جيمس بوند.. كيف تحولت روايات ضابط متقاعد إلى أشهر سلسلة أفلام جاسوسية؟

يحتفل عشاق السينما حول العالم في شهر أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام بمرور 63 عامًا على عرض أولى أفلام سلسلة جيمس بوند الذي حمل عنوان Dr. No، وذلك قبل عامين من وفاة مبتكر شخصية الجاسوس البريطاني إيان فيلمينغ، الذي لم ير في حياته كيف تحولت شخصيته الخيالية إلى أشهر جاسوس في تاريخ السينما، وكيف صمد بوند على الشاشة الفضية لأكثر من ستة عقود.

من هو إيان فليمنغ؟ مبتكر الجاسوس الأشهر في العالم

إيان فيلمينغ هو ضابط مخابرات بحرية بريطاني، شارك في الحرب العالمية الثانية، وبعد تقاعده هاجر إلى جامايكا للتركيز على هوايته في كتابة الروايات. في عام 1952، أصدر أولى رواياته التي قدّم فيها شخصيته الخيالية الشهيرة 'جيمس بوند' بعنوان كازينو رويال. غير أن هذه الرواية لم تكن أول أفلام السلسلة السينمائية، إذ تحولت أولًا إلى فيلم تلفزيوني أميركي عام 1954 من بطولة الممثل باري نيلسون، الذي جسّد شخصية بوند كضابط استخبارات أميركي، لكن الفيلم لم يحقق النجاح المنشود.

شون كونري.. بوند الأول

كتب فيلمينغ أكثر من 11 رواية لجيمس بوند، ضابط المخابرات البريطانية MI6 والذي يشار إليه برمز 007، الوسيم الذي يسحر النساء ببدلة 'التوكسيدو'، ولكن خلف وسامته وحش كاسر يمتلك رخصة القتل دفاعًا عن مهامه وكل ما يضر التاج البريطاني، ويجيد القتال بالأيدي واستخدام مختلف أنواع الأسلحة وقيادة السيارات والطائرات، ومسلح بأحدث الأدوات التكنولوجية كقلم ينفجر، ساعة تطلق شعاعًا من الليزر، سيارة تحمل صواريخ، وغيرها.

وقد قاد النجاح الكبير الذي حققته الروايات منتجي هوليوود إلى تحويلها إلى سلسلة أفلام سينمائية، فكان أولاها عام 1962 باختيار الممثل الأسكتلندي شون كونري لتجسيد شخصية بوند على الشاشة في فيلم Dr. No.

عاد كونري لتقديم الدور مجددًا عام 1963 في فيلم From Russia With Love، واستمر نجاحه في أداء الشخصية في ثلاثة أفلام أخرى هي: Goldfinger، وThunderball، وYou Only Live Twice.

لعنة بوند.. من جورج لازينبي إلى روجر مور

رغم الشهرة الكبيرة التي حظي بها شون كونري جراء النجاح الفني والتجاري لأفلام جيمس بوند، فإنه قرر اعتزال الشخصية وألا يظل حبيسًا بها، ليقع الاختيار على ممثل أسترالي شاب لم يكمل الثلاثينات من عمره، وهو جورج لازينبي، لأداء دور بوند في فيلم وحيد On Her Majesty’s Secret Service عام 1969.

لاقى لازينبي قبولًا في الفيلم، ولكنه اشتكى من أن الدور مرهق، ليعود كونري مرة أخرى لحُلة بوند عام 1971 في فيلم Diamonds Are Forever.

روجر مور.. جيمس بوند المرح

تنحى شون كونري عن أداء شخصية جيمس بوند مرة أخرى، ليتم اختيار الممثل الإنجليزي روجر مور ليكون خليفته في الدور، وكانت أول أفلامه Live and Let Die عام 1973.

أضفى روجر مور طابعًا مرحًا وساخرًا على شخصية جيمس بوند، إذ كان يواجه أعداءه بروح الدعابة حتى في أحلك المواقف. واستمرت السلسلة في نجاحتها مع مور، الذي مثل 6 أفلام أخرى، وهي: The Man with the golden Gun، The Spy Who loved me، Moonraker، For Your Eyes Only، Octopussy، وكان آخر أفلامه في دور بوند عام 1985 بعنوان A View to a Kill، الذي تعرض مور بسبب تقدمه في العمر أثناء أداء الشخصية لانتقادات واسعة.

تيموثي دالتون.. بوند بوجه جديد

بعد مرور عامين على رحيل روجر مور، عاد جيمس بوند بوجه جديد، مع الممثل الويلزي تيموثي دالتون، الذي جسد الشخصية في فيلمين خلال عامي 1987 و1989، وهما The Living Daylights وLicense to Kill.

حقق الفيلم الأول نجاحًا نقديًّا وتجاريًّا، ونافس في الشباك الأمريكي أفلامًا مثل Die Hard وLethal Weapon، كما تفوقت إيراداته على آخر فيلمي لروجر مور في شخصية بوند.

أما الفيلم الثاني، فلم يحقق النجاح المتوقع في الأسواق الأميركية، ويرجع البعض ذلك إلى تزامنه مع عرض أفلام ضخمة مثل Batman وIndiana Jones والجزء الثاني من Lethal Weapon.

وكان عقد دالتون ينص على تمثيله في ثلاثة أفلام لشخصية بوند، لكنه قرر الاكتفاء بفيلمين فقط بسبب مشاكل إنتاجية.

بيرس بروسنان.. أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي أبدًا

عام 1995، ظهر الممثل الأيرلندي بيرس بروسنان لأول مرة في شخصية جيمس بوند من خلال فيلم GoldenEye، وهو أول فيلم في السلسلة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، ومع بداية انتشار الإنترنت وألعاب الفيديو. قدم بروسنان شخصية بوند عصريًا وأنيقًا، مع الحفاظ على تقاليد السلسلة الشهيرة.

وكان من المفترض أن يتولى بروسنان دور بوند قبل سلفه تيموثي دالتون، لكن مشاكل تعاقدية حالت دون ذلك، فتولى دالتون الدور مؤقتًا. وعاد بروسنان لاحقًا ليجسد الشخصية في ثلاثة أفلام أخرى هي: Tomorrow Never Dies، The World Is Not Enough، وكان آخر أفلامه في دور 007 هو Die Another Day عام 2002.

دانيال كريغ.. جيمس بوند الأشقر

صدم صناع سلسلة جيمس بوند محبيه باختيار الممثل الإنجليزي دانيال كريغ ليكون خليفة بيرس بروسنان، وسط انتقادات بسبب شعره الأشقر الذي يختلف عن مظهر أسلافه. كان أول ظهور لكريغ في دور جيمس بوند عام 2006 في فيلم Casino Royale، مقتبس من أول رواية لإيان فليمنغ، وقد حاز على إعجاب النقاد وحقق نجاحًا تجاريًا كبيرًا.

في عام 2008، قدم كريغ فيلم Quantum of Solace، ثم انتظر 4 أعوام ليعود في Skyfall الذي تجاوزت إيراداته مليار دولار، ليصبح الفيلم الأكثر نجاحًا في شباك التذاكر ضمن سلسلة بوند.

واصل كريغ تقديم شخصية جيمس بوند في فيلمين آخرين، هما Spectre عام 2015 وNo Time To Die الذي تأجل عرضه عدة مرات بسبب جائحة كورونا، قبل أن يُعرض عام 2021.

تميزت حقبة كريغ عن غيرها بوجود خيط رابط بين الأفلام الخمسة، على عكس أفلام بقية السلسلة التي تقدم قصصًا منفصلة تمامًا عن بعضها. كما يرى بعض النقاد أن كريغ بتمثيله أضاف طابعًا إنسانيًّا للشخصية، فلم نعد نرى الجاسوس الوسيم الذي يقتل بدم بارد فقط، بل رأيناه محبًا ضعيفًا، رأيناه أبًا لطفلة صغيرة للمرة الأولى، وتعد هذه الإضافة سببًا رئيسًا في ارتباط الكثير من متابعي السلسلة بكريغ، والإعجاب بأدائه.

بوند في الثقافة البريطانية

لم يكن جيمس بوند مجرد شخصية خيالية بالنسبة لبريطانيا، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المملكة المتحدة. فقد حرصت الملكة إليزابيث الثانية، ومن بعدها الملك تشارلز الثالث، إلى جانب أفراد العائلة المالكة، على حضور العروض الخاصة لأفلام السلسلة في لندن.

ورغم كونه شخصية سينمائية، أصبح بوند رمزًا للمخابرات البريطانية، حتى تم اختياره لتوصيل الملكة إليزابيث الثانية إلى حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012، في فيلم تفاعلي قصير شاركت فيه الملكة بنفسها مع دانيال كريغ.

كما نال كل من شون كونري وروجر مور لقب 'سير' (فارس) من التاج الملكي، فيما حصل كل من بيرس بروسنان ودانيال كريغ على أوسمة رفيعة من القصر الملكي البريطاني.

بوند لا يموت أبدًا.. من يخلف دانيال كريغ؟

لا يزال العالم يترقب هوية جيمس بوند الجديد في الفيلم رقم 26 من السلسلة الشهيرة، الذي لم يُعلن عن بطله بعد، رغم الاستقرار على المخرج دينيس فيلنوف، صاحب النجاح الكبير في إخراج أفلام Dune وArrival.

بحسب مجلة فارايتي، يبحث صُنّاع السلسلة عن ممثل بريطاني تحت سن الثلاثين لتولي دور العميل 007، ومن الأسماء المرشحة توم هولاند، وهاريس ديكسون، وجاكوب إلوردي، بينما كشفت صحيفة ذا صن أن آرون تايلور جونسون (35 عامًا) يُعد الأقرب للدور.

وتشمل قائمة المرشحين أيضًا كالوم تورنر، وآرون بيير، ودامسون إدريس، وجوناثان بيلي، بالإضافة إلى ثيو جيمس (40 عامًا)، الذي برز في فيلم The Gentlemen.

كما عاد اسم هنري كافيل، بطل سوبرمان، إلى التداول مجددًا، بعد أن خضع سابقًا لتجربة أداء لدور بوند في Casino Royale وحظي بإعجاب المنتجين، لكن صغر سنه آنذاك حال دون اختياره، ليذهب الدور لاحقًا إلى دانيال كريغ.

وبعد مرور 63 عامًا و25 فيلمًا حققت إيرادات تجاوزت 7 مليارات دولار، يبقى السؤال: من سيكون جيمس بوند القادم؟