشأن الاجتياح البري، فيعكس حاجة نتنياهو إلى إرضاء وزراء اليمين المتطرّف في حكومته، الذين يدفعون باتجاه إعادة احتلال غزة بالكامل، من جهة، وقيادات الجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، الذين يرَون أنّ مثل هذه الخطوة يصعب الاستمرار بها وقد تُعرِّض حياة الرهائن في غزة إلى الخطر.
ورأى دانيال بي. شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل والباحث في المجلس الأطلسي، أنّ «نتنياهو، كالعادة، يُفضّل كسب الوقت على اتخاذ القرار. في حين يسعى وزراء اليمين المتطرّف في إسرائيل إلى السيطرة الدائمة على غزة، يُشكّك القادة العسكريون في إمكانية استدامة الاحتلال الدائم، نظراً للقلق من مدى استعداد جنود الاحتياط للاستمرار في إدارة القطاع على المدى الطويل، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بمصير الرهائن».
كما أنّ تأجيل العملية البرية يعود أيضاً إلى انتظار إسرائيل رؤية ردّ فعل «حماس» إزاء جولة جديدة وكثيفة من المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار، وسط ضغوط من إدارة ترامب تدفع الطرفَين إلى التوصّل إلى هدنة.
وتضغط إسرائيل على «حماس» لإطلاق سراح عدد من الرهائن مقابل هدنة موقتة، بينما تصرّ «حماس» على صفقة دائمة. ومع ذلك، تأمل إسرائيل في أن يؤدّي الخوف من خسارة المزيد من الأراضي إلى دفع «حماس» نحو القبول بصفقة أقل.
وأوضحت شيرا إفرون، مديرة الأبحاث في منتدى السياسات الإسرائيلية، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك: «يجب قراءة كل ما يحدث في سياق مفاوضات جديدة لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل الرهائن. إسرائيل بدأت عملية برية جديدة، لكنّها لا تزال قابلة للتراجع عنها. حالياً، هذه الخطوة هي أداة تفاوضية - تزيد الضغط على «حماس: لتقديم تنازلات في المحادثات».
فمثلما يمنح تأجيل العملية البرية المفاوضين المزيد من الوقت للوصول إلى تسوية، فإنّ التراجع عن منع دخول المساعدات يمنح إسرائيل مزيداً من الوقت لمواصلة قصف غزة.
في الأيام الأخيرة، انضمّت إدارة ترامب، الداعم الأجنبي الرئيسي لإسرائيل، إلى قائمة طويلة من الزعماء الدوليِّين الذين حذّروا من خطر المجاعة في غزة.
وأكّد نتنياهو، في (فيديو) نُشر على الإنترنت، أنّ استئناف المساعدات جاء رداً على مثل هذه الانتقادات، ومحاولة للحفاظ على الدعم الدولي لحملة إسرائيل العسكرية، مضيفاً: «يجب ألّا نصل إلى مرحلة المجاعة، لا من الناحية الواقعية ولا من الناحية الديبلوماسية. من دون استئناف المساعدات، ببساطة لن نحظى بالدعم، ولن نتمكن من تحقيق النصر».
وقد شكذل ذلك تغييراً في النبرة، لم يكن من المتصوّر حدوثه قبل أيام فقط. فمنذ آذار، منعت إسرائيل وصول الغذاء والوقود إلى غزة، على رغم من تحذيرات منظمات الإغاثة وبعض الجنود الإسرائيليِّين من أنّ القطاع يقترب من المجاعة.
ورفضت الحكومة الإسرائيلية تلك التحذيرات، مدّعيةً أنّ هناك ما يكفي من المخزونات الغذائية في غزة لتجنّب المجاعة. وأشارت إلى أنّه في حال استئناف المساعدات، فإنّها ستُوزّع من قِبل شركة خاصة جديدة تتجاوز كلاً من الأمم المتحدة، التي كانت تتولّى توزيع المساعدات و»حماس»، التي تتهمها إسرائيل بسرقة المساعدات وتحقيق أرباح منها.
لكن أمس، طلبت إسرائيل مجدّداً من الأمم المتحدة استئناف عملياتها الإغاثية، بحسب ما أعلنت المنظمة الدولية. إذ إنّ الشركة الخاصة المخصّصة لتحلّ محلّ الأمم المتحدة (مؤسسة غزة الإنسانية) لم تبدأ عملها بشكل كامل بعد، بالتالي لا يزال على إسرائيل الاعتماد على المساعدة من الوكالات الإنسانية المعروفة.
وأوضحت د. إفرون، إنّ التراجع عن منع المساعدات يُسلّط الضوء على توازنات نتنياهو الدقيقة، مضيفةً: «نتنياهو يحاول أن يفعل كل شيء في آنٍ واحد. من خلال إعلانه عن عملية برية أوسع، يُظهر لقاعدته أنّه يتحرّك. ومن خلال إعلان استئناف المساعدات، يستجيب للضغوط القادمة من إدارة ترامب، بينما يكسب مزيداً من الوقت لمفاوضات تبادل الرهائن».