اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢٢ شباط ٢٠٢٥
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان 'جنوبية' بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.
هل يحقُ ل'حزب الله' ان يُشيِّعَ قائدَه الاول ومعه قائدَه الثاني؟… الجواب البديهي الطبيعي نعم.
وهل من حق 'حزب الله' ان ينظم جنازة أمين عامه وخليفته، تنظيما لائقا، محترما ومهيبا؟!
والجواب البديهي والطبيعي نعم أيضا.
وهل مناسبة تشييع نصرالله هي مناسبة اجتماعية انسانية فقط، ام ان لها اهدافاً سياسيةً وتعبويةً، سيستثمرها 'حزب الله' في السياسة وموازين القوى، لاستنهاض انصاره وجمهوره، بعد هزيمة عسكرية الحقتها إسرائيل به؟!…
كان السيد نصرالله الناطق الرسمي باسم كل قوى محور الممانعة، وكان 'حزب الله' الحاضنة الجامعة لكل اطرافه، والجهة الناظمة لقواه المتعددة، وبسبب ذلك اصبح 'حزب الله' لاعبا ومشكلة اقليمية لعدة دول، و أصبح السيد حسن نصرالله متعاطيا في سياسات كل دول الاقليم
الجواب ان الاستثمار السياسي في جنازات تشييع الزعماء هي عادة لبنانية قائمة، وستحدث مرة اخرى كما حدثت سابقا.
في تاريخ لبنان فقدت كلُّ جماعة كبرى سياسية او طائفية، في لحظة حسم صلابة وحدتها، وتوهم تفوقها وتصديق سراب هيمنتها، زعيما كانت تهتف له الايادي والقلوب…
منذ وداع كمال جنبلاط الذي وصف الشاعر شوقي بزيع، موكب تشييعه مخاطبا سيد المختارة واليسار ؛ فمشى في يومك الشجر…
في لحظة انطلاق ' طوفان الاقصى'، تراءى لاطراف عدة بينها 'حركة حماس' وقيادة 'حزب الله'، ان المحور الذي اعلن وحدة الساحات قد بلغ اقصى انجازاته، وانه اعد العدة لانجاز نصر حاسم في فلسطين
مضى كمال جنبلاط ضحية ونعشا، كعلامة على نهاية حقبة سياسية، تصدرت فيها قوى اليسار القومي ساحة المواجهة والغلبة السياسية، وشكلت عملية إغتياله مؤشرا، الى اتجاه نحو إحداث تغييرات بنيوية في الاجتماع السياسي اللبناني، طالت احزاب الحركة الوطنية جميعها، عقائد وافكار وبنى وموارد بشرية واقتصادية، كما طالت حزب جنبلاط ذاته، بنية وامتدادا، وعلة وجود، ودورا، وأولوياتٍ سياسية، فحزب الكمال بعد رحيله، لم يشبه الحزب بعد رحيله.
وغياب جنبلاط لم يترك فراغا سياسيا لبنانيا فقط، بل فراغ عربي وفكري واقليمي ودولي، ودورا مفتقدا لعبه كمال جنبلاط في الفضاء العربي.
في طهران كان الأمر مختلفا تماما، كانت أولويات الولي الفقيه تتجه الى مسار آخر، في مقدمها توريث سلطة السيد علي خامنئي المطلقة لابنه مجتبى
ثم جاء اغتيال الشيخ بشير الجميل بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، وقبل تسلمه مقاليد منصبه، ليشكل نهاية حقبة سياسية اخرى، تصورت فيها، الفئة المقاتلة من المارونية السياسية، انها حسمت الصراع على السلطة في لبنان لصالحها، داخل الشارع المسيحي وخارجه مع بقية الطوائف الاخرى، وانها اعادت الى الاقليات المسيحية في المشرق العربي، دورا سياسيا اقليميا وازنا، وانها في طور بناء نموذجها للحكم والغلبة والهيمنة.
لم يسقط السيد نصرالله وبعده السيد هاشم صفي الدين شهيدين، لان احدا من مكتب قيادة 'الحرس الثوري' قد وشى بهما فقط، بل سقطا يوم قَبِلاَ أن يخوضا معركة، تعففت رافعتهما الإقليميتين إيران وسورية عن خوضها
لم تمض سنة واحدة على عملية الاغتيال، حتى كانت 'القوات اللبنانية'، حاملة ارث البشير، تتلقى اصعب هزائمها في معارك متتالية، اكثرها قسوة اجتياح قرى الجبل في الشوف وعاليه…
اما رفيق الحريري، فقد تم اغتياله عشية اجتياح العراق بالجيش الاميركي والتنسيق الايراني، مما ادى الى اسقاط نظام صدام حسين، وانطلاق مشروع 'الهلال الشيعي' ليجتاح دول المشرق العربي.
إقرأ أيضا:«إكرام الميت دفنه ونصرالله قد دُفن».. علي الأمين: استغلال سياسي!
كان اغتيال الحريري محطة سياسية اخرى، ارَّخَت نهاية تفاهم استراتيجي بين المملكة السعودية ونظام الاسدين، ففيما كان الحريري يعد القوى والتحالفات لرفع الهيمنة السورية عن لبنان، كان 'حزب الله' يفتح مسارا نقل لبنان تدرجا الى أنياب الفك المفترس الايراني، كان الاغتيال تدشينا، لتصاعد الغلبة في لبنان، لصالح 'الثنائي المذهبي' (حركة أمل وحزب الله)، ولتتمكن ايران، بعد انجاز شراكتها مع اميركا في العراق، من ان تسيطر على القرار اللبناني كاملا، عبر حصولها على اغلبية نيابية، وحكومة فئوية تأتمر بتعليماتها، وان تمسك بقرار الحرب والسلم في الجبهة الجنوبية في لبنان، وتتحكم بمفاتيح القرارات الامنية والمالية والنقدية، وقد سهل هذا الامر وجعله ممكنا، إنضواء التيار العوني في حلف الأقليات، الذي امتد من طهران الى حارة حريك، والذي ضم في صفوفه قوى ما يسمى بالممانعة، في اليمن والعراق وغزة ونظام الأسد في دمشق.
بمعزل عن نظرية المؤامرة الساذجة، او اتهامات التخوين والتخلي والتجسس وغيرها، فمن الأكيد ان 'حركة حماس' و'حزب الله'، قد دفعا ثمن اعادة جدولة طهران لاولوياتها الاستراتيجية، وتبنيها لخيار التوريث لاستمرار نظامها
في لحظة انطلاق ' طوفان الاقصى'، تراءى لاطراف عدة بينها 'حركة حماس' وقيادة 'حزب الله'، ان المحور الذي اعلن وحدة الساحات قد بلغ اقصى انجازاته، وانه اعد العدة لانجاز نصر حاسم في فلسطين.
كان السيد نصرالله الناطق الرسمي باسم كل قوى محور الممانعة، وكان 'حزب الله' الحاضنة الجامعة لكل اطرافه، والجهة الناظمة لقواه المتعددة، وبسبب ذلك اصبح 'حزب الله' لاعبا ومشكلة اقليمية لعدة دول، و أصبح السيد حسن نصرالله متعاطيا في سياسات كل دول الاقليم.
في طهران كان الأمر مختلفا تماما، كانت أولويات الولي الفقيه تتجه الى مسار آخر، في مقدمها توريث سلطة السيد علي خامنئي المطلقة لابنه مجتبى، وكان هذا التوريث يقتضي مصالحة اقليمية، جرى إنجازها مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية، ويستكمل التوريث شروطه، بمصالحة اوسع مع دول الغرب عامة، وأمريكا بشكل خاص، وهو ما اعلنه الرئيس الايراني مسعود بوزشكيان بالفم الملآن، من على منبر الامم المتحدة، والمصالحة هذه هي معبر إلزامي، لرفع العقوبات الأوروبية والدولية الاميركية عن ايران، وتمكينها من بيع ثرواتها من النفط والغاز وغيرها، وإيران الجديدة هذه، التي تعد نفسها ومحيطها لتسلم قيادتها للسيد مجتبى، لا تريد حربا مع أميركا ولا اشتباكا دمويا في غزة، ولا مواجهة مهينة في دمشق، ولا معركة في لبنان، يتسع اوارها ليطال طهران ومشهد وجزيرة خرج.
وهي إيران الدولة، التي لم تعد تصر على تصدير ثورتها، ولا أن تغامر بسلامتها من اجل الحفاظ على اذرعتها.
وبمعزل عن نظرية المؤامرة الساذجة، او اتهامات التخوين والتخلي والتجسس وغيرها، فمن الأكيد ان 'حركة حماس' و'حزب الله'، قد دفعا ثمن اعادة جدولة طهران لاولوياتها الاستراتيجية، وتبنيها لخيار التوريث لاستمرار نظامها، والمصالحة مع اميركا ورفع العقوبات الاقتصادية لبيع ثرواتها، بديلا لاستراتيجية المقاومة والقتال ووحدة الساحات.
لم يسقط السيد نصرالله وبعده السيد هاشم صفي الدين شهيدين، لان احدا من مكتب قيادة 'الحرس الثوري' قد وشى بهما فقط، بل سقطا يوم قَبِلاَ أن يخوضا معركة، تعففت رافعتهما الإقليميتين إيران وسورية عن خوضها.
إقرأ أيضا: «عزيز الروح».. «عدسة جنوبية» ترصد تحضيرات تشييع «السيد»
ما يجمع الزعماء اللبنانيين الاربعة ؛ كمال جنبلاط، بشير الجميل، رفيق الحريري، وحسن نصرالله، مشتركات عديدة، شرحتها في مقالات سابقة، اثارت احتجاجات غاضبة، من انصار كل زعيم منهم، اجتمعوا يحتجون، ان زعيم كل فئة هو الامثل والافضل، ومن الظلم مقارنته مع الآخرين!!
طبعا هناك فوارق كثيرة بين كل واحد وآخر منهم، لكن ما يجمعهم من مشتركات خمسة جلي وواضح؛
إن كل واحد منهم اولا، زعيم طائفته، وثانيا، انه نجح بتوحيدها بقيادته والغى اية معارضة فيها، وثالثها، انه استعان بدولة خارجية اقليمية لتعزيز سيطرته المالية والسياسية، ورابعها، انه لعب دورا خارج لبنان وكان حجمه وتأثيره اقليمي وربما دولي، اما خامسها، فانهم جميعا قضوا اغتيالا بجرائم مفجعة، كانت مؤشرا لانقلاب في موازين القوى الاقليمية.
يوم اعتذر الرئيس الحريري عن تأليف حكومة، وجب تشكيلها بعد قرار تمديد ولاية الرئيس لحود، كتب 'ماحدا اكبر من بلده'، غالبية من سمع وردد هذا الكلام، اعتبره تعبيرا عن تواضعه وحبه لوطنه لبنان. لا اشكك بذلك، بل اضيف ان اغلب ظني ان رفيق الحريري في تلك اللحظة، ادرك عبثية قدر زعماء لبنان في المحيط العربي والإقليمي، حيث يتم اغتيال كل زعيم لبناني ينمو حجمه اكبر من وطنه، وانه اراد ان يتراجع الى داخل لبنان عَلَّهُ يضمن سلامته.
في جلسات ضيقة مع اصدقائه، شَبَّهَ الرئيس سليم الحص السياسة السورية في لبنان، ب 'قصاصة العشب' في حديقة المنزل، فشفراتها تقطع فقط من تكبر ويطول ارتفاعها من الاعشاب، اما القصيرة او المتخفية بادعاء القصر، فتبقى سليمة لا تقص ولا تطالها جزازة العشب، يستنتج الرئيس الحص، ان الحصافة في لبنان تقضي، ان لا يشرئب زعيم لبناني بطول قامته، امام اية جهة في الاقليم.
غدا ينتهي تشييع السيدين نصرالله وصفي الدين، وعلى الرغم من حجم الحشد واعداد المشاركين الكبيرة وكثافة العواطف وصخب هتافات الحناجر، يدخل لبنان الى افق جديد وتوازن آخر، لنشهد حلول اليوم التالي بعد 'حزب الله'.