اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٣ تموز ٢٠٢٥
جهدت مراجع سياسية وديبلوماسية في ملاحقة مسلسل المواقف المكثفة التي اطلقها الموفد الرئاسي الاميركي الى سوريا ولبنان توماس برّاك بعد زيارته المزدوجة الى بيروت ودمشق، سعياً الى فهم ما انتهى إليه الرجل في جولته الاخيرة التي شملت بالإضافة إليهما وقبلهما كلا من الرياض وباريس عدا عن الاتصالات التي شهدتها الفترة الفاصلة بين زيارتيه الأولى في التاسع عشر والعشرين من حزيران الماضي والسادس والسابع من تموز الجاري.
وقياسا على حجم ما أطلق برّاك من مواقف في الأيام الاخيرة، رصدت المراجع عبر المركزية في قراءتها للمرحلة، مجموعة من الملاحظات، فقالت إن من المهم جدا التوقف عند جملة من المؤشرات الدالة منها ما يحتسب من الثوابت في إطار الاستراتيجية الاميركية واخرى متحركة تبدلت وتدرجت على وقع الحروب المتنقلة، ومنها على سبيل المثال:
-على مستوى الثوابت الاميركية اكد برّاك اكثر من مرة ان بلاده تسعى الى اقفال مسلسل الحروب والعمل من أجل إرساء مجموعة من التفاهمات التي تصب في اتجاه إرساء السلام في المنطقة والعالم بما يؤدي الى توسيع دائرة الاتفاقيات الابراهيمية في اتجاه دول اخرى كان يجري التخطيط لها لعقود سابقة ولم تؤدِ أي محاولة الى اي نتيجة ايجابية. وهي تسعى بخططها الجديدة الى انهاء ظاهرة عبرت عنها في مرحلة من المراحل القوى المسلحة التي انضوت تحت شعار وحدة الساحات على خلفية انتمائها الى محور الممانعة من غزة ولبنان إلى اليمن والعراق فسوريا، وصولا إلى رأس المحور في إيران وما تسببت به من زلازل في عدد منها، ولا سيما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وما تعرضت له ايران منذ ان دخلت في الحرب مباشرة بعدما طالت الضربات الاميركية والاسرائيلية منشآتها النووية والصاروخية والكهربائية وعددا من مطاراتها والمراكز القيادية العسكرية في أكثر من منطقة.
- من الواضح ان الادارة الاميركية لن تقبل بأي تطور يقود او يمكن ان يؤدي الى احياء أي من القوى التي كانت تشكل أذرع إيران في المنطقة. وهي عملية تستهدف حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ومجموعة من القوى الميليشياوية في العراق التي لا تنتظم تحت لواء الحكومة العراقية والقوى العسكرية الشرعية في البلاد، بعد القضاء على وجود أي منها او مثيلاتها في سوريا.
- تواصل واشنطن مساعيها من أجل عقد اتفاقيات نهائية لوقف النار في غزة ولبنان والخروج من مرحلة وقف العمليات العدائية وهي عملية تستلزم قرارات طوعية بالتخلي عن أسلحتها على أنواعها وتسليمها للقوى العسكرية والشرعية. وقد جاء حديثه بالامس عن وجود منظمات ومجموعات مسلحة خارجة على ارادة حكومة الشرع وضرورة انهاء وجودها مثابة اعتراف بأنها تريد ان تستتب الأمور في هذه الدول للحكومات والسلطات الشرعية لوحدها وهي على استعداد لتقديم العون لها أيا كانت حاجياتهم، على أن تكون على استعداد لتحمل مسؤولياتها كاملة في تنفيذ اي قرار قد اتخذ أو اي تعهد تقدمت به ولم تفِ به بعد.
أما على مستوى ما كشف عنه برّاك من مواقف متحولة أو متبدلة خارج ما هو معروف من ثوابت اميركية، فقد رصدت هذه المراجع بعضا منها من خلال إشارته الى ما يمكن أن تقدمه واشنطن من حوافز للقوى الخارجة على سلطة حكومات وأنظمة بلدانها في أي تحول ايجابي تلجأ إليه طوعا. وفي مقدمة ما هو مطلوب منها التخلي عن أسلحتها قبل اي قرار آخر، وقد وعدتها على الاقل في حال تجاوبها بإسقاطها عن لوائح المنظمات والمجموعات الارهابية وربما تطورت الأمور الى تعليق كل أشكال العقوبات بحقها.
وتستطرد المراجع الديبلوماسية لتؤكد أنه سبق لواشنطن أن قدمت نموذجاً واضحاً باعترافها بالنظام السوري الجديد الذي أسس له الرئيس احمد الشرع بعد سيطرته على سوريا، وتعليق وانهاء بعض العقوبات بحقه ومعها العروض بملايين الدولارات لمن يرشد اليه لملاحقته حيث يكون. كما بالنسبة إلى تلك التي كانت مفروضة على نظامها السابق ووقف الملاحقات التعديلات الملموسة على المستوى الاستراتيجي خارج ثوابتها ومدى تلاقيها مع إسرائيل ومعظم دول الحلف الدولي ضد الإرهاب.
والى هذه الملاحظات لا تتجاهل المراجع عينها عند قراءتها لمواقف برّاك مسلسل التوضيحات المسائية التي لجأ إليها لتفسير ما قصده من احتمال عودة لبنان الى حضن الشام، فلفت إلى أنه قصد الحديث عن احتمال نهضة سوريا بسرعة البرق لاغتنام الفرصة التاريخية التي أتاحها رفع العقوبات من قِبل الرئيس الأميركي، فحصدت استثمارات من تركيا والخليج، وتواصل دبلوماسي مع الدول المجاورة، ورؤية واضحة للمستقبل”. ولذلك ان اهمال اللبنانيين في تسوية ملفاتهم الداخلية يعيق نهضتهم وقد يعيدهم الى ما عاشوه في الماضي تحت ايد اقليمية في اشارة الى محطات تاريخية غابرة. علما ان لبنان كما قال براك لا ينطلق في مسيرة اعادة الانماء والاعمار من الصفر بقدر ما تنطلق إعادة اعمار سوريا من تحت الصفر بكثير. وفي محاولة واضحة لطمأنة اللبنانيين والتخفيف من حجم النقزة التي تسببت بها مواقفه، اضطر الى التأكيد انه لم يقصد بحديثه عن عودة لبنان الى بلاد الشام اي تهديد للبنان، بقدر ما طلب من المسؤولين اللبنانيين بأن يتحملوا مسؤولياتهم في هذه المرحلة بالذات. مضيفا ان قادة سوريا لا يريدون سوى التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان وان الولايات المتحدة ملتزمة بدعم هذه العلاقة بين جارين متساويين وذوي سيادة ينعمان بالسلام والازدهار.
وبمعزل عن توضيحات برّاك، هناك من يعتقد من نظرائه الديبلوماسيين وبعض الخبراء العسكريين ان اي حديث عن تكليف سوريا بالملف اللبناني على غرار ما جرى في عهدي الرئيس الراحل حافظ الأسد ونجله المعزول بشار الاسد لا يعدو حلماً بعيد المنال. ذلك أن لبنان ليس لقمة سائغة ولم يعد هناك أي لبناني الى اي طائفة او مذهب انتمى أن يقبل بتكرار أي من هذه التجارب السابقة. فكيف بالنسبة الى ما يحتاجه قادة سوريا لاعادة بناء دولتهم وتوحيد قواهم ،الموزعة بين مجموعة من الدويلات السورية غير المتحدة.