اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
تُعد القمة العربية الرابعة والثلاثون في بغداد مناسبة مفصلية لاستعراض التحديات الكبرى التي تواجه العالم العربي، وقد بدا واضحًا أن القضية الفلسطينية احتلت الصدارة في مداخلات معظم القادة والمتحدثين، مما يعكس تحوّلاً في سلم الأولويات الإقليمية، وسط أوضاع إنسانية وأمنية غير مسبوقة في غزة والضفة الغربية.
جميع الخطابات، من دون استثناء تقريبًا، قدّمت فلسطين كقضية مركزية و'جرح نازف' في الجسد العربي، لكن تفاوتت مستويات التركيز بين الدول. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان من أبرز المتحدثين الذين شددوا على خطورة المرحلة، مؤكدًا أن ما يجري هو تدمير ممنهج وتهجير مرفوض تمامًا، وطالب بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عزز هذا الخطاب بدعم مالي مباشر لإعمار غزة، و18 مبادرة عربية مشتركة، في خطوة تعكس سعي العراق لقيادة جديدة على المستوى العربي.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذهب أبعد من ذلك بوصف ما يحدث بأنه 'إبادة جماعية'، وقدم رؤية سياسية تدعو لتسليم السلاح للسلطة ووقف الانقسام الداخلي، في إشارة واضحة لحركة حماس، ما يعكس توتراً داخلياً فلسطينياً يتم نقله الآن إلى الساحة العربية.
الملف السوري عاد بقوة للواجهة بعد رفع العقوبات الأميركية، حيث شهدت القمة مواقف داعمة من عدة دول لعودة سوريا إلى البيت العربي، بل إن المغرب أعلن إعادة فتح سفارته في دمشق، وهو مؤشر رمزي مهم على عودة العلاقات العربية-السورية. وزير الخارجية السوري حرص على تقديم صورة جديدة لسوريا ما بعد الحرب، مفتوحة على الجميع، بينما أكد السوداني دعم بلاده لوحدة سوريا ورفض التدخلات الخارجية.
السودان بدوره لم يُنسَ، إذ شكلت أزمته مادة حاضرة في مداخلات الجامعة العربية والأمم المتحدة وعدة دول، وسط قلق من المجاعة والتهجير الجماعي، واعتراف بأن الوضع هناك ينذر بتفكك محتمل ما لم تتحرك الأطراف سريعًا. أما ليبيا، فقد حذّر أبو الغيط من خطر فقدان الدولة نفسها في ظل الانقسام، ما يعكس تراجع أولويات بعض الملفات السياسية لحساب الأزمات الأمنية والإنسانية الأكثر إلحاحًا.
النبرة الدولية في القمة – ممثلة بالأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الوزراء الإسباني – أعطت البُعد الإقليمي ثقلاً دولياً، حيث جاء الموقف الأممي أكثر صراحة في رفض التهجير القسري والاستيطان، والدعوة لحصر السلاح بيد الجيش اللبناني، في حين ركّزت إسبانيا على ضرورة تحرك عاجل في غزة، وتحضير مشروع قرار في الجمعية العامة.
ما يلفت في هذه القمة هو التحول في مقاربة بعض القضايا التقليدية: من شعارات تضامن عابرة إلى مبادرات ملموسة، وتقديم الدعم المالي والسياسي، والاعتراف بضرورة المصارحة حول الأزمات الداخلية العربية. لكن رغم ذلك، لا تزال هناك هوة واسعة بين الخطابات والواقع السياسي، ما يتطلب إرادة جماعية حقيقية تتجاوز الكلمات.
القضية الفلسطينية كانت الأهم، تلتها سوريا كقضية إقليمية عائدة للواجهة، ثم السودان كمأساة إنسانية ملحّة، فليبيا ولبنان كأزمات مستمرة. أما الجانب الاقتصادي، فلم يبرز بوضوح، مما يعكس هيمنة الطابع السياسي والإنساني للقمة، تحت عنوان: 'العالم العربي يواجه اختبار البقاء'.