اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في ظلّ تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان، يعود إلى الواجهة ملف العلاقة المتوترة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبعض المستشفيات، والتي تُتهم بتجاوز العقود الرسمية وفرض فروقات استشفائية باهظة على المرضى. هذه الظاهرة، التي تتكرر من حين إلى آخر، تضع المضمونين في موقع الضحية، وتطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام المؤسسات الصحية بالدور الإنساني المفترض أن تلعبه، في مقابل منطق الربح التجاري الذي بات يطغى على القطاع الصحي.
وقد أدّى هذا التوتر مؤخرا إلى فسخ الضمان عقوده مع مستشفيين بارزين: «مستشفى المقاصد» و«مستشفى سان جورج»، في خطوة اعتبرها كثيرون ضرورية لحماية حقوق المضمونين، في حين حذّر آخرون من تداعياتها على القدرة الاستشفائية للمرضى، خاصة في ظل شحّ الخيارات البديلة.
وبين موقف الضمان الذي يؤكد أن الفروقات التي تفرضها بعض المستشفيات «غير قانونية»، وموقف المستشفيات التي تبرر ممارساتها بالأزمة الاقتصادية والمالية، تظهر إشكالية عميقة تتطلب معالجة جذرية لا تكتفي بالحلول الظرفية أو المواجهات القضائية والإدارية.
كركي: لا نية لفسخ العقود ولكن حماية المضمونين أولوية!
وفقاً لذلك، يؤكد المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي، في حديث خاص لـ «اللواء» أن «لا شيء خارج عن الإطار الطبيعي المعتاد، إذ إنّ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يواصل، كجزء من مهامه الأساسية، متابعة أداء جميع المستشفيات المتعاقدة معه بشكل دوري ودقيق. ويتم ذلك تحديدا من خلال التحقق من مدى التزام هذه المستشفيات باستقبال المرضى المضمونين وتطبيق التعرفة الرسمية المحددة من قبل الضمان، دون فرض أي فروقات مالية إضافية على حساب المريض».
ومن هذا المنطلق، يتابع: «تم إبلاغ نقيب المستشفيات بكل التجاوزات التي تم رصدها، إلى جانب شرح مفصّل للأسباب التي دفعت الصندوق لاتخاذ بعض الإجراءات. وهنا لا بد من التأكيد على أن الهدف الأساسي للضمان الاجتماعي لم يكن يوما فسخ العقود مع المستشفيات، بل على العكس تماما، فنحن حريصون على استمرار التعاون معها وعلى تطوير القطاع الاستشفائي في لبنان بما يخدم مصلحة الجميع. ولكن، في المقابل، يقع على عاتق الصندوق واجب أساسي لا يمكن التهاون فيه، وهو حماية المضمونين وضمان حصولهم على الخدمات الطبية من دون أن يُثقل كاهلهم بفروقات مالية كبيرة تفوق قدرتهم، وهو ما نعمل على تحقيقه بكل التزام وجدّية».
ما وراء فسخ العقود: مخالفات مالية وإدارية
وفيما يتعلق بالأسباب التي دفعت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى اتخاذ قرار فسخ العقد مع كل من مستشفى المقاصد ومستشفى سان جورج، يقول كركي: «الأسباب متقاربة إلى حد كبير، وتتمثل في ثلاث نقاط رئيسية. أولا، قيام المستشفيين بفرض فروقات مالية كبيرة على المرضى المضمونين، وهو أمر يتنافى مع مبادئ التغطية الصحية التي يضمنها الضمان، ويشكّل عبئا ماليا غير مبرر على المواطنين الذين يلجأون إلى هذه المستشفيات طلبا للعلاج تحت مظلة الضمان. ثانيا، قيام المستشفيين بطلب مبالغ مالية مُسبقة قبل إدخال المرضى وتقديم العلاج لهم، وذلك تحت مسمّى «تأمين دخول»، وهذه الممارسة تعتبر مخالفة واضحة للعقود الموقعة مع الصندوق، وتتناقض مع مبدأ تقديم الخدمة للمضمون أولا على أن تُسوى المستحقات لاحقا ضمن النظام المعتمد. أما السبب الثالث، فهو طريقة التعامل غير اللائقة مع المرضى المضمونين، والتي تلقّى الضمان بشأنها شكاوى متكررة».
فسخ العقود.. بعد تراكم المخالفات وغياب التعاون
ويتابع: «تجدر الإشارة إلى أن هذه المخالفات لم تكن وليدة اللحظة، بل سبق أن وُجّهت إلى هذين المستشفيين عدة إنذارات رسمية من قبل إدارة الصندوق، مع إعطاء مهلة كافية لمعالجة التجاوزات وتصحيح المسار. ومع ذلك، لم يُسجَّل أي تجاوب فعلي أو ملموس من قبلهما، بل على العكس، استمرت المخالفات وتفاقمت. وقد استمرت هذه المتابعة والإنذارات على مدى أربعة إلى خمسة أشهر متتالية، حاول خلالها الصندوق التواصل المباشر والمراجعة مع إدارات المستشفيين، لكن للأسف، توقفت إدارات هذه المؤسسات الصحية عن التجاوب حتى مع مدراء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما شكّل مؤشرا خطيرا على انعدام الرغبة في التعاون أو تصحيح الوضع القائم. وبالتالي، فإن قرار فسخ العقد لم يكن قرارا متسرّعا، بل جاء نتيجة طبيعية لمسار طويل من الإنذارات غير المردود عليها، وسلوكيات إدارية لا يمكن أن تُبنى عليها ثقة أو يُؤسَّس لها تعاون مستقبلي سليم يخدم المضمونين ويحفظ حقوقهم».
الضمان يطالب بالالتزام ويشجّع التعاون
وفي سياق متصل، يوضح كركي أن «ما يهمّنا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو أن يكون هناك رضا متبادل بين الطبيب، والمستشفى، والمضمون، والضمان، وهذا ما نعمل على تحقيقه. وقد كانت الجلسة التي جمعتني بنقيب المستشفيات إيجابية وموفّقة، وأعتقد أننا وضعنا النقاط الأساسية بوضوح. وفي حال توفّرت النية الحقيقية للتعاون والالتزام بالتعريفات الرسمية واحترام إدارة الضمان، فإننا بالتأكيد على استعداد لتلبية المتطلبات المالية للمستشفيات».
إذ يضيف: «الجدير بالذكر أن الضمان يقوم بالكشف الدوري على كافة مستشفيات لبنان، وقد تبيّن أن نسبة الالتزام في مناطق الجنوب، البقاع، الشوف، عاليه، والشمال تتراوح بين 90% و100%، فيما تُسجَّل بعض المخالفات في بيروت، المتن، وكسروان، وهي مناطق تستوجب معالجة دقيقة».
نقيب المستشفيات يثمّن التعاون مع الضمان ويسعى للحل
من جهته، يقول نقيب المستشفيات البروفيسور بيار يارد «تواصلتُ مع الدكتور محمد كركي، في محاولة لإيجاد حل فعّال لهذا الموضوع، وقد أبدى كل تجاوب وانفتاح، انطلاقا من حرصه الواضح على معالجة الأمور بروح من التعاون والمسؤولية. ونحن في الأساس لا نهدف إلا إلى الحفاظ على علاقة سليمة ومتوازنة بين الضمان والمستشفيات، قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون لما فيه مصلحة المرضى المضمونين بالدرجة الأولى».
ويتابع: «بطبيعة الحال، هناك عدد من الشكاوى التي وردت من بعض المضمونين، وقد استند الضمان في إجراءاته الأخيرة إلى هذه الشكاوى، بعد التحقق منها، واتُخذت الخطوة بناء على معطيات واضحة لا يمكن تجاهلها».
ويختم يارد: «نأمل في أن يُعقد اجتماع قريب يجمع المعنيين من الطرفين، بحيث تُوضع كل الأمور على الطاولة وتُناقَش بشفافية، تمهيدا لإعادة تصويب العلاقة وتثبيت قواعد الالتزام، بما يخدم مصلحة الجميع. أما مهمتي، فقد كانت تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين إدارة الضمان والمستشفيات، وقد نجحت إلى حدّ كبير في تحقيق هذا الهدف، على أمل أن تُستكمل الجهود من الطرفين، وأن تُحلّ الأمور بشكل نهائي وبما يُعيد الثقة والتوازن للعلاقة بينهما».