اخبار لبنان
موقع كل يوم -المدن
نشر بتاريخ: ١٢ أذار ٢٠٢٤
في ربيع العام 1990، وبعد تسويفٍ رسميّ طويل، قرر 60 ناشطاً في حركة الإعاقة المطلبيّة، التخلي عن كراسيهم وبدأوا الزحف على 83 درجة حجريّة تصل إلى مبنى 'الكابيتول' الأميركيّ. وسرعان ما شكّلت التظاهرة المُسماة بـ'الزحف إلى الكابيتول'، العامل الضاغط والحاسم لإقرار قانون الأميركيين المعوّقين، وتحول معها المشهد العنيف والصادم لعشرات الزاحفين نحو حقوقهم، إلى ذكرى إنهاء التّمييز بين الأفراد المعوّقين جسديًّا وعقليًّا، وتحقيق عدالتهم الاجتماعيّة وكرامتهم الإنسانيّة، وتكريس حقّهم بالمساواة مع باقي أفراد المجتمع وضمان فرصهم في المشاركة، وضمنًا بعملية صنع القرار.
حقوق أصحاب الإعاقة في لبنان
اليوم وبعد عقود على هذه الذكرى، بإمكاننا عرض مئات المشاهد لذوي الإعاقة في لبنان، في يومياتهم أو مُحملين على الأكتاف لدى ممارسة حقّهم في الاقتراع في أي انتخابات كانت، في صورةٍ تفوق المشهد الصادم لتظاهرة 'الزحف' هذه، بجرعات مهانةٍ مضاعفة. من دون أن تُحرك هذه المشاهد في وجدان أصحاب القرار أي تعاطف أو حتّى مُحفز لإنهاء محنة هؤلاء الذين يشكلون شريحة واسعة من المجتمع اللّبنانيّ، أو تحقيق مطالبهم بالعيش بكرامة، وإشراكهم - هم المواطنون كما غيرهم -–في العملية الديمقراطيّة..
وفقًا لوزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان، كان عدد الأشخاص ذوي الإعاقة المسجلين في عام 2020 يبلغ 114 ألف شخص. يجب ملاحظة أن هذه الأرقام لا تعتمد على إحصاء شامل، بل تمثل عدد الأشخاص الذين تقدموا للحصول على البطاقة المخصصة للإعاقة، شريطة أن تكون إعاقتهم مدرجة في التصنيفات الرسميّة المعتمدة. وأرقام وزارة الشؤون تتفاوت عن تلك التّي استعرضها سابقًا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ' UNDP' الذي أشار لكون الأشخاص من ذوي الإعاقة في لبنان يمثلون ما بين 10 و15 في المئة من إجمالي السكّان، أي ما يقارب 910,000.
وعام 2022، نشر في الجريدة الرسمية قانونٌ يُجيز للحكومة إبرام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياريّ المرافق لها. هذه الاتفاقية شكلت نصًّا جديدًا يعترف بحقوق هذه الفئة الاجتماعيّة، لكنها تحولت لاحقًا إلى نصّ أُضيف إلى قانون 220/2000 بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لا يزال حتّى اللحظة معطلًا في الكثير من مواده.
حملة 'حقّي 2024'
ولمقاومة هذه المحنة والتصدي للإهمال المنهجيّ والتمييز، تسعى حركة الإعاقة المطلبيّة في لبنان، منذ سنوات نحو انتزاع هذه الحقوق المهدورة، التّي ضمنها القانون اللّبنانيّ وجاهيًّا، من دون أن يتمّ تطبيقها بالصورة اللازمة على أرض الواقع. وبالنظر لهذا الوضع، وتحديدًا لجهة عدم تجهيز مراكز الاقتراع لكي يتمكنوا من التصويت في الانتخابات البلديّة من دون معوقات، وضمن الجهود الحثيثة للدفع نحو هذا التغيير الضروري، نظم الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًّا، في فندق موفنبيك – بيروت، اليوم الثلاثاء 5 آذار الجاري، حفل إطلاق حملة إعلاميّة حول مشاركة الأشخاص المعوقين في الانتخابات البلديّة والاختياريّة، تحت عنوان 'حملة حقّي 2024'. وذلك لتعميق وعي الرأي العام بحقوق الأشخاص المعوقين السّياسيّة والانتخابيّة، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميركيّة للتنمية الدوليّة.
واُستهل الحفل بكلمة لرئيسة الاتحاد اللّبنانيّ للأشخاص المعوقين حركيًّا سيلفانا اللقيس، التّي تطرقت في كلمتها لواقع المشاركة الانتخابيّة لذوي الإعاقة في لبنان، من المشاهد المأساويّة للمقترعين المُحملين على الأكتاف بصورةٍ مُذلّة، وصولًا لإحجام آخرين عن المشاركة بسبب هذه الظروف، قائلةً: 'مجتمعاتنا تبنت فكرة لا يزال أصحاب الإعاقة يدفعون ثمنها، يجب أن تصل فكرة أساسيّة وهي أن جميع المجتمعات متنوعة واحترام هذا التنوع ليس رفاهيّةً أو عنصرًا كماليًّا، بل هو واجب قانونيّ وإنسانيّ وثقافيّ'. مستطردةً بالقول: 'نحن جزء من هذا البلد، ومطالبتنا بإشراكنا بصورة كريمة بعمليّة صنع القرار والتحقيق الفعليّ لعمليّة الإدماج هي نضال وإصلاح وتمسك حقيقيّ بهذا البلد'. مشيرةً لكون إجراء الانتخابات البلديّة والاختياريّة اليوم هو حاجة ملّحة وخصوصًا في الوضع الأمنيّ والسّياسيّ المتأزم حاليًّا. 'ومنذ سنة 2005 يطالب الاتحاد الدولة اللّبنانيّة بالقيام بواجبها بتجهيز مراكز الانتخابات للمشاركة بالعمليّة الديمقراطية بكرامة واستقلالية سواء بالترشح أو الاقتراع أو العمل كرؤساء أقلام، لكن حتى اللحظة لم نحصل سوى على وعود من كل الحكومات التي مرّت منذ حينها على لبنان'، ختمت اللقيس.
عملية الدمج واحترام التنوع
تبعها كلمة لكل من مدير مشروع دعم الانتخابات اللّبنانيّة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دان رادولسكو، ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبيّ في لبنان مارتن سكليف، اللذين أكدا على دعم الجهتين الدوليتين للحملة وإصرارهما على حقيقة أن عمليّة الإدماج واحترام التّنوع تستلزم جهودًا رسميّة وحكوميّة وشعبيّة مشتركة، بدعمٍ من المجتمع الدوليّ. وألقى بعدهما وزير الإعلام زياد مكاري، كلمته الافتتتاحيّة، مشيدًا بالجهود المطلبيّة، والمساهمة الأمميّة، منددًا بتوظيف حقوق اصحاب الإعاقة في سبيل الدعاية الانتخابيّة واستذكارهم وحسب في هذه المناسبة. ومصرحًا أن الإرادة المطلبيّة نجحت في تكريس مكانتها حتّى في الإعلام، إذ أعلن أن تلفزيون لبنان في صدّد إضافة لغة الإشارة إلى برامجه، وكذلك إعداد برنامج تُقدمه سيدة مكفوفة.
بعد ذلك عرضت منتجات الحملة الإعلامية 'حقي 2024'، بما تضمنته من بوسترات وإدراجات مخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع (فيديو) توعويّة حول الحقوق السّياسيّة للأشخاص المعوقين عُنون 'من الأرضي بيطلع صوتي'، وتسهيل عملية مشاركتهم في الانتخابات العامة. عبر عدّة خطوات، كالتّالي: 'توفير موقف مخصص للأشخاص ذوي الاحتياجات الاضافية داخل حرم المركز الانتخابي أو قريب من مدخل مركز الاقتراع، تأمين القدرة على الدخول وعبور الممرات داخل المبنى وضمن الطوابق، وضع قلم الاقتراع في الطابق الأرضي أو على الأقل في خيمة في حرم المدرسة، توفير منحدرات مناسبة بحال وجود عوائق، توفير مصعد، توفير مرافق صحية مجهزة، وتأمين امكانية الدخول والتحرك داخل قلم الاقتراع، على أن يكون مرافق المُقترع من يدخل معه لا رئيس القلم أو المندوبين'.
وخصص القسم الثاني من النشاط لجلسة حوارية حول الانتخابات البلدية الدامجة، أدارها المهندس المختص بالتصميم الهندسي الدامج بشار عبد الصمد، وشاركت فيها المديرة العامة للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية والبلديات فاتن أبو الحسن، والمديرة التنفيذية للجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات ديانا البابا، والمديرة التنفيذية لمؤسسة مهارات رولا ميخائيل، والمديرة التنفيذية للاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا حنين الشمالي.
