اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٥
بحث حول الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية في ضوء أحكام القانون الدولي'مقارن'
أعدّ الطالب قصي عبيدات من جامعة اليرموك بحثا قانونيا بإشراف الأستاذ الدكتور صلاح الرقاد تحت عنوان 'الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية في ضوء أحكام القانون الدولي (مقارن)'.
وتناول معدّ البحث جريمتي 'التعذيب والاغتصاب' كمثال على جرائم تمسّ بالسلامة الجسدية كما أن من شأن هاتين الجريمتين هدم مجتمع بأسره، فيما طرح المعدّ سؤالا أساسيا حول سبب عدم ذهاب القانون الدولي لإبراز كلّا من الجريمتين بقانون دولي يختصّ بهما.
وتاليا نصّ البحث:
كلية القانون
بحث بعنوان
(الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية في ضوء أحكام القانون الدولي'مقارن')
بإشراف الدكتور
أ.د صلاح الرقاد
إعداد الطالب
قصي عبيدات
2024
الأردن
فهرس المحتويات
المبحث الأول : ماهية الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية
المطلب الأول : التعريف بالجرائم الماسة بالسلامة الجسدية
الفرع الأول : التعريف اللغوي
الفرع الثاني : التعريف الاصطلاحي
المطلب الثاني : الأركان العامة للجرائم الماسة بالسلامة الجسدية كجريمة دولية
الفرع الأول : الركن المادي
الفرع الثاني : الركن المعنوي (القصد الجرمي)
الفرع الثالث : الركن الشرعي
المبحث الثاني : الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية كصورة من صور الجرائم ضد الإنسانية
المطلب الأول : صور الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية
الفرع الأول : جرائم التعذيب
الفرع الثاني : جرائمالإغتصاب (العنف الجنسي)
المطلب الثاني : الركن الخاص بالجرائم الماسة بالسلامة الجسدية وتطبيقاتها
الفرع الأول : الركن الدولي كركن خاص في الجرائم الماسة بالسلام الجسدية
الفرع الثاني : تطبيقات على الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية
الخاتمة
النتائج
التوصيات
المراجع
الملخص
تقع الصراعات حول العالم بين دولة وأخرى وفي بعض الأحيان تقع الصراعات داخل الدولة ذاتها وخلال هذه الصراعات يقع ما يمكن أن ينتهك حقوق الإنسان كعمليات الأسر وعمليات الاعتقال ويقع أيضًا ما يمكن أن يحط من كرامة وشرف الإنسان كعمليات التعذيب خلال الأسر و عمليات الاغتصاب , فإنه لا يوجد مبرر لمثل هذه الانتهاكات التي تدعي بعض الجماعات مبررات مثل الطائفية والعنصرية لارتكاب مثل هذه الجرائم وحقيقة ما في الأمر أن مثل هذه الانتهاكات هي انتهاكات خطيرة جدًا على الحياة البشرية وأنه حتى في حالة الحروب يجب حفظ كرامة الإنسان وشرفه لأن الحروب في مجملها سوف تنتهي لا محال من ذلك إما بالهدن أو انفكاكها كاملًة أو حتى إبرام المعاهدات أو الصلح فيجب حفظ حياة الإنسان وكرامته وشرفه.
Abstract
Conflicts occur around the world between one country and another, and sometimes conflicts occur within the same country. During these conflicts, things occur that can violate human rights, such as capture and arrest operations, and things also occur that can degrade human dignity and honor, such as torture during captivity and rape operations. There is no justification for such violations that some groups claim justifications such as sectarianism and racism to commit such crimes. The truth of the matter is that such violations are very serious violations of human life, and that even in the case of wars, human dignity and honor must be preserved, because wars in general will inevitably end, either by truces or their complete dissolution or even by concluding treaties or peace. Therefore, human life, dignity and honor must be preserved.
الكلمات المفتاحية :
الاغتصاب ,التعذيب ,نظام روما ,تطبيقات ,الركن
المقدمة
التعذيب و الاغتصاب صنفت ضمن الجرائم ضد الإنسانية وذلك بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتقع هذه الجرائم من السلطات نفسها أو بالتعاون مع منظمات لهذا الغرض أو بتغاضي هذه السلطات عنها و التسامح بها .
مشكلة البحث
كما قلنا سابقًا أن جرائم التعذيب و الاغتصاب هما جريمتان دولتيان ضمن الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية تقع تصنيفها ضمن الجرائم ضد الإنسانية وهي أفعال تمس بكرامة الإنسان وشرفه فتقع هذه الجرائم بمخالفات دولية قد يتم التعتيم على مرتكبيها واخفائهم فلما لم يذهب القانون الدولي إلى إبراز كل من الجريمتان بقانون دولي يختص بهما ؟
تساؤلات الدراسة
1- ما هي النصوص القانونية التي تنظم تجريم هذه الجرائم(الماسة بالسلامة الجسدية) ؟
2- ما هي أركان هذه الجرائم(الماسة بالسلامة الجسدية) وهل تشترك مع الجرائم الداخلية بأركان ؟
3-هل يوجد ركن أو أركان خاصة لهذه الجرائم(الماسة بالسلامة الجسدية) ؟
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى إيضاح الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية والتوصل إلى النصوص الناظمة لهذه الجرائم وبيان أركانها العامة و المفترضة .
أهمية الدراسة
ما دفعني لاختيار هذا الموضوع كموضوع لدراستي أن الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية هي موضوع مهم للغاية ويمس من الكرامة والشرف للإنسان وأنها جرائم محرمة دوليًا وتهدم المجتمع الدولي لو وجدت بإستمرار .
الدراسات السابقة
وأما عن الدراسات السابقة التي تناولتها بدراستي هذه فكان أولها كتاب المستشار د. عبد الفتاح حجازي كتابه بعنوان (المحكمة الجنائية الدولية ) و أيضًا كتاب الجرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام القانون الدولي لمؤلفه جواد كاظم طراد الصريفي و كتاب شرح قانون العقوبات لمؤلفه الدكتور نظام المجالي وكتاب القضاء الدولي الجنائي للدكتور فارس الدليمي و كتاب القانون الدولي الجنائي للدكتور فتوح الشاذلي.
منهجية الدراسة
اعتمدت في دراستي هذه المنهج المقارن بين القوانين الداخلية و القوانين الدولية والتشريعات الجزائية المختلفة .
المبحث الأول
ماهية الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية
في هذا المبحث سوف ندرس ماهية الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية من حيث التعريف بها من الناحيتين اللغوية و الاصطلاحية وسوف ندرس أيضًا بهذا المبحث الأركان العامة للجرائم الماسة بالسلامة الجسدية من حيث الركن المادي و الركن المعنوي و الركن الشرعي .
المطلب الأول
التعريف بالجرائم الماسة بالسلامة الجسدية
في هذا المطلب سوف نتناول التعريف بالجرائم الماسة بالسلامة الجسدية من حيث التعريف بالناحية اللغوية و الناحية الاصطلاحية .
الفرع الأول : التعريف بالجرائم الماسة بالسلامة الجسدية لغويًا
تعريف الجريمة : هي مأخوذة من كلمة (جرم) و الجرم هو الاقتصاص أو القطع فمثلًا يقال جرمه يجرمه أي أنه يقتصه اقتصاص أو يقطعه قطع وكما أنه يطلق على الكسب غير المشروع (1).
أيضًا الجُرْمُ: الجُرْمُ : الذَّنبُ. والجمع : أَجرامٌ، وجُرُومٌ(2).
أيضًا جَرَمَ - جَرْمًا : أذنب أي أن الشخص نفسه أذنب أو حاشية من قومه (3) .
تعريف كلمة الماسة : وهي من لَمَسَ أي اتصل به أي لامسه وكان له علاقه به (4).
تعريف كلمة السلامة : البراءة من العيوب القادحة ومنه قولهم: الأذن مشروط بالسلامة (5).
تعريف كلمة الجسدية : الجسدية من الجسد : جسم الإِنسان ولا يقال لغيره من الأَجسام المغتذية ، ولا يقال لغير الإِنسان جسد من خلق الأَرض والجَسَد : البدن ، تقول منه: تَجَسَّد ، كما تقول من الجسم : تجسَّم (6).
الفرع الثاني : التعريف بالجرائم الماسة بالسلامة الجسدية اطصلاحاً
تعرف الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية بحسب نظام روما الأساسي وفقًا للمادة رقم 5 على أنها جرائم مصنفة من الجرائم ضد الإنسانية (7) .
كما أنها أيضًا تعرف اي فعل يسبب ضررًا جسديا للآخرين كالاعتداء أو الضرب الذي يقعان على مصلحة واحدة وهي جسد الانسان (8).
وعرفها الفقه على أنها أفعال تتسبب في إلحاق ضرر جسدي بالآخرين , سواء كان ذلك من خلال الإعتداء الجسدي المباشر او الافعال التي تؤذي الشخص (9).
وكما أنها تعرف قانونًا : الافعال التي تتسبب بإحداث ضرر جسدي أو إيذاء لشخص معين (10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)موقع ويكيبيديا المنشور إلكترونيا .
(2)موقع المعاني المنشور إلكترونيا .
(3)موقع المعاني المنشور إلكترونيا .
(4)موقع المكتبة الشاملة المنشور إلكترونيا.
(5)نفس المرجع السابق .
(6)موقع ويكيبيديا المنشور إلكترونيا.
(7)نظام روما الأساسي , المادة رقم 5.
(8)اللجنة الدولية للصليب الأحمر ,موقع الكتروني.
(9)فارس الدليمي , القضاء الدولي الجنائي , غير مشار رقم الطبعة , دار المطبوعات الجامعية , مصر , 2019 , ص 122.
(10)اللجنة الدولية للصليب الأحمر , موقع الكتروني .
المطلب الثاني
الأركان العامة للجرائم الماسة بالسلامة الجسدية كجريمة دولية
في هذا المطلب سوف ندرس الأركان العامة للجرائم الماسة بالسلامة الجسدية وهي الأركان العامة لأية جريمة وهم الأركان التالية : الركن المادي والركن المعنوي والركن الشرعي .
عرف قانون العقوبات الأردني الركن المادي بأنه عبارة فعل خارجيله طبيعة مادية ملموسة تدركه الحواس(1).
وكما عرفه القانون العراقي بالمادة (28) من قانون العقوبات : سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون (2).
الركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر وهي : السلوك الإجرامي و النتيجة الإجرامية ومن ثم العلاقة السببية وبحال اكتملت جميع هذه العناصر الثلاثة دون تخلف أي منها تعتبر حينئذ الجريمة جريمة تامة(3) .
وكون أننا نتحدث عن جريمة دولية (الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية )وهي تصنف من ضمن الجرائم ضد الإنسانية نقول أن القانون الدولي هو من يحدد السلوك السلبي أو الإيجابي للجريمة سواء جاء هذا التحديد موافق للقوانين الداخلية أو غير موافق له ولهذا ومن وجهة نظري ممكن أن نعرف الركن المادي على أنه سلوك ذا أثر ملموس يتكون من الإضرار بالسلامة الجسدية للضحايا .
عناصر الركن المادي :
أولًا : السلوك الإجرامي
السلوك الإجرامي هو عبارة عن نشاط مادي خارجي يصدر من الجاني ليكمل تحقيق نتيجة إجرامية يعاقب عليها القانون وهذا من أهم العناصر في الجريمة و لا يعاقب القانون الجاني على المراحل التي تسبق مرحلة التنفيذ لأن الجاني قبل أن يرتكب الجرم المعني يمر بمراحل وهي بعض الأنشطة الذهنية أو المادية فلا يعاقب عليها المشرع (4).
وكما عرف السلوك الاجرامي على انه نشاط مادي خارجي يكون الجريمة و لا تتكون الجريمة بلا هذا العنصر فهو ضروري وهو مختلف من جريمة الى اخرى(5) .
صور السلوك الإجرامي :
● السلوك الإيجابي :هو أن يقدم الفاعل على إبراز الفعل الى الحيز المادي بالقيام به كمن يقوم بضرب أحد الأشخاص على رأسه راميًا إياه أرضًا أي أنه يقوم بالفعل ويبرزه على أرض الواقع وكون أننا نتحدث عن جرم دولي فإن السلوك الإيجابي يكون هنا بأن يقوم الشخص بالتعذيب و الإضرار بشخص أو مجموعة أشخاص كما حصل في سجن صيدنايا أو اغتصاب فتاة أو مجموعة فتيات من قبل شخص أو مجموعة أشخاص كما حصل في العراق أو السودان(6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)قانون العقوبات الأردني رقم 16لسنة 1960م, المادة رقم 68 .
(2)قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969 , المادة رقم 28.
(3)نظام المجالي , شرح قانون العقوبات , ط8 , دار الثقافة للنشر والتوزيع , عمان , 2021 , ص 251 .
(4)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 254.
(5)جواد كاظم الصريفي , الجرائم ضد الإنسانية ,ط1 , المركز العربي للنشر والتوزيع , القاهرة , 2017 , ص 55.
(6)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 254 .
● السلوك السلبي :ان السلوك الإجرامي قد يقع بنشاط سلبي يتمثل بامتناع الجاني عن الإقدام على فعل إيجابي معين كان يتوجب عليه أن يقدم عليه ولم يفعل ,ويشترط وجود واجب قانوني عليه و أن يكون بإستطاعة الممتنع عنه إتيانه (1).
و السلوك السلبي لا يمكن أن يكون صالحًا لتحقيق الجرم المعني إلا في حالة ما يكون مخالفًا لواجب قانوني يفرض على الشخص أن يأتي سلوك إيجابيًا فامتنع عن الإتيان (2) .
وعليه فإن الجريمة الدولية وبحسب القانون الدولي الجنائي فإنها تتحقق بالسلوك الإيجابي كأن تستخدم دولة معينة قوتها لتحقيق نتيجة معينة يحظرها القانون أو أن تستخدم هذه القوة لإهلاك جماعة معينة إهلاكًا جزئيا أو كليًا وباستقراء نصوص نظام روما الأساسي فإن غالب الجرائم تقع بسلوك إيجابي بحسب نصوص المواد 6.7.8 من النظام نفسه (3).
أيضًا من الممكن للجريمة الدولية أن تتحقق بالسلوك السلبي (الامتناع) فهو إحجام عن القيام بسلوك إيجابي يكون الشخص قادرًا على إتيانه فلذلك فإن الدولة الجريمة الدولية تقوم بحالة امتنعت عن القيام بعمل أوجبه القانون عليها وهذا الإمتناع بمجرد وقوعه فلا فرق فيه إذا أصاب نتيجة معينة أو كان مجرد امتناع ليس له أية نتائج و كما أنه يسأل الرئيس عن من يقع تحت سلطته إذا امتنع عن منعهم من ارتكاب جرم دولي معين وكما أن مصدر الواجبات الدولية التي يعد الامتناع عنها موجب لإتيان الدولة أو الفرد هو القانون الدولي العام الفارض على الدولة مجموعة من الواجبات القانونية (4) .
ثانيًا : النتيجة الإجرامية
النتيجة الجرمية حقيقًة لها مدلولين فالأول هو المدلول القانوني والثاني هو المدلول المادي .
ففي المدلول القانوني أن النتيجة الجرمية هي عبارة عن فعل اعتداء على مصلحة لها حماية محققة في القانون .
وفي المدلول المادي أن النتيجة الإجرامية عبارة عن تغيير واقعي خارجي نتيجة فعل وقع.
-النتيجة الإجرامية في القانون الداخلي :
ان النتيجة الإجرامية في القانون الداخلي لها مدلولان كما أسلفنا الذكر على النحو التالي :
أ. المدلول المادي : المدلول المادي هو عبارة عن تعبير عن النتيجة بما طرأ من تغيير وتعديل في الواقع كأثر للسلوك الإجرامي, لذا يجب أن يكون هناك رابطة بين النتيجة و السلوك وهي رابطة مادية فمثلًا كمن يقوم بارتكاب جريمة القتل فهو يأتي بتغيير في الواقع وهي وفاة المجني عليه بعدما كان حيًا و أيضًا من يقوم بالسرقة فهو يقوم بنقل حيازة المال المسروق من حيازة صاحب المال لحيازته (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)فتوح الشاذلي , القانون الدولي الجنائي , غير مشار رقم طبعة , دار المطبوعات الجامعية , الإسكندرية , 2018 , ص271.
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , 255.
(3)نظام روما الأساسي , المواد 6.7.8
(4)فتوح الشاذلي , نفس المرجع السابق , 272.
(5)نظام المجالي , نفس المرجع السابق, ص 258 .
ب - المدلول القانوني : هي عبارة عن فعل اعتداء على مصلحة لها حماية محققة في القانون سواء أدى الاعتداء الى الإضرار بذات المصلحة المعتدى عليها أو تهديدها بالخطر (1).
فالنتيجة القانونية بجريمة السرقة هي الاعتداء على حق الملكية بنقل الحيازة من غير حق و النتيجة القانونية في القتل هي الاعتداء على حق الإنسان في الحياة , و النتيجة القانونية في الإيذاء هي الاعتداء على مصلحة قانونية وهي الحق في سلامة الجسد , وكذلك النتيجة القانونية في الإغتصاب هي الاعتداء على مصلحة قانونية وهي الحق في سلامة الجسد و الحق في الحفاظ على العرض وصونه (2) .
سار الفقه على تقسيم الجرائم وفق مدلولها المادي الى جرائم ذات نتيجة و الى جرائم شكلية .
كما سار الفقه الى تقسيم الجرائم وفق مدلولها القانوني الى جرائم ضرر و جرائم خطر .
يرى جانب من الفقه ترجيح المدلول المادي للنتيجة على المدلول القانوني , انطلاقا من فكرة أن الجمع بين المدلولين هو خلط بين الحدث المادي و دلالته القانونية , أي أنه خلط بين عنصر في الجريمة وموضع الجريمة لأن كل جريمة تشكل اعتداء على مصلحة قانونية محل حماية المشرع سواء أهدرت المصلحة أو هددت بالخطر عن طريق العدوان وهذا العدوان تحققه واقعة الجريمة وهو وصف قانوني لا يتحقق الا في المخيلة القانونية (3) .
-النتيجة الإجرامية في القانون الدولي الجنائي:
حقيقة لا يختلف الركن المادي للجريمة الدولية عن الركن المادي للجريمة الداخلية من حيث أنه يتطلب النتيجة كعنصر من الركن المادي وأن مفهوم النتيجة للجريمة الدولية هو ذاته في القانون الجنائي الداخلي فإن النتيجة في الجريمة الدولية لها مدلولها المادي يتمثل فيما يحدثه الفعل الجرمي من تغيير واقعي ملحوظ و أيضًا لها مدلولها القانوني الذي يتوافر في كل جريمة دولية وهو الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون (4) .
وهذا من وجهة نظري يعني ان الجريمة الدولية أيا كان نوعها أو فعلها فهي لا محال تنطوي على نتيجة وهذه النتيجة تكون عنصر في الركن المادي لها , فالمشرع الدولي ما كان ليضع فعل معين في دائرة التجريم إلا لأن هذا الفعل يحقق ضرر محق فعلي أو فيه خطر الضرر وهذه هي علة التجريم .
ثالثًا : العلاقة السببية
حتى تكون الجريمة تامة , لا بد من وجود علاقة رابطة بين السلوك الجرمي و النتيجة كرابطة العلة بالمعلول , يعني ان النتيجة التي حدث يجب ان تكون بسبب السلوك الذي قام به الجاني سواء كان سلوك ايجابي او سلبي (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 260 .
(2)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 59.
(3)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 261 .
(4)فتوح الشاذلي , نفس المرجع السابق , ص 281.
(5)جواد كاظم , نفس المرجع السابق , ص 59 .
وفي حال عدم وجود تلك العلاقة , فإن مرتكب الجرم قد لا يسأل عن الجريمة ولكنه من الممكن أن يسأل عن الشروع في الجريمة لأنه سلوكه لم يتصل بالركن المادي ويحدث النتيجة على كامل وجهها (1) .
المسؤولية الجنائية للفرد يلزم أن تكون متصلة بمسبب مادي بإحداث الواقعة أي أن تقوم رابطة السببية بين الفعل والنتيجة , فلو حصل عدم اتصال بين الفعل والنتيجة تنتفي مسؤولية ذلك الفرد (2) .
العلاقة السببية لا يمكن أن يتم تصورها في غير الجرائم ذات النتيجة ولعلة أنها عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة وكما أن العلاقة السببية قد تقوم بالسلوك الإيجابي و قد تقوم بالسلوك السلبي على النحو التالي :
-من يقوم بإطلاق النار على مجموعة من الناس مع توافر قصد القتل فإن حصول القتل بسبب إطلاق النار يولد علاقة سببية بين إطلاق النار وموت مجموعة الناس أو كمن يمتنع عن حقن المريض أو شخص هو يعلم أنه يحتاج هذه الحقنة ومات لعدم إعطائه هذه الجرعة تقوم العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة (3) .
نخلص مما تقدم أن الجريمة الدولية على وجه العموم و الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية على وجه الخصوص لا خلاف بينها وبين الجريمة الداخلية في مسألة قيام علاقة السببية بين الفعل و النتيجة .
ومن وجهة نظري أرى أن الجرائم الدولية أي الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية لا خلاف بينها وبين الجريمة في القانون الداخلي من حيث الركن المادي.
(1)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 61
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 260
(3)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 62
عرفت المادة (63) من قانون العقوبات الأردني القصد الجرمي (الركن المعنوي) على أنه : النية هي إرادة الجريمة على ما عرفها القانون (1).
من المسلم به أن الجريمة تتكون من أركان وهذه الأركان لا تقف عند حد الركن المادي فحسب بل تمتد لتصل الركن المعنوي و الشرعي أيضَا .
فكما أنه للجريمة كيان مادي فإنها لها كيان نفسي فبما أنه الركن المادي يتكون من الفعل الإجرامي و علاقة السببية و النتاج الإجرامي فالركن المعنوي عبارة عن أصول نفسية داخل الجاني فالفعل الجرمي لا يعاقب عنه الإنسان ما دام لم يصدر عن إنسان مسؤول و لديه ملكات عقلية تقوده للفهم و الإدراك .
حينما نذهب لتحديد صورة الركن المعنوي فإننا نحددها بقدر السيطرة على ماديات الجريمة و الإرادة لها طريقان أي اتجاهان ومسلكان فتارة تكون الجريمة هي جريمة مقصودة و تارة تكون غير مقصودة (2) .
وعليه و سيتبين معنا لاحقًا أن الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية هي جرائم عمدية ولذلك سوف نتبع في دراستنا هذه فقط شرح عناصر الجريمة المقصودة :
أولًا : العلم
من المسلم به أن القصد الجرمي في الجرائم المقصودة يلزم علم مرتكب الجرم المكون للجريمة وهذا بحسب المادة رقم (65) من قانون العقوبات الأردني وهذا يدل على أنه يجب أن تتجه العلم و الإرادة الى كافة أركان الجريمة التي حددها القانون (3).
فعندما تتجه الإرادة الى قتل شخص من قبل آخر فيجب أن يعلم هذا الشخص أنه مقدم على جرم قتل ويجب ان يعرف عناصر هذه الجريمة حتما جميعها أو بعضها وذلك بحسب نص ذات المادة السابقة .
لا شك أن العلم قد يتعلق بالوقائع التي تعتبر عنصرًا من عناصر الجريمة أي أن يفهم و يدرك الشخص الجاني جميع ماديات هذه الجريمة .
من المهم أن يعلم الجاني بجميع الوقائع التي ترتب قيام هذه الجريمة فلو كان جاهلًا بالوقائع المادية للجريمة أو أنه أخطأ بعنصر جوهري واقعي فإنه حينئذ لا يسأل عن الفعل الذي ارتكبه فينتفي به الجرم المقصود , ولكن لو أنه أخطأ بعنصر ثانوي فتقوم الجريمة و لا يكون هناك تأثير على وضعها القانوني فلا يتأثر القصد الجرمي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)قانون العقوبات الأردني رقم 16لسنة 1960م وتعديلاته , المادة 63 .
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 377 .
(3)قانون العقوبات الأردني رقم 16لسنة 1960م وتعديلاته , المادة 65.
-وقائع يلزم أن يعلم بها الجاني :
في واقع الحال كل جريمة لها أركان خاصة بها ويلزم أن يعلم بها الجاني جميعها فيلزم أن ينصرف علم الجاني إلى جميع عناصر الجريمة ومنها الركن المادي ومكوناته ويلزم أن يعلم بالوقائع الجوهرية التي يتطلبها القانون وعلى النحو الآتي (1) :
1.العلم بموضوع الجريمة : أول واقعة يجب أن يكون على علم ودراية بها الجاني هو العلم بموضوع جريمته والمقصود هنا أن يعلم الجاني محل الحق المعتدى عليه, أي الحق المحمي في القانون عن طريق عقاب مقرر يوقع جراء حدوث هذا الاعتداء فمثلًا في جريمة القتل يعلم الجاني أن فعله ينصب على إنسان حي ولكن لو أعتقد جازمًا غير محتال أن فعله ينصب على شخص فارق الحياة كطبيب يقوم بتشريح شخص ما يظن أنه فارق الحياة وهو لا يزال حي وتوفي نتاج التشريح فإن القصد الجرمي هنا ينتفي ولا يتوافر كمن يقوم بإطلاق النار على شخص في الظلام حاول إخافته معتقدًا منه اعتقادا جازما غير محتال أنه حيوان خطير مفترس فلا يسأل لانتفاء القصد الجرمي.
2.العلم بماهية الفعل وخطورته أو الإمتناع عنه : يجب على الجاني أن يعي وقت ارتكاب الفعل أو الإمتناع عنه أن يعلم بماهية فعله ونوعية الآثار التي تترتب عليه , أي أن يكون على دراية بأن فعله يترتب عليه الإعتداء على الحق محل الحماية فإذا انتفى العلم لديه بذلك انتفى القصد الجرمي تباعًا كمن يقوم بحمل حقيبته الشخصية في أحد المطارات وكان قد وضع أحد الأشخاص بها مالًا من غير أن يعلم به فلا يعد سارقًا .
3.توقع النتائج الجرمية : يتطلب لأن تكون الجريمة مقصودة أن يتوقع الفاعل نتاج فعله الجرمي كأحد عناصر الركن المادي للجريمة وفقًا للنطاق الذي يرسمه القانون , فمن هنا ليس شرطًا أن يتوقع الفاعل عناصر جرمية لم يدخلها المشرع بفكرة النتيجة فمثلًا النتيجة التي يجب أن يتوقعها الجاني في القتل هي الوفاة كما وصفها المشرع حسب نموذجها القانوني .
ثانيًا : الإرادة
الإرادة هي نشاط نفسي يتجه الى تحقيق غرض عن طريق وسيلة معينة فالإرادة أمر نفسي وهي الأمر الدافع لسلوك ذا طبيعة مادية .
'على الرغم من أن الإرادة هي عبارة عن عنصر لازم في جميع صور الركن المعنوي , سواء كانت هذه الصورة قصد أو خطأ , إلا أنها في القصد تنصب على السلوك و النتيجة المعاقب عليها'(2) .
(1)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 392 .
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 394.
-اتجاه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة :
الإرادة في القصد الجرمي تُسقط على النتيجة و السلوك الإجرامي المعاقبين عليهما فمثلًا في جريمة السرقة يجب أن يثبت أن السلوك المؤدي إلى السرقة هو خلع قفل الخزنة أو نشل الحقيبة من يد صاحبها , أي بعبارة أخرى يجب أن تكون الإرادة هي الدافع نحو اتباع السلوك الجرمي وكما يجب أن تكون الدافع نحو تحقيق النتيجة فيلزم انصرافها لكل من السلوك الجرمي و النتيجة الجرمية (1) .
فلو افترضنا جدلًا أن الفعل لم يصدر عن إرادة بل كان نتيجة إكراه مادي كان قد تعرض له الفاعل وعلى نحو أعدم إرادته و أصبح كأداة ترتكب بها الجريمة فلا يتوافر القصد الجنائي هنا لانتفاء الإرادة و أيضًا كذلك الأمر في حالة مواجهة قوة قاهرة كمن يغمى عليه فيسقط فوق طفل فيقتله نتيجة سقوطه لا يتوافر القصد الجنائي بحقه .
فلو افترضنا جدلًا أن فاعلا قام بفعل السرقة فيجب أن يتوافر بحقه فعل الأخذ بحسب نص المادة 399 من قانون العقوبات الأردني وتتجه إرادته إلى إنهاء حيازة صاحب المال و حلول حيازته بدلًا من الأول فيجب أن يتوافر قصد بفعل الأخذ كما أسلفنا سابقًا نقل الحيازة ولكن لو افترضنا جدلًا أن شخصًا ذهب إلى مكتبة وقام بأخذ علبة من الحبر بغرض تجربتها فلا تقوم بحقه جريمة السرقة وذلك لانتفاء الإرادة بالتملك .
-إن الإرادة الإجرامية كونها عنصرًا من عناصر القصد الجرمي فهي عبارة عن كيان نفسي يتجه نحو غرض محرم بالقانون وهي المرحلة الختامية للنشاط الجرمي (2) .
ومن وجهة نظري أن الجرائم الدولية أي الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية تتشابه تارةً و الجرائم في القوانين الداخلية وتختلف تارةً فالأولى لا تقع إلا بطريق القصد والنية على خلاف الجرائم في القوانين الداخلية في تقع بطريق العمد و الخطأ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نظام المجالي , نفس المرجع السابق ,ص 394.
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق ,ص 395.
الركن المعنوي في القانون الدولي:
الركن المعنوي في القانون الدولي لا يختلف عنه نفسه في الجرائم الداخلية بصورتيه القصد والخطأ وعناصرهما ومنعًا للتكرار سندخل في صلب الموضوع وهو القصد الجرمي في الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية (1) :
ان الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية كجريمة دولية وتصنف من ضمن الجرائم ضد الإنسانية فإنها جرائم عمدية وبدليل المواد الآتية من نصوص القانون الدولي :
(1) الفقرة (1) من المادة 7 من نظام روما الأساسي و قد نصت على أنه
1- لغرض هذا النظام الأساسي , يشكل أي فعل من الأفعال التالية ' جريمة ضد الإنسانية ' متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين , وعن علم بالهجوم :-
و ) التعذيب.
ز ) الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء, أو الحمل القسري, أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة(2).
وبدليل عبارة (عن علم بالهجوم ) نستنتج أن هذه الجرائم لا تكون إلا عمدية .
(2) بدليل الفقرة (2) من المادة 7 من نظام روما الأساسي وقد نصت على أنه :
هـ) يعني ' التعذيب ' تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة , سواء بدنياً أو عقلياً , بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته , ولكن لا يشمل التعذيب أي ألم أو معاناة ينجمان فحسب عن عقوبات قانونية أو يكونان جزءاً منها أو نتيجة لها(3) .
بدليل عبارة (تعمد) نستنتج أن هذه الجرائم لا تكون إلا عمدية .
(3) بدليل الفقرة (2) من المادة 7 من نظام روما الأساسي وقد نصت على أنه :
ب) تشمل ' الإبادة ' تعمد فرض أحوال معيشية,من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء, بقصد إهلاك جزء من السكان (4).
بدليل عبارة تعمد الواردة نستنج أن هذه الجرائم لا تكون إلا عمدية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)لمزيد من المعلومات حول الموضوع انظر جواد الصريفي , الجرائم ضد الإنسانية في ضوء أحكام القانون الدولي , ط1, المركز العربي للنشر والتوزيع , القاهرة , 2017م .
(2)نظام روما الأساسي , المادة رقم 7.
(3)نظام روما الأساسي , المادة رقم 7.
(4)نظام روما الأساسي , المادة رقم 7.
ومن خلال ما سلف ذكره نفهم أن الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية كجريمة دولية مصنفة تحت بند الجرائم ضد الإنسانية بحسب نظام روما الأساسي هي جرائم عمدية .
فكما هو الحال في الجرائم الداخلية وفي القانون الداخلي فإن للقصد الجرمي للجرائم الماسة بالسلامة الجسدية كجريمة دولية عنصران وهما العلم و الإرادة .
العلم في الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية : يجب أن يكون الجاني عالمًا بما يقوم به من سلوك , وان لهذا السلوك نتيجة جرمية وهو يعلم بها وهذه النتيجة يجب ان تكون احدى الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية التي نصت عليها أحكام القانون الدولي في نظام روما الأساسي مثل التعذيب و الاغتصاب (1) .
للعلم هنا عنصران كمثله مثل العلم في الجرائم بالقانون الداخلي نجملهم نحو الآتي منعًا للتكرار(2):
(1) العلم بالسلوك الإجرامي : وهو السلوك الذي كون الجريمة فيجب أن يكون الجاني على علم بتفاصيل ما يقوم به عالمًا بالحق المعتدى عليه وخطورة فعله بالمساس بهذه المصلحة التي يحميها القانون الدولي كالتعذيب فيقوم مثلًا أحد الضباط من الكيان الصهيوني في الداخل المحتل بتعذيب الأسرى الفلسطينيين وهذا قد صدر عدة قرارات بما يخص التعذيب كالقرار رقم 39/46 المتعلق بالاعتماد على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وقرار رقم 55/89 يتعلق بمبادئ الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من التعذيب والمعاملة القاسية .
(2) العلم بالنتيجة الإجرامية : يجب أن يكون الجاني على دراية بأن عمله ينطوي على ممارسات محرمة دوليا وقانونيًا بحق المجني عليهم , كالاعتداء على حقهم في الحياة او العيش المستقر مثل الممارسات الصهيونية في حرب غزة من قصف عشوائي و بأسلحة محرمة دوليا استخدامها في الحرب منذ 7 أكتوبر 2023 م .
للإرادة عنصران كمثله مثل الإرادة في الجرائم بالقانون الداخلي نجملهم نحو الآتي منعًا للتكرار (3):
(1) إرادة السلوك الإجرامي : لا يكون السلوك محرمًا ما لم تتجه إرادة الجاني لهذا الفعل , إذ يشترط أن يكون راغبًا للفعل الإجرامي المكون للجريمة .
(2) إرادة النتيجة الجرمية : تحقق النتيجة الجرمية ليس شرط لكي تتحقق المسؤولية الجنائية بكل الجرائم , فإن بعضًا من الجرائم الماسة بالسلامة الجسدية تتحقق بها المسؤولية الجنائية سواء حققت النتيجة أم لم تحقق .
و في إطار القانون الدولي فالإرادة تكون مُجرمة إذا مثلت مخالفًة لقواعد القانون الدولي وخاصة المذكورة في النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية , التي يعد خرقها جريمة دولية وفقًا للقانون فيجب ان تكون الارادة متجهة نحو الفعل و الى نتيجته هي أثر السلوك المجرم(4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نظام روما الأساسي , المادة رقم 7 .
(2)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 67 .
(3)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 68.
(4)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 69.
ثالثًا : الركن الشرعي
الأصل بأن تصرفات الإنسان هي مباحة وله أن يقدم على فعل ما يشاء و أن يهجر ما لم يرغب به , وبسبب اختلاف الرغبات والمضاربة في المصالح فإن الحياة الإنسانية لا تجري بإستقامة و اتزان ومرونة .
الركن الشرعي هو أحد الأركان التي يلزم توافرها لقيام الجريمة وبإنتفاء هذا الركن تنتفي الجريمة (1).
الركن الشرعي للنشاط الجرمي : هو الصفة غير المشروعة قانونًا للنشاط أو الفعل , ويرجع في تحديد صفة هذا النشاط إلى قانون العقوبات فتنتفي الجريمة بانتفاء هذا الركن فلا يكون هناك دافع لبحث بقية الأركان أبدًا (2).
إن مصدر عدم المشروعية هو نص القانون , ويعنى هنا بالنص القانوني هو النص الموجود في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له (3).
ولاستفهام الركن الشرعي يلزم علينا عناصر هذا الركن وهما :
●وجود نص تجريم يخضع له الفعل
●عدم خضوع الفعل لقاعدة أسباب التبرير
(1) وجود نص تجريم يخضع له الفعل :
جميع التشريعات بواقع الحال ساد قوانينها مبدأ مهم الا وهو (( لا جريمة و لا عقوبة إلا بناء على نص))(4) .
-قاعدة شرعية الجرائم و العقوبات :
المقصود بقاعدة شرعية الجرائم و العقوبات هو أن يتم حصر مصادر التجريم والعقوبات بنصوص القانون فيتم بناء على ذلك تحديد أفعال الجرائم و أركانها وعقوباتها المقررة من حيث النوع والمقدار وبناء على ذلك ليس بمقدرة القاضي أن يحكم على فعل معين بأنه مجرم ما لم يكن هناك نص ورد على ذلك بالقانون وحتى ولو كان هذا الفعل منافٍ للأخلاق أو الدين أو العدالة وحتى ولو كان هذا الفعل ذا ضرر أو خطر على المجتمع وعند ثبوت الفعل فإنه من غير جائز للقاضي أن يحكم غير العقوبة المحددة في القانون (5) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 77.
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 101.
(3)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 103.
(4)قانون العقوبات الأردني , المادة رقم (3) .
(5)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 106.
ومن التشريعات التي التي تناولت هذه القاعدة أولها التشريع العراقي ,في قانون العقوبات رقم (111)لسنة 1969م إذ جاءفي المادة (1) : '(لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون) ' (1) .
وقانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 م جاء في نص المادة (3) : ( لا جريمة إلا بنص ولا يقضى بأي عقوبة أو تدبير لم ينص القانون عليهما حين اقتراف الجريمة، وتعتبر الجريمة تامة إذا تمت أفعال تنفيذها دون النظر الى وقت حصول النتيجة)(2) .
وقانون العقوبات السوري رقم (148) لسنة1949 م جاء في نص المادة (1) الفقرة (1) : (لا تفرض عقوبة و لا تدبير احترازي أو إصلاحي من أجل جرم لم يكن القانون قد نص عليه حين اقترافه) (3) .
وفي قانون الجزاء الكويتي رقم (16) لسنة1960 م جاء في نص المادة رقم (1) : (لا يعد الفعل جريمة ,ولا يجوز توقيع عقوبة من أجله ,إلا بناء على نص في القانون)(4) .
الى هنا نكون قد خلصنا الى شرح أحكام هذه القاعدة في القوانين الداخلية .
قاعدة شرعية الجرائم و العقوبات في القانون الدولي:
الأمر على المستوى الدولي فيه بعض من الإختلاف بالنسبة للمستوى الداخلي وقواعد القانون الدولي لم تكن على وضوح بما يخص هذا الموضوع فجاء في المادة 11 من نظام روما الأساسي :
1- ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي.
2- إذا أصبحت دولة من الدول طرفاً في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه, لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة, ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلاناً بموجب الفقرة 3 من المادة 12.
ففي المادة السابقة نجد أن أحكام القانون في الفقرات السابقة قد أكدت على قاعدة شرعية الجرائم و العقوبات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)قانون العقوبات العراقي رقم (111)لسنة 1969م, المادة رقم 1.
(2)قانون العقوبات الأردني رقم (16)لسنة 1960م , المادة رقم 3.
(3)قانون العقوبات السوري رقم (148)لسنة 1949م , المادة رقم 1.
(4)قانون الجزاء الكويتي رقم (16)لسنة 1960م , المادة رقم 1.
(5)نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية , المادة رقم 11.
وجاء بنص المادة( 7 ) من الاتفاقية الأوروبيةلحقوق الإنسان لعام 1950 م (1) :
1- لا يجوز إدانة أي شخص بسبب ارتكابه فعلا أو الامتناع عن فعل لم يكن يعتبر وقت وقوع الفعل أو الامتناع جريمة في القانون الوطني أو القانون الدولي. ولا يجوز توقيع عقوبات أشد من تلك المقررة وقت ارتكاب الجريمة.
2- لا تخل هذه المادة بمحاكمة أو عقوبة أي شخص بسبب ارتكابه فعلاً أو امتناعه عن فعل يعتبر وقت فعله أو الامتناع عن فعله جريمة وفقا للمبادئ العامة للقانون في الأمم المتحضرة.
فهذه المادة لم تراعي مبدأ الشرعية وعلى وجه الخصوص مبدأ لا جريمة إلا بنص .
وبالرجوع إلى المادة (23) و المادة (22) من نظام روما الأساسي نصت على أنه (2):
المادة (22)
بعنوان لا جريمة إلا بنص
1- لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه , جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.
2- يؤول تعريف الجريمة تأويلاً دقيقاً ولا يجوز توسيع نطاقه عن طريق القياس, وفي حالة الغموض يفسر التعريف لصالح الشخص محل التحقيق أو المقاضاة أو الإدانة.
3- لا تؤثر هذه المادة على تكييف أي سلوك على أنه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي خارج إطار هذا النظام الأساسي.
المادة ( 23) بعنوان 'لا عقوبة إلا بنص'
(لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي.)
فهذه المادتين من ذات النظام أكدتا على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات .
أجد أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يوجد صعوبة في تطبيقه على الصعيد الدولي على خلاف الصعيد الداخلي وذلك لأن القانون الدولي قد يجرم الفعل بالرجوع الى الأعراف الدولية وليس مهمًا كما هو الحال على صعيد القانون الداخلي أن تكون العقوبات في القوانين المكتوبة فالقانون الدولي يكتفي بوجود قاعدة قانونية لتجريم الفعل سواء كانت عرفية أو مكتوبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان , المادة رقم 7.
(2)نظام روما الأساسي , المادتان رقم 22 و 23 .
-عدم خضوع الفعل لقاعدة أسباب التبرير
يلزم لأن يكون الفعل المقترف من الشخص جريمة يعاقب القانون عليها , ان لا يكون هناك قاعدة تعطيه تبرير لفعله فإذا وجدت هذه القاعدة تنتفي الصفة الجرمية كليًا فلا يعود مسؤولًا عن فعله (1) .
أسباب التبرير عبارة عن ظروف مادية طرأت وقت إرتكاب الجريمة فأزالت عنها الصفة الجرمية وتحيله إلى فعل له تبرير (2).
اتفقت القوانين الجنائية على قاعدة أسباب التبرير كما ذكرت المواد (59- 62) من قانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960 م.
وأيضًا المواد(26 - 39) من قانون الجزاء الكويتي رقم (16) لسنة 1960 م.
وذكرت المادة 31 الفقرة 1/ ج من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
من أهم أسباب الإباحة في القانون الدولي الجنائي هي الدفاع الشرعي و أداء الواجب :
الدفاع الشرعي :
هو صد الشخص لإعتداء حال بالقوة التي تلزم وذلك لتعذر الاستعانة بالسلطات المعنية لحماية الحق المعتدى عليه (3) .
المفروض أن الدفاع الشرعي هو حق لكل شخص خلق على وجه الكون فله الحق بإستخدام القوة المناسبة و الفعل المناسب لصد الخطر الذي أحاط به و إن القانون الدولي أقر هذا الحق كما فعلت القوانين الداخلية (4).
وبهذا قال قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 في المادة رقم 60.
وقال قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 في المادة
الدفاع الشرعي ينفي الركن الشرعي للجريمة بسبب وجوده فكما هو الحال في القانون الداخلي ذهب القانون الدولي .
فمن ناحية نصوص قانونية بالقانون الدولي :
(1)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 81.
(2)نظام المجالي , نفس المرجع السابق , ص 171.
(3)جواد الصريفي , نفس المرجع السابق , ص 82.
المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة جاء بها :
(ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء 'الأمم المتحدة'وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس- بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق -من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه) (1)
والمادة 31من نظام روما الأساسي في الفقرة ج جاء بها :
( يتصرف على نحو معقول للدفاع عن نفسه أو عن شخص آخر أو يدافع في حالة جرائم الحرب عن ممتلكات لا غنى عنها لبقاء الشخص أو شخص آخر أو عن ممتلكات لا غنى عنها لإنجاز مهام عسكرية ضد استخدام وشيك وغير مشروع للقوة, وذلك بطريقة تتناسب مع درجة الخطر الذي يهدد هذا الشخص أو الشخص الآخر أو الممتلكات المقصود حمايتها, واشتراك الشخص في عملية دفاعية تقوم بها قوات لا يشكل في حد ذاته سبباً لامتناع المسئولية الجنائية بموجب هذه الفقرة الفرعية)(2) .
نستنتج من السابق أعلاه أن القانون الدولي يعترف بحالة الدفاع الشرعي , وقد أعطى صلاحية الى الدول بالرد على أي اعتداء من أي قوة مسلحة لكن النصوص السابقة لم تبين لنا ما هو نوع الرد ووسائله .
أداء الواجب :
أداء الواجب هو السبب الثاني من أسباب التبرير الذي يجعل الفعل المرتكب مباحًا, وهذا السبب المراد فيه هو أن يكون الشخص قد ارتكب فعله الجرمي أثناء القيام بواجب , فنجد الكثير من الأشخاص يمارسون واجباتهم التي يحتمها عليهم القانون أو تنفيذ لأمر أمرته السلطة بالقيام فيه (3).
ففي القوانين الداخلية جاء في المادة 61 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 م : لا يعد جريمة الفعل المرتكب في أي من الأحوال التالية:
1- تنفيذا للقانون. 2- إطاعة لأمر صدر إليه من مرجع ذي اختصاص يوجب عليه القانون إطاعته إلا اذا كان الأمر غير مشروع(4) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ميثاق الأمم المتحدة , المادة 51 .
(2)نظام روما الأساسي , المادة 31 .
(3)نظام المجالي , نفس المرجع السابق ص 194 .
(4)قانون العقوبات الأردني رقم 16لسنة 1960م , المادة 61
وجاء في قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 بنص المادة 63 منه : لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية:
(أولا) إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه.
(ثانيا) إذا حسنت نيته وارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به ال