اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
أنقرة استعادت فلسطين لتستعيد نفسها.
حلمي الأسمر
تركيا هل كانت 'ضيفة شرف' في شرم الشيخ، أم صانعة توازنات جديدة؟
(مصر 'الوسيط الأمني' وقطر 'الوسيط المالي'، جاءت تركيا لتكون الوسيط السياسي والأيديولوجي — أي الحاضنة التي تضمن أن لا يُفرض على حماس اتفاقا إذلاليا أو نسخة من 'أوسلو٢)
1. تركيا تعود إلى الطاولة من الباب الفلسطيني
دخول تركيا على خط مفاوضات شرم الشيخ لم يكن صدفة ولا مجاملة، بل خطوة محسوبة بدقة.
منذ بداية حرب غزة، وجدت أنقرة نفسها أمام تحدٍ مزدوج:
أن تستعيد مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة في الشرق الأوسط، وأن تُبرهن أنها ما تزال حليفًا موثوقًا للعالم الإسلامي دون أن تصطدم مباشرةً مع واشنطن.
وهنا كان الملف الفلسطيني هو 'بوابة العودة الكبرى'.
شرم الشيخ قدّمت لتركيا فرصة مثالية:
أن تكون الصوت 'الإسلامي' الوحيد داخل غرفة مغلقة تجمع أميركا، مصر، قطر، وإسرائيل — وأن تحظى بثقة حماس في الوقت ذاته.
2. دور الوسيط المزدوج: بين واشنطن وحماس
اللافت أن الولايات المتحدة هي من طلبت من تركيا التواصل مع حماس.
وهذا يكشف بوضوح أن أنقرة باتت تمثل 'اللغة المشتركة' التي يمكن لحماس أن تستمع إليها دون عداء، ولواشنطن أن تثق بها دون خوف.
تركيا هنا لم تتصرف كمجرد ناقل رسائل، بل كـ وسيط مبدئي يحاول إعادة تعريف شروط السلام على قاعدة 'وقف الحرب أولًا ثم التفاهم”.
هذا الدور المزدوج أكسبها موقع الوسيط المحوري بعد أن كانت أدوارها السابقة غالبًا هامشية أو رمزية.
3. إعادة هندسة التوازن في المفاوضات
وجود تركيا بجانب قطر ومصر غيّر موازين التفاوض.
فبينما تمثل مصر 'الوسيط الأمني' وقطر 'الوسيط المالي'، جاءت تركيا لتكون الوسيط السياسي والأيديولوجي — أي الحاضنة التي تضمن أن لا يُفرض على حماس اتفاق إذلالي أو نسخة من 'أوسلو 2'.
الجانب الإسرائيلي كان يدرك ذلك جيدًا. فأنقرة ليست وسيطًا محايدًا بالكامل، بل هي طرف ذو ميول واضحة نحو المقاومة.
لكن وجودها في المفاوضات جعل من الصعب تمرير اتفاق يُظهر حماس كمهزومة، ولهذا نرى أن نتائج شرم الشيخ تميل إلى 'هدنة متكافئة' أكثر منها إلى 'استسلام طرف'.
4. العمق الاستراتيجي: تركيا في مواجهة محور التطبيع
توقيت دخول تركيا للمشهد جاء أيضًا كردّ غير مباشر على المحور العربي المطبّع .
فبينما قدّمت تلك الدول نفسها كجسر سلام لإسرائيل، قدمت أنقرة نفسها كـ جسر تفاهم للفلسطينيين.
هي تريد أن تقول:
> 'لسنا وسطاء سلام مزيفين، بل وسطاء يحمون كرامة الفلسطيني وحقّه”.
بذلك استعادت تركيا شيئًا من رمزيتها القديمة في وجدان الشعوب العربية، خاصة بعد سنوات من البرود السياسي.
5. البُعد الإنساني – الإغاثة كبوابة نفوذ
بالتوازي مع السياسة، طرحت تركيا نفسها أيضًا كقوة إغاثية.
أرسلت شحنات طبية، وطرحت فكرة إنشاء 'ممر إنساني تركي” من رفح إلى غزة.
هذا السلوك لا يهدف فقط إلى المساعدة، بل إلى خلق حضور تركي دائم في مرحلة ما بعد الحرب — في إعادة الإعمار، والمشاريع المدنية، والموانئ.
أنقرة تفهم أن 'من يبني غزة غدًا، سيكسب نفوذًا لسنوات طويلة'.
6. بين الأيديولوجيا والبراغماتية
رغم انحيازها الأخلاقي للقضية الفلسطينية، لم تتحرك تركيا بدافع العاطفة فقط.
بل اعتمدت خطابًا متوازنًا:
تدعم وقف إطلاق النار.
ترفض الاحتلال والقتل الجماعي.
وتُبقي الباب مفتوحًا أمام علاقات مع إسرائيل 'في حال التزمت بالاتفاق”.
أي أنها تمارس البراغماتية الأخلاقية — لا الانبطاح السياسي، ولا المواجهة المفتوحة.
وهو النهج الذي يعكس نضوجًا في الدبلوماسية التركية الجديدة: القوة الناعمة المشبعة بالقيم الإسلامية.
7. النتيجة: عودة تركيا إلى قلب المعادلة الإقليمية
يمكن القول إن اتفاق شرم الشيخ أعاد أنقرة إلى قلب النظام العربي والدولي بعد سنوات من العزلة.
فهي اليوم تتحدث مع واشنطن دون قطيعة، ومع حماس دون حرج، ومع القاهرة دون عداء.
وهذا مزيج نادر من العلاقات لم تنجح فيه أي دولة أخرى في الشرق الأوسط حاليًا.
تركيا لم تكن 'ضيفة شرف' في شرم الشيخ، بل صانعة توازنات جديدة.
أجبرت الأطراف على إعادة التفكير في مفهوم 'الوساطة”، وربطت بين الأخلاق والسياسة في زمنٍ أصبح فيه السلام مجرد صفقة.
بكلمة واحدة:
> أنقرة استعادت فلسطين لتستعيد نفسها.