اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب د. خالد العزّي في 'الجمهورية'
في قلب التوترات العالمية حول الطاقة والنفط، يتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفاً حاسماً تجاه أسواق النفط العالمية، معتبراً النفط الروسي عنصراً رئيساً في استراتيجياته الاقتصادية. هذه التوترات لا تقتصر على قضايا الحرب والنزاع، بل تتداخل مع سياسات تجارية واستراتيجية، تهدف إلى إعادة ترتيب مشهد أسواق النفط الدولية، لتوجيه منافسة غير مباشرة مع روسيا. صواريخ «توماهوك»، التي غالباً ما يرتبط استخدامها بالصراعات العسكرية، تظهر كأداة تجارية في هذه اللعبة الكبرى، إذ يُصبح النفط حجر الزاوية في منافسة غير معلنة بين القوى الكبرى.
إحجام ترامب عن توفير صواريخ «توماهوك» لزيلينسكي: دلالة اقتصادية لا عسكرية
على رغم من الضغط المتزايد من قِبل بعض حلفاء أوكرانيا، بما في ذلك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لطلب صواريخ «توماهوك» الأميركية لمهاجمة المنشآت الروسية، يظل ترامب متردّداً في تلبية هذا الطلب. لكنّ السبب لا يتعلّق فقط بالاعتبارات العسكرية أو الإنسانية، بل يرتبط أساساً بالسياسة الاقتصادية، إذ يَعتبر ترامب أنّ استهداف البنية التحتية الروسية قد يؤدّي إلى تأثيرات سلبية على أسواق النفط العالمية.
بالنسبة إليه، تظل مصافي النفط، أنابيب الغاز، والموانئ، هي الأهداف الأهم في هذا الصراع، لأنّ تعطيل هذه البنية يمكن أن يفتح المجال لمصادر أخرى من الطاقة، خصوصاً النفط الأميركي.
النفط الروسي وأولويات السياسة الاقتصادية الأميركية
قد يكون ترامب تخلّى عن بعض الطموحات العسكرية في صراع أوكرانيا، لكنّه لم يتراجع عن سعيه لاستنزاف موارد النفط الروسي في الأسواق العالمية. وتتسق تصريحاته الأخيرة مع هذه السياسة، إذ يسعى لإيجاد منافذ جديدة للنفط والغاز الأميركيَّين على حساب روسيا. وتظهر تصريحات ترامب بشكل متسلسل، بدءاً من فرض رسوم جمركية على الصين وصولاً إلى الدعوات لمقاطعة النفط الروسي.
ومع ذلك، يواجه ترامب منافسة شرسة من الدول التي تواصل شراء النفط الروسي، على رغم من التهديدات الأميركية، مثل الصين والهند، بل وتزيد من وارداتها من النفط الروسي، ممّا يوضّح مدى تعقيد الوضع في الأسواق العالمية.
الضغوط الاقتصادية: صناعة النفط الأميركي تواجه تحدّيات كبيرة
إنّ سياسة ترامب الطموحة لم تُؤتِ ثمارها كما كان يأمل. في الوقت الذي يعاني فيه إنتاج النفط الصخري الأميركي من تداعيات اقتصادية مريرة نتيجة تذبذب الأسعار، يواجه قطاع النفط في الولايات المتحدة ضغوطاً هائلة.
وعلى رغم من زيادة إنتاج النفط الصخري، فإنّ الأسعار الحالية لا تزال دون المستوى المطلوب ليتحمّل المنتِجون الأميركيّون تكاليفها. وتتراوح أسعار النفط حالياً بين 60 و65 دولاراً للبرميل، وهي أقل من نقطة التعادل بالنسبة إلى صناعة النفط الصخري الأميركية، ممّا يجعل العديد من الشركات تعمل على حافة الربحية أو حتى بخسارة.
منافسة «أوبك+» وضغوط الأسواق العالمية على النفط الأميركي
على رغم من أنّ منظمة «أوبك+» لا تشن حرباً مباشرة على النفط الأميركي، فإنّ زيادات الإنتاج التي تقوم بها المنظمة تخلق ظروفاً صعبة لشركات النفط الصخري. وتتسبَّب الأسعار التي تبقيها السعودية وروسيا عند مستوى منخفض نسبياً، في خلق أزمة بالنسبة إلى شركات النفط الأميركية التي تحتاج إلى أسعار أعلى لتظل قادرة على الإنتاج.
وفي هذا السياق، يعكس التوجّه الأميركي محاولةً يائسة لتحقيق التوازن في أسواق الطاقة، بينما تعجز الولايات المتحدة عن كبح المنافسة الروسية والسعودية في الأسواق العالمية.
التناقضات الدولية: العالم مستمر بشراء النفط الروسي رغم الضغط الأميركي
على رغم من الضغوط الأميركية الشديدة، لا يبدو أنّ الدول الكبرى ستتخلّى عن النفط الروسي. الصين، الهند، وحتى بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا، تتجاهل الدعوات الأميركية وتواصل شراء النفط الروسي، بل تزيد من وارداتها. هذه الحقيقة تفضح التناقضات في السياسة الأميركية تجاه النفط الروسي، وتظهر كيف أنّ العديد من الدول لا تستجيب بشكل فاعل للتهديدات الأميركية، بل تستمر في اتباع سياسات تتلاءم مع مصالحها الاقتصادية الخاصة.
النفط كأداة سياسية: هل تستمر أميركا في توازناتها الهشة؟
مع تصاعد التحدّيات الاقتصادية والسياسية، يبدو أنّ أميركا تتعرّض إلى ضغوط متزايدة لإيجاد حلول ناجعة لتأمين أسواق النفط في كل من أوروبا وآسيا.
إلّا أنّ استمرار الضغوط على صناعة النفط الصخري الأميركي قد يؤدّي إلى تدهور طويل الأمد في هذا القطاع الحيَوي. في حين أنّ الصين والهند تتنقل بين وعود ووَعيد واشنطن، وتواصل شراء النفط الروسي، فإنّ المسألة تبدو كحرب تجارية أكثر من كونها صراعاً عسكرياً.
هذا يضع ترامب في موقف صعب، إذ تتزايد الضغوط عليه للوفاء بتعهّداته للناخبين والمستثمرين، الذين يطمحون إلى الهيمنة الأميركية على أسواق الطاقة.
في نهاية المطاف، سيظل النفط الروسي محوراً رئيسياً في السياسة العالمية، وسيستمر التأثير الكبير لهذا المورد الحيوي في تشكيل التوجّهات الاقتصادية والعسكرية بين القوى الكبرى. لكن إذا استمرّت الضغوط الأميركية على سوق النفط العالمي بهذه الوتيرة، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة أزمات اقتصادية قد تعوق قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث الدولية.











































































