اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٧ أب ٢٠٢٥
باراك من قصر بعبدا..خطاب استعماري صريح وازدراء لشعب بأكمله!اين اتحاد الصحفيين العرب ؟!
كتب محرر الشؤون العربية - في سابقة تكشف منطق الاستعلاء الاستعماري، ولغة الوصاية التي لم تغادر العقلية الأمريكية منذ عقود، وجّه توم باراك، المبعوث الأمريكي إلى لبنان، صفعة مهينة للصحافة اللبنانية خلال مؤتمر صحفي في قصر بعبدا الرئاسي، وهو أرفع منبر لبناني رسمي، قائلاً للصحافيين: 'انتظروا لحظة، اصمتوا جميعاً، أريد أن أقول لكم شيئاً، في اللحظة التي تصبح فيها الأوضاع فوضوية وسلوككم حيواني، سنغادر.. فإذا أردتم معرفة ما يحدث، تصرّفوا بشكل حضاري!'.
هذه الكلمات التي حملت لغة فوقية متعالية، واهانة قبيحة وصريحة، أسقطت عن الدبلوماسية الأمريكية قناعها المزيّف، لتكشف جوهرها الاستعماري الذي يرى في الآخرين مجرد توابع وعبيد للقرار الأمريكي، حتى على أرضهم، وحتى وهم في حضرة أعلى مؤسسة دستورية في بلادهم!
ولأن الوقاحة لا تعرف حدوداً، اختار المبعوث الأمريكي مهاجمة الصحافة اللبنانية من قلب بعبدا، فيما كان الأجدر به أن يوجه خطابه 'الحضاري' المزعوم إلى كيان الإجرام الصهيوني الذي أبيد على يديه مئات الصحفيين في غزة، بدم بارد وصور توثق الفظائع، كما كان عليه - إن كان يجرؤ - انتقاد 'السلوك الحيواني' لجيش يقطع رؤوس الصحفيين تحت وابل القصف؟! وهل يعد الاجرام الصهيوني في نظر الدبلوماسية الامريكية المتحضرة، تصرفاً بشرياً حضارياً أم وحشية تعجز عنها الضواري؟! لكن النفاق الأمريكي تجلى علي يد باراك بأبشع صوره: قسوة على الضحايا، وصمت مطبق على الجلاد!ماذا عن سلوك بلاده الحيواني الذي ينام على ذات الفراش مع اسرائيل ، ويدعم بالمال والسلاح والدبلوماسية والاستخبارات الابادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة ؟ ماذا عن ملاحقة الصحفيين والنشطاء وطلبة الجامعات المؤيدين لحق الفلسطينيين في البقاء والدفاع عن انفسهم في الولايات المتحدة ؟!كيف يمكن ان نصف هذا السلوك بغير القمعي المستبد المتسلط والحيواني ؟!!
تصريحات باراك، فجّرت غضباً عارماً في الأوساط الإعلامية اللبنانية والعربية، فقد أصدرت نقابة محرري الصحافة بياناً اعتبرت فيه ما جرى 'إهانة صريحة ومستفزة' وطالبت باعتذار علني، ملوّحة بمقاطعة الموفد الأمريكي إذا لم يُصحّح الموقف فوراً، فيما ذهب اتحاد الصحفيين والصحافيات في لبنان أبعد، مطالباً السفارة الأمريكية في بيروت باتخاذ موقف واضح من هذا التصرف غير المقبول، وداعياً وسائل الإعلام إلى مقاطعة أنشطة باراك حتى تقديم اعتذار رسمي.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تحوّل اسم باراك إلى عنوان للغضب، ووصفه إعلاميون ومواطنون لبنانيون اليوم بأنه يجسّد 'انحطاط الدبلوماسية الأمريكية'، مؤكدين أن كلماته كشفت الوجه الحقيقي لسياسة واشنطن في المنطقة، القائمة على التهديد والازدراء والتعامل مع الشعوب كأدوات تنفيذية لإرادتها.
وفيما اكتفى بيان الحكومة اللبنانية بـ'الأسف' فقط، و'الدعوة إلى احترام الكرامة الإنسانية'، جاءت ردود الشارع أشد وقعاً، فقد اندلعت وقفات احتجاجية في الجنوب اللبناني، خاصة في صور والخيام، رفضاً للإهانات الأمريكية وللدعم المفتوح للعدوان الإسرائيلي، رفعت خلالها شعارات حملت رسائل مباشرة للمبعوث الأمريكي: 'عُد إلى بلادك.. لا كرامة للمستعمر بيننا'.
مقابل تصريحات المبعوث الامريكي المهينة، برز الصمت المريب والمخزي لاتحاد الصحفيين العرب، الذي لم يجد في الإهانة الأمريكية العلنية للصحفيين اللبنانيين ما يستحق حتى التعليق أو الإدانة، إنه صمت ثقيل أشبه بالقبول الضمني، يفضح حالة التواطؤ والشللية التي تعانيها مؤسسات العمل الصحفي العربي، ويجعلها أقرب إلى شاهد زور على إهانة الكرامة المهنية والقومية، بدل أن تكون حصناً لحماية شرف الكلمة وحرية القلم.!
ما يمكن استخلاصه بإن تصرف باراك، لم يكن مجرد زلة لسان، بل هو انعكاس لذهنية استعمارية متجذرة في السياسة الأمريكية، التي تتعامل مع الشعوب بمنطق التبعية والانقياد.
إنه خطاب فوقي يتناقض مع كل شعارات واشنطن الزائفة حول الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ويعيد التذكير بحقيقة أن الاستعمار لم يغادرالمنطقة، بل غيّر أدواته ولغته!
ربما أهان باراك الصحافة اللبنانية من قلب قصر بعبدا، لكنه في المقابل، فضح منطق القوة الأمريكية، وأسقط قناع الدبلوماسية المزيّف، لتبقى الكلمة الأخيرة للشعب اللبناني الذي اعتاد أن يواجه الاستعلاء بالرفض، والهيمنة بالصمود، والإهانة بكرامة لا تنكسر.