اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٢٧ أب ٢٠٢٥
حصة المطيري وعلي الخالدي -
كل وجبة تُطلب عبر التطبيق تحمل في طيّاتها عبئًا إضافيًا، فالتطبيق يستقطع ما يفوق ربع قيمة الفاتورة، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت تطبيقات التوصيل لاعبًا أساسيًا في سوق الطعام بالكويت، لكنها لم تعد مجرد وسيط يربط الزبون بالمطعم، بل تحولت إلى كلفة إضافية تثقل كاهل الاثنين معًا، فكل فاتورة يطلبها المستهلك تمر أولًا عبر منصة تقتطع عمولة مرتفعة، لتجد المطاعم نفسها أمام هوامش ربح متآكلة، فيما يواجه الزبائن أسعارًا أعلى تُبرَّر بعبارة: «التطبيق يأخذ حصته».
يشهد سوق توصيل الطعام في الكويت تحولًا لافتًا مدفوعًا بالرقمنة، حيث تكشف بيانات حديثة، أن عدد الطلبات عبر الإنترنت تجاوز 2.6 مليون طلب شهريًا بنهاية 2024، في وقت يتجه فيه أكثر من 72% من المستهلكين إلى تطبيقات الهواتف الذكية كخيارهم المفضل، مع بلوغ ذروة الاستخدام بين السابعة والتاسعة مساءً.
وفي السياق ذاته، صعدت المطابخ السحابية لتكون أحد أبرز انعكاسات هذا التحول، بعدما ارتفع عددها إلى 120 مطبخًا في 2024 مقارنة بـ77 مطبخًا في 2022، وهو ما يؤشر إلى تبدل استراتيجي في هيكل السوق باتجاه نماذج أكثر مرونة وسرعة في تلبية الطلب.
إلا أن ذلك ساهم بشكل مباشر في تقليص أرباح المطاعم، التي وجدت نفسها أمام معادلة صعبة: كلفة تشغيل مرتفعة من جهة، وعمولات تقتطعها التطبيقات من جهة أخرى، ما دفع العديد منها إلى رفع الأسعار لتعويض الخسائر، أو تقليص حجم الوجبات للحفاظ على التوازن.
ومع محدودية البدائل وضعف التشريعات المنظمة، باتت المنصات الرقمية تفرض شروطها شبه الاحتكارية، لتنعكس تبعاتها في نهاية المطاف على المستهلك عبر فواتير أعلى وجودة خدمة متراجعة.
هيمنة تطبيقات التوصيل
مع هذه التحولات السريعة في أنماط الحياة بالكويت، برزت تطبيقات التوصيل كواجهة أساسية لقطاع الطعام، لتعيد تشكيل المشهد الاستهلاكي بالكامل، فبحلول نهاية 2024، أصبحت هذه التطبيقات مسؤولة عن أكثر من 62% من إيرادات خدمات الطعام، في وقت تجاوز فيه عدد المطاعم السريعة 1250 مطعمًا مسجلة نموًا في أعداد الزوار بنسبة 14% مقارنة بالعام السابق.
ويكشف المشهد أن الاستخدام الأكبر لتلك التطبيقات يتركز لدى الأسر ذات الدخل المزدوج والشباب بين 20 و35 عامًا، إذ يمثلون نحو 55% من إجمالي الطلبات، ما يعكس ارتباط الخدمة بالشرائح الأكثر انشغالًا بالحياة العملية.
كما أسهم توسع الخيارات على رفوف السوبرماركت، بإضافة أكثر من 950 منتجًا سريع التحضير في 2024، في تغذية الاعتماد على التطبيقات التي أصبحت القناة المفضلة للحصول على الوجبات الجاهزة، لترسخ التطبيقات موقعها كحلقة وصل مركزية بين المستهلك والمطعم.
استقطاع يرفع الأسعار
العمولة التي تفرضها تطبيقات التوصيل على المطاعم تمثل اليوم أحد أبرز أشكال الاستغلال المقنّن في السوق، ففي الكويت –كما في كثير من الدول– تستقطع هذه التطبيقات ما بين 25% و30% من إجمالي الفاتورة، وهي نسبة مرتفعة بالمقاييس العالمية، حيث تتراوح في أسواق أخرى ما بين 10% و15% فقط.
هذا النموذج يضع المطاعم أمام واقع صعب، فهامش الربح المحدود أصلًا يتعرض للتآكل مع كل طلب يمر عبر التطبيق، ما يدفع كثيرًا من المطاعم إما إلى رفع أسعار الوجبات أو تقليص حجمها لتعويض جزء من الخسائر، وفي كلتا الحالتين، يكون المستهلك الطرف الذي يتحمل الكلفة النهائية من خلال فواتير أعلى وخيارات أقل جودة.
الأزمة لا تتوقف عند حدود النسب المرتفعة، بل تمتد إلى آلية عمل السوق نفسها، فالتطبيقات، رغم تحكمها الكامل في عملية التوصيل، غالبًا ما تُحمّل المطاعم مسؤولية أي تأخير أو خلل في الطلب، ما يفاقم الضغوط التشغيلية عليها.
ومع محدودية البدائل وضعف المنافسة الفعلية، تجد المطاعم نفسها مضطرة للرضوخ لشروط المنصات، التي باتت تفرض واقعًا شبه احتكاري على قطاع حيوي يرتبط مباشرة بحياة المستهلك اليومية.
اقتصاد التوصيل
بلغ حجم سوق توصيل الطعام عبر الإنترنت في الكويت نحو 880 مليون دولار خلال عام 2024، مع توقعات بأن ينمو إلى ما يقارب 1.434 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 6.3%، وفق تقرير صادر عن مؤسسة GMI Research.
وأشار التقرير إلى أن السوق المحلي يشهد توسعًا ملحوظًا مدفوعًا بانتشار المطابخ السحابية، وزيادة الاعتماد على التجارة الإلكترونية، إلى جانب ارتفاع مستويات الدخل وسلوكيات العمل عن بُعد، ما ساهم في تعزيز الطلب على خدمات التوصيل الرقمية.
كما أوضح أن الهواتف الذكية وتطبيقات الطلب عبر الإنترنت أصبحت القناة الأكثر استخدامًا بين المستهلكين، في ظل تسارع التحول الرقمي الذي تتبناه الدولة ضمن رؤية الكويت 2030، والرامي إلى تطوير الخدمات اللوجستية ودعم نماذج الأعمال الحديثة في قطاع الأغذية.
8 خطوات لإعادة التوازن لرسوم التطبيقات
في ظل تصاعد شكاوى المطاعم من العمولات المرتفعة التي تفرضها منصات التوصيل، تبرز مجموعة من الحلول والإجراءات التي يمكن أن تسهم في إعادة التوازن للسوق وحماية كل من المستثمر والمستهلك، وذلك عبر تشريعات أكثر صرامة ومبادرات عملية من جانب المطاعم والمستخدمين أنفسهم:
1 - تحديد سقف للعمولات:
-فرض نسبة قصوى (مثل 10–15%) أسوة ببعض الدول، لمنع تجاوز الشركات نسبًا مرتفعة تصل إلى 30%.
2 - تنظيم العقود:
- وضع بنود واضحة تلزم المنصات بالشفافية في الرسوم والعمولات الإضافية، ومنعها من فرض تكاليف تحت مسميات مختلفة.
3 - تشجيع المنافسة:
- فتح المجال أمام دخول منصات جديدة أو دعم منصات محلية لتقليل شبه الاحتكار.
4 - حماية المستهلك:
- إلزام التطبيقات بإظهار تفاصيل الفاتورة بوضوح (سعر الوجبة – رسوم التوصيل – العمولة) لزيادة الوعي والضغط على الشركات.
5 - المنصات البديلة:
-التعاون بين مجموعة مطاعم لإنشاء تطبيقات أو خدمات توصيل جماعية تقلل من الاعتماد على المنصات الكبرى.
6 - خدمة التوصيل المباشر:
- تطوير فرق توصيل خاصة بالمطاعم أو الاعتماد على شركات محلية صغيرة برسوم أقل.
7 - التفاوض الجماعي:
- اتحاد أصحاب المطاعم للضغط على المنصات الكبرى لتخفيض العمولات أو تحسين الشروط.
8 - تنويع القنوات:
- الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمطاعم لتقليل الاعتماد على التطبيقات.
«التجارة» تدرس وضع سقف لرسوم توصيل المطاعم للحد من استغلال التطبيقات وارتفاع الأسعار
كشفت مصادر مطلعة لـ القبس أن وزارة التجارة والصناعة تدرس تعديل قرار تنظيم خدمات توصيل المطاعم، بهدف حماية المستهلكين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من الممارسات التي تنتهجها بعض المنصات، والتي ترفع الأسعار وتستنزف أرباح المطاعم عبر فرض عمولات ورسوم متنوعة.
وأوضحت المصادر أن التعديلات ستقتصر على نشاط المطاعم، وتشمل وضع سقف لرسوم التوصيل وتحديد نسبة ثابتة من قيمة الطلب، مع إغلاق الثغرات التي تستغلها بعض التطبيقات لجباية مبالغ إضافية، ما يساهم في تضخم أسعار الوجبات.
وبيّنت أن قرار الرسوم الحالي (250 فلسًا داخل المنطقة و500 فلس خارجها) لا يزال سارياً، وأن تجاوزه يعرّض المنصة أو المطعم للمخالفة، شرط تقدّم المستهلك بشكوى رسمية. كما أشارت إلى أن بعض التطبيقات تفرض رسومًا إضافية تحت مسميات مختلفة للتحايل على القرار، ما يجعل تعديل اللوائح ضرورة لضبط السوق وضمان الشفافية.
شراكة تستنزف المطاعم
أوضحت مصادر عاملة في القطاع أن بعض منصات التوصيل باتت أشبه بشريك «إجباري» في مئات المطاعم بالكويت، من دون أن تضخ أي استثمار مالي أو تتحمل دينارًا واحدًا من التكاليف. فهذه الشراكة لا تقوم على الأرباح الصافية كما هو متعارف عليه، بل على الإيرادات المباشرة، إذ تحصل المنصات على نسبتها فورًا من قيمة كل فاتورة، بغض النظر عن وضع ميزانية المطعم وما إذا كان يحقق أرباحًا أو يتكبد خسائر.
وبذلك، تضمن المنصات دخلها بشكل ثابت، بينما يُترك صاحب المطعم وحيدًا لمواجهة التكاليف اليومية والديون المحتملة، حتى إذا اضطر في النهاية إلى الخروج من السوق.
مصادر قانونية: تجريم الممارسات الاحتكارية
ذكرت مصادر قانونية أن التشريعات الكويتية تجرّم أي محاولات لرفع الأسعار بشكل مصطنع أو اتباع ممارسات احتكارية تؤدي إلى ذلك، موضحاً أن الأمر لا يقتصر على القوانين والقرارات الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة فحسب، بل يشمل أيضًا قانون حماية المنافسة، الذي يحظر على الشركات والأفراد الانخراط في ممارسات تحد من التنافسية أو تضر بالمستهلك. وبحسب القانون، فإن أبرز هذه الممارسات تتمثل في:
1 - الاتفاقيات أو العقود الاحتكارية: مثل التفاهمات الرامية إلى تثبيت الأسعار، تقسيم الأسواق، أو الحد من الإنتاج والتوزيع بما يعوق المنافسة.
2 - إساءة استغلال الوضع المهيمن: ويُقصد به منع الشركات ذات الحصة السوقية الكبيرة من فرض شروط مجحفة، أو رفع الأسعار من دون مبرر، أو عرقلة دخول منافسين جدد إلى السوق.