اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب أحمد العبد في 'الأخبار':
لم تَعُد حقول الزيتون في الضفة الغربية، تنبض بالحياة والحركة، أو برائحة الطعام البسيط، ولا حتى بأصوات المذياع الذي يعلو حيناً وينخفض حيناً، أو بأعمدة الدخان جرّاء حرق الأشتال اليابسة، أو بأصوات المزارعين المحتدّة وهم يتناقشون في السياسة والاقتصاد. كلّ تلك الصور التي شكّلت بعض مشاهد موسم قطاف الزيتون، مُسِحت، لتحلّ محلّها صور منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، ومواجهة هؤلاء مع جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين، فضلاً عن الهجمات والاعتداءات المتلاحقة.
وخلال الساعات القليلة الماضية، تعرّضت عشرات القرى والبلدات في الضفة لهجمات مروّعة على أيدي عصابات المستوطنين، استهدفت حقول الزيتون والمزارعين، وتنوّعت بين الاعتداء المباشر على الأهالي، وحرق الأشجار، وسرقة الثمار، أو منع الفلسطينيين من الوصول إلى الأراضي الزراعية، وكذلك حرق المركبات والمنازل، إلى جانب الاعتداء على مزارعين متطوّعين أجانب.
وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يمنّون النفس بأن يشكّل موسم الزيتون رافعة اقتصادية لهم، تساعدهم في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وجدوا أنفسهم في مواجهة مفتوحة، تكبّدوا فيها خسائر فادحة، ليس فقط نتيجة صعوبة قطاف الزيتون، بل أيضاً نتيجة سرقته، وقطع الأشجار وحرقها وسرقة معداتهم الزراعية. وممّا يلاحَظ هنا أن المستوطنين باتوا يتّبعون استراتيجية جديدة في الموسم، إذ في وقت يرتفع فيه معدّل هجماتهم، يعمدون إلى الطقوس والعادات الفلسطينية وممارستها، ويلتقطون المقاطع المصوّرة وهم يقطفون الزيتون ويعدّون الطعام، في تكريس لسرقة شاملة: اقتصادية، ثقافية ووطنية.
ومنذ بدء الموسم، تعمل المؤسسات الفلسطينية وتلك الدولية على رصد اعتداءات المستوطنين وتوثيقها؛ فقد وثّق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، آلاف الاعتداءات والانتهاكات، بما يشمل إلحاق الأضرار بآلاف الأشجار، وبالفلسطينيين أنفسهم. ووفقاً للمكتب، فإن الفترة الممتدّة من تشرين الأول 2023، ولغاية الشهر الجاري، شهدت أكثر من 3100 اعتداء نفّذها مستوطنون إسرائيليون ضدّ الفلسطينيين في الضفة، وهي الأعلى منذ بدء الرصد المنهجي في عام 2006.
كذلك، لا يمكن فصل تصعيد المستوطنين عمّا يوفّره جيش الاحتلال من مساعدة لهم، إذ يتّضح على الأرض تداخل الأدوار بينهم وبين الجيش، الذي يشارك في الهجمات حيناً، ويمهّد أحياناً لشنّها، أو أنه يعرقل وصول المزارعين إلى أرضهم. لكنّ مصادر أمنية إسرائيلية زعمت بأن الجيش يستعدّ لمواجهة التصعيد خلال موسم حصاد الزيتون، غير أنه «يعاني من صعوبة في كبح عنف المستوطنين المتطرّفين».
وممّا ضاعف من محنة الفلسطينيين هذا الموسم، هو ضعف المحصول، إذ قالت وزارة الزراعة إنّ «هذا أسوأ موسم (قطاف زيتون) منذ 60 عاماً»، ولا سيما أن إنتاج الزيتون الذي يُعتبر من أهمّ صادرات الضفة الغربية، تأثّر هذه السنة أيضاً بسوء الأحوال الجوية. وأشارت تقديرات الوزارة إلى أن الإنتاج في الموسم الحالي، لا يتجاوز الـ15% من المعدّل الطبيعي، علماً أن إنتاج فلسطين من زيت الزيتون بلغ، عام 2024، نحو 27 ألفاً و300 طن، مقارنة بـ10 آلاف طن فقط عام 2023.
وهكذا، فإن الفلسطينيين الذين لن يتمكّنوا من إنتاج كميات وفيرة من زيت الزيتون لبيعها وبالتالي الاستفادة ماديّاً، سيضطرون إلى بيع ما توفّر من كميات قليلة من الزيت، بأسعار عالية (ما بين 200 و300 دولار).
ويأتي ذلك فيما تتوالى اعتداءات المستوطنين على مدار الساعة من دون توقّف؛ إذ قطع هؤلاء، صباح أمس، عشرات أشجار الزيتون في قرية المنيا جنوب بيت لحم. وفي سهل ترمسعيا شمال رام الله، هاجموا المزارعين وسرقوا المحصول، فيما سيّجوا أراضيَ زراعية في خربة الفارسية في الأغوار الشمالية، تمهيداً للاستيلاء عليها. أيضاً، قطع مستوطنون من «معالي عاموس» أشجار الزيتون المزروعة على مساحة تقارب الدونمين في منطقة القرم، تعود ملكيتها إلى عائلة محمود جبارين، الذي سبق أن تعرّض للضرب المُبرح على أيدي هؤلاء، وأصيب بكسر في يده قبل اعتقاله من قِبل قوات الاحتلال.
وفي خربة الفارسية، وسّع المستوطنون من نطاق سيطرتهم عبر تسييج مزيد من الأراضي الزراعية المُسجّلة رسميّاً، في محاولة لفرض أمر واقع جديد، فيما اعتقلت قوات الاحتلال أربعة مواطنين من بلدة كوبر شمال رام الله خلال محاولتهم الوصول إلى أراضيهم لقطاف الزيتون، وصادرت مركبات بعضهم، وأجبرت الباقين على المغادرة.
ووفقاً لـ»هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، فإن المستوطنين نفّذوا أكثر من سبعة آلاف اعتداء ضدّ الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، منذ بدء حرب الإبادة على غزة في أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 33 فلسطينيّاً، وتهجير 33 تجمّعاً بدويّاً، إلى جانب إقامة 114 بؤرة استيطانية.
ومنذ بداية الشهر الجاري، نفّذ المستوطنون، 158 هجوماً استهدفت قاطفي الزيتون؛ وبحسب ما أفاد به رئيس الهيئة، مؤيد شعبان، في بيان صدَر عنه في الـ21 من الشهر الجاري، فإن الاعتداءات تسبّبت، منذ بداية الموسم، في تخريب نحو 795 شجرة زيتون، وإن الموسم الحالي يُعدّ «الأصعب منذ عقود»، وسط اتّساع سياسة «المناطق العسكرية المُغلقة» في الأراضي الزراعية في الضفة.
وبينما تعترف وسائل إعلام إسرائيلية بأن «الهجمات خرجت عن السيطرة»، فإن الفلسطينيين يدركون أن ما يحدث ليس إلّا سياسة ممنهجة هدفها تهجيرهم وتوسيع المستوطنات؛ وأقصر طريق إلى تحقيق ذلك، هو تفكيك البنية والرابطة بين الإنسان وأرضه.











































































