اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٣٠ أيار ٢٠٢٥
تتبدّل العلاقة بين 'حزب الله' وبيئته الحاضنة بوتيرة متسارعة. التململ يتصاعد، والهوة تتّسع بين الخطاب والممارسة، ليس فقط تحت ضغط العوامل الخارجية، بل بفعل تحولات داخلية تعكس تآكلاً متزايداً في الثوابت التي شكّلت لسنوات مرتكزاً لشرعنة خيارات 'الحزب'.
منذ وقف إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية، لم يتحسن وضع الناس في حياتهم اليومية، ولا يبدو أي أفق يخفف من مخاوف حرب جديدة، في وقت تستمر الانتهاكات الإسرائيلية والتهديدات القائمة. تراجع شعار 'النصر الاستراتيجي' أمام هذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المأزوم.
مصادر جنوبية مطلعة تؤكد لـ 'نداء الوطن' تنامي الإحباط في صفوف شرائح واسعة من جمهور 'الحزب'. هؤلاء الذين منحوه الولاء والشرعية، لم يجنوا سوى مزيد من التضحيات وخسائر في الممتلكات والاستقرار، بدل أن يحصدوا أماناً أو تنمية.
انفصال بين الخطاب والواقع
يتزايد خروج الصوت الناقد من الهامش ليصبح أكثر وضوحاً وتأثيراً داخل البيئة الشيعية، وفق المصادر الجنوبية . هذا التحول يعكس تعباً معيشياً واهتزازاً في القيم والمنظومة السياسية التي رسخها 'الحزب' في قاعدته الشعبية. فالشعارات المتعلقة بالمقاومة لم تعد تكفي لإسكات الأسئلة اليومية أو تهدئة القلق المتزايد جراء غياب أي أفق واضح لإعادة إعمار بلدات الجنوب ومنازل الضاحية الجنوبية المدمرة.
غياب المراجعة الذاتية لدى 'الحزب' وسعيه المستمر لإنكار مسؤوليته عن الحرب الأخيرة والأزمات المتراكمة، أدت جميعها إلى شرخ واضح بين القيادة والقاعدة. اليوم، لا يُقاس التحدي بعدد الصواريخ التي يمتلكها 'الحزب'، بل بقدرته على مصارحة الناس، الاستماع إلى همومهم، وتنفيذ وعوده، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة الإعمار، وهي عناصر غائبة تماماً.
اختراقات أمنية تهز الثقة
مصادر مقربة من 'حزب الله' تشير إلى أن تداول تقارير عن اختراقات أمنية خطيرة داخل 'الحزب' وتوقيف عملاء داخله، شكّلا صدمة لجمهوره وأثّرا على صورته الأمنية التي طالما اعتُبرت من أعمدته الأساسية. الهزات بدأت بفضيحة تفجير أجهزة 'البيجر' الخاصة بالعناصر الأمنية والعسكرية، وبلغت ذروتها مع استهداف أمينَين عامّين سابقَين وقادة بارزين، وصولاً إلى وحدات أساسية مثل القوة الصاروخية والبحرية ووحدة 'الرضوان'.
تمثّل هذه التطورات ضربة قاصمة لصورة 'الحزب' كجهاز أمني عصيّ على الاختراق، وأحدثت شرخاً عميقاً في الثقة والهيبة التي كانت الركيزة الأساسية لشرعيته داخل بيئته. كما قال أحد المطلعين: 'إذا كان 'الحزب' عاجزاً عن حماية نفسه، فكيف يحمي لبنان؟'.
قراءة دبلوماسية للواقع
قال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى في حديث خاص لـ 'نداء الوطن' إن نتائج انتخابات مجالس البلديات الأخيرة في محافظتي الجنوب والنبطية تعكس وضعاً مقلقاً على صعيد الديمقراطية المحلية. وأوضح أن 'حزب الله' وحركة 'أمل' تمكّنا من فرض التزكية على أكثر من 40 % من البلديات، وسط استمرار ممارسات الضغوط والترهيب ضد اللوائح المنافسة والمستقلة .
وأشار الدبلوماسي إلى أن هذه الانتخابات كانت أشبه بـ 'استعراض قوة' أكثر منها تعبيراً حقيقياً عن الديمقراطية، ما يكشف التناقض بين شعارات 'الحزب' حول السيادة والردع، وبين الممارسات التي تحد من حرية التعبير.
كما لفت إلى تساؤلات مستمرة حول فعالية صناديق الدعم العربية والغربية، والمساعدات الأميركية الموجهة لإعادة الإعمار، خصوصاً في ظل هيمنة 'حزب الله' على البلديات، الأمر الذي يثير الشكوك حول إمكانية التعاون الحقيقي مع هذه الجهات في المستقبل.
وحول طبيعة 'حزب الله'، أشار الدبلوماسي إلى أنه تنظيم عقائدي مرتبط بإيران ويتبع ولاية الفقيه، ضمن مشروع طهران الذي يتعدى حدود لبنان. بالمقابل، وصف حركة 'أمل' بأنها 'تنظيم شيعي لبناني محلي الهوية، يركز على النهج الوطني والعمل البرلماني، ما يميزها عن 'حزب الله' كامتداد إيراني داخل لبنان' .
وختم الدبلوماسي بالتأكيد على 'ضرورة أن تعمل حركة 'أمل' على فك ارتباطها بـ 'حزب الله'، لتتمكن من استعادة مكانتها وتعزيز دورها المستقل في المشهد السياسي اللبناني' .
تحدّ داخلي يتطلب مراجعة
في المحصلة، يكمن التحدي الأبرز الذي يواجه 'حزب الله' اليوم في الداخل اللبناني، حيث بات تآكل شرعيته الشعبية أمراً لا يمكن تجاهله. إن المراجعة الصادقة والشجاعة ليست ترفاً بل ضرورة ملحة لإعادة الاعتبار إلى الشراكة الوطنية وخيار الدولة، من خلال الالتزام الجاد بالقرار 1701، وحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وفك ارتباطه بمشروع إيران .
وإلى أن تتحقق هذه المراجعة، سيظل 'حزب الله' في مأزق داخلي يهدد مستقبل دوره الوطني.