اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٢ نيسان ٢٠٢٥
كورنيش المزرعة
إنه العرض العسكري 'لجبهة الرفض' بقيادة الدكتور جورج حبش المنافس لزعامة ياسر عرفات، ومع نهاية هذا العرض الكبير في جادّة كورنيش المزرعة اطمئنّ 'اليسار الفلسطيني' إلى قدراته في التصدّي 'لليمين' وإجبار حركة 'فتح' على التزام حدودها.
لكن ما حصل 'لبوسطة عين الرمانة' عكّر صفو حالة النشوة، حيث جاء التحدّي من 'اليمين اللبناني' هذه المرّة، على أنّه تحدٍ لفلسطين وثورتها التي رفعت شعار تحرير كامل التراب الوطني وتدمير دولة إسرائيل!
هكذا قرأتُ المشهد وقتذاك، بأنّنا نواجه مؤامرة تصفية الثورة والقضيّة معاً.
في ذاك المساء، وبارتجال وعصبيّة خرجت مجموعة عسكريّة لتأديب الفاعلين في عين الرمانة على أنّه عمل سهل وينتهي، لكنّ ثلاثة منهم لم يعودوا أبداً، والعمل السهل هذا اخترق نصف قرن... ولم ينتهِ بعد.
معركة الجبل
تدحرجت قوات الثورة من أعالي جبل صنين إلى بيروت، عندما أيقن ياسر عرفات، أنّه غير قادر على توظيف الخلافات بين السادات والأسد لانتزاع قرار عربيّ يمنع التدخل السوري في لبنان.
ومع إعلان السادات مبادرته السلميّة، تحوّلت 'جبهة الرفض' وصارت تُسمّى 'جبهة الصمود والتصدّي' على إيقاع تقارب سوري - عراقي في مواجهة الخيار السلمي للقاهرة. واستمرّ القتال مع إسرائيل على مساحة الجنوب اللبناني حتى ركبنا البواخر اليونانية وخرجنا من بيروت بحماية الأسطول الأميركي ونحن نرفع أصابع النصر!
لكنّ القصة ليست في هذا المشهد، بل في ما كشفه الأرشيف الأميركي عن اتفاق 'الأسد - ميرفي' الذي سمح بدايةً للجيش السوري بالانتشار حتى خط الهدنة الإسرائيلي- اللبناني، بهدف إنهاء الوجود المسلّح الفلسطيني، إلّا أنّ طلباً إسرائيلياً عاجلاً قضى بتعديل خط الانتشار السوري ونقله إلى مجرى نهر الأولي شمال صيدا، هذا التعديل غيّر مجرى الأحداث في لبنان، بناءً على رغبة إسرائيلية لاستمرار الاشتباك مع قوات منظمة التحرير في الجنوب، بهدف اختبار صدق نوايا الرئيس المصري بالسلام.
هكذا صار وجودنا 'الثوري المسلّح' في لبنان من نيسان 1976 حتى خروجنا من بيروت 1982 حاجةً سياسيةً – عسكريةً لإسرائيل. أليس هذا استثماراً إسرائيلياً بالفلسطيني واللبناني معاً؟
لا أعرف إذا كانت هذه الواقعة - الحقيقة - لها وزن في إعادة قراءة المشهد، وتستدعي مراجعة مواقفنا وسياساتنا، بينما يرى البعض أنّ هذه الحقيقة لا تستحق الذكر.
انتفاضة الحجارة
لم تتوقف الحرب على المخيّمات إلّا مع انتفاضة الحجارة، حيث تموضع الشعب الفلسطيني خلف حقه في تقرير مصيره واتّحدت فئات المجتمع في الضفة الغربية وقطاع غزة لتصنع مستقبلها بيدها. وعرفت طريق هزيمة الاحتلال، عبر تحييد قوته العسكرية والأمنية، عندما اعتمدت استراتيجية النضال السلمي. على هذا تأسّس مسار السلام الفلسطيني عندما تموضعت فلسطين خلف شعبها فقط.
وهكذا لم يعُد للفلسطينيّين في الشتات وخصوصاً في لبنان أي مشروع للمقاومة المسلّحة من خارج أرضهم. هذا ما عبّر عنه 'اتفاق أوسلو' ولهذا جرت مراجعات لتجربتنا في الكفاح المسلّح.
لذا قدّمت القيادة الفلسطينية اعتذارها للشعب اللبناني وعائلاته الروحية وأحزابه وهو اعتذار غير مشروط كما نصّ عليه 'إعلان فلسطين في لبنان' الذي جاء فيه 'نعلن التزامنا الكامل - بلا تحفُّظ - سيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية... ومن دون أي تدخّل في شؤونه الداخليّة'. كما نعلن 'أنّ السلاح الفلسطيني في لبنان، ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرّفه وترعاه السلطات الشرعية'.
كما قدّمت القيادة الفلسطينية وثيقتها الثقافية - الإنسانية لرؤساء الكنائس يوم 28 نيسان 2008 تحت عنوان 'كلمة شرف وعهد وفاء' إلى إخوتنا المسيحيين التي جاء فيها 'إننا كفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، نعتبر أنفسنا في فلسطين وإياكم في لبنان جزءاً أصيلاً من أكثرية عربية... نقوم بدور ريادي في نهضة عامة لنشر رسالة السلام والترقي والانفتاح، ونعاهدكم على مقاومة أي محاولة لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على حساب هذا الوطن والعمل على شفاء النفوس وتنقية الذاكرة وتعزيز روح المصالحة'.
الطوفان والتسونامي
بلغ التسونامي الأميركي- الإسرائيلي أشُدّه، حيث تستمرّ عمليات الإبادة الجماعيّة والتهجير القسري من دون رادِع في فلسطين بعد أن شهِدَ لبنان العجب أثناء تدمير القوة القتاليّة لـ 'حزب اللّه'. والآن، نشهد ما يماثل هذا الأمر في اليمن البعيد.
هكذا حقّقت واشنطن وتابعتها إسرائيل ما لم يحلموا بإنجازه قبل طوفان 'حماس' الذي لم يَصِل الأقصى أبداً.
وبفضل الذهاب إلى أقاصي العنف المسلّح، صار الفلسطيني يطلب النجاة من الموت ورغيف الخبز وشربة الماء ليس إلّا. وأصبح الجهد السياسي العربي، يطلب من واشنطن وقف إطلاق النار أوّلاً، بينما قادة 'حماس' لا يكترثون بالدم المسفوك، بل يتنازعون المواقف بين مؤيّد لتركيا يجنح للتسوية وآخر ما زال مُصرّاً على تنفيذ أجندة إيران.
هكذا انتقل أصحاب الشعارات 'الممانعة' من تدمير دولة إسرائيل إلى البحث عن ملاذٍ آمِنٍ في فندقٍ بعيدٍ بينما الناس في فلسطين يموتون من غير حساب وبلا طائل.
لذا، أرى أنّ المُصالحة مع الذات أوّلاً هي المخرج من هذا التطرّف الذي اسمه 'الطوفان أو التسونامي' وما ينطبق على فلسطين ينطبق على لبنان في ذكرى 13 نيسان.
(*) مدير مركز تطوير للدراسات