اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٣ حزيران ٢٠٢٥
في سابقة خطرة منذ أكثر من عقد، شنّت الولايات المتحدة الأميركية فجر يوم امس ضربة عسكرية مباشرة على منشآت نووية إيرانية، في خطوة أعادت تشكيل مشهد الصراع الإقليمي، وأثارت تساؤلات كبرى حول مستقبل أمن الشرق الأوسط، ومصير البرنامج النووي، وموقع طهران في معادلة الردع.
وبحسب البنتاغون، استهدفت القوات الأميركية ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران: فوردو ونطنز وأصفهان، باستخدام صواريخ كروز من غواصات في الخليج، وقاذفات شبح من طراز B‑2، مزوّدة بقنابل خارقة للتحصينات (MOP).
وجاءت هذه الضربة بعد أسبوع فقط من هجوم 'إسرائيلي' واسع النطاق على مراكز القيادة النووية والعسكرية الإيرانية، حيث اعتبرتها واشنطن وفق بيان رسمي، 'الرد النهائي على إصرار طهران على تطوير برنامج نووي غير سلمي، يهدّد أمن 'إسرائيل' وحلفائنا في المنطقة'.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في تغريدة متلفزة: 'لقد أزلنا البنية النووية الإيرانية كما نعرفها… ما لم تتراجع طهران، فالجولة المقبلة ستكون أكثر حسمًا'.
الخطِر في هذه الضربة ليس فقط حجمها العسكري، بل توقيتها ودلالتها السياسية. فبعد سنوات من 'الدعم من الخلف'، دخلت واشنطن المواجهة مع طهران بشكل مباشر، لتنقل الصراع إلى مستوى جديد من العلنية والشرْكة العملياتية مع 'إسرائيل'.
وقد حرص البيت الأبيض على الإشارة إلى أن الضربة 'منفصلة تكتيكيًا' عن العمليات 'الإسرائيلية'، إلا أن التوقيت المتقارب، والدقة المتطابقة في الأهداف، لا يدعان مجالا للشك في أنّ الأمر تم بتنسيق عالٍ واستراتيجية مشتركة.
هذا التحول يمثل نقلة نوعية في العقيدة الأميركية تجاه إيران: من احتواء وردع، إلى شلّ مباشر لبنيتها التحتية الحساسة.
ضربة موجعة ولكنها غير حاسمة، اذ تُظهر صور الأقمار الصناعية التي تسربت من وكالات تحليل غربية، أن بعض المرافق في نطنز وفوردو قد دُمِّرت جزئيا، بينما تعرّضت مواقع الدعم الفني لأضرار جسيمة.
لكن مصادر إيرانية تحدثت عن 'خسائر مادية محدودة'، وإخلاء مسبق للمواقع منذ بدء التهديدات 'الإسرائيلية'. وهو ما يطرح احتمالا أن تكون طهران قد توقعت الضربة، وأخلت المواقع الحيوية. ورغم ذلك، فإن الضربة تحمل رمزية عالية في رسائلها: واشنطن مستعدة لاستخدام القوة دون الحاجة لتفويض دولي، البنية التحتية النووية الإيرانية ليست خارج مدى الاستهداف، المعادلة السابقة التي كانت تفصل بين الردع الأميركي والتصعيد 'الإسرائيلي' لم تعد قائمة.
على الصعيد الإجرائي، وبحسب خبراء الأمن القومي، فإن الضربة الأميركية تحمل أبعادا أعمق من مجرد 'تدمير أهداف نووية'، تبدأ بتحييد البرنامج النووي قبل الانتخابات الأميركية، قد يكون توقيت الضربة مرتبطا أيضا بسعي إدارة ترامب لإبراز قوة الردع أمام الناخبين، وقطع الطريق على أي مرونة محتملة من الكونغرس، في حال تغير المشهد السياسي بعد الخريف.
اضافة إلى ذلك، هناك رسالة إلى روسيا والصين في لحظة دولية متوترة، تريد واشنطن إثبات قدرتها على الحسم في مناطق نفوذها التقليدية، وخصوصا أمام خصمين استثمرا في حماية إيران سياسيا وديبلوماسيا، مع إرباك الداخل الإيراني بضرب مراكز حساسة في عمق البلاد، واغتيال رموز عسكرية سابقة في الضربات 'الإسرائيلية' الأخيرة، كل ذلك يهدف إلى زعزعة صورة 'الدولة العميقة' الإيرانية.
وتأسيسا لما سبق، أعلنت إيران في أول رد رسمي وصفت به الهجوم بـ 'العدوان السافر'، وأكدت أنها 'لن تتركه بدون رد'، لكن بيانها اكتفى حتى الآن بالتنديد، ولم يعلن عن خطوات ميدانية.
بعض المحللين يرون أن إيران ستلجأ إلى الرد عبر الوكلاء (حزب الله، الحشد الشعبي، الحوثيين)، خصوصا أن مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية قد تكون مكلفة جدا. لكن في المقابل، يرى آخرون أن القيادة الإيرانية باتت مضطرة الى ردّ مباشر على القواعد الأميركية أو 'الإسرائيلية'، حفاظًا على صورتها الإقليمية، ما قد يُشعل مواجهة واسعة النطاق تشمل الخليج، والعراق، وربما البحر الأحمر.
الضربة الأميركية ليست مجرد رد فعل، إنها إعادة رسم للخطوط الحمراء في الشرق الأوسط. فبين من يعتبرها ضربة وقائية مشروعة، ومن يراها تصعيدا عدوانيا خطِرا، تبقى الحقيقة أن المنطقة تدخل اليوم مرحلة جديدة من المواجهة المكشوفة، حيث لم تعد الضربات 'بالوكالة' كافية، ولا التصريحات الديبلوماسية مجدية.
إذا لم تتدخّل قوى العقل، فإن شبح الحرب الكبرى لم يعد بعيدا.