لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ٢٩ أيار ٢٠٢٥
تعرّفتُ إلى جنى بعد انفصالي عن سهام بأشهر قليلة، وكان يجدرُ بي الانتظار قَبل أن أبدأ علاقة جديدة. لكنّني كنتُ بحاجة إلى نسيان خطيبتي القديمة والمضيّ قدُمًا، بعد أن حاولتُ استرجاعها ورفضَتني مرّات لا تُحصى. هي وجدَت أفضل منّي ولَم تتأخّر عن فسخ خطوبتنا بلحظة، والتصرّف وكأنّنا لَم نتشارَك الحبّ والأحلام والرغبة بإمضاء باقي حياتنا مع بعضنا.
للحقيقة لَم أفتِّش عن بديلة لِسهام، لكنّ الصدَف أرادَت أن ألتقي بِجنى وأُعجَب بها، ليس بالمعنى التقليديّ، لكن بسبب رقّتها وابتسامتها وعَينَيها الواسِعتَين. فلقد انبعَثَ منها حنان كنتُ بحاجة إليه في تلك الفترة، واستمَعتُ إلى نصائح الأصدقاء والأقرباء، وأقدَمتُ على بدء علاقة جميلة مع تلك الانسانة المُتصالِحة مع نفسها. كنتُ سعيدًا معها، وبدأتُ أنسى التي سبقَتها وخُيّلَ لي أنّني سأعيشُ هنيئًا، لِذا خطبتُ جنى وسط فرحة الجميع، خاصّة أمّي التي كانت مهمومة جدًّا في ما يخصّني بعد فسخ الخطوبة الأولى. على كلّ الأحوال، هي لَم تكن تُحِبّ سهام، بل احترمَت فقط رغبتي بالارتباط بها، وبقيَت تقول لي إنّ أفضل شيء حصل لي هو أنّها لَم تصبَح زوجتي.
عشتُ حياة هادئة مع جنى، وصارَ لنا ولدٌ جميلٌ ولَم تخطر سهام ببالي على الاطلاق... إلى حين تلقَّيتُ منها إتّصالًا يوم كنتُ في عمَلي. ولدى سماع صوتها، شعرتُ بِنار تسري في عروقي، نار لَم أحِسّ بها منذ انفصالنا. تلعثَمَ لساني ولَم أستطِع قول الكثير، لكنّها أعربَت لي عن ندَمها على تركي والزواج مِن آخَر. علِمتُ منها أنّ ماله غشَّها، لكن اتّضَحَ أنّ الرجُل إنسان مُتسلِّط وعنيف وغير آبِه بمشاعرها أو حاجاتها. سألَتني عن أحوالي، فأخبرتُها عن جنى وابني وقلتُ لها إنّ حياتي هادئة. عندها هي أضافَت:
ـ هادئة؟ لَم أعهدكَ تُحبّ الهدوء.
ـ يتغيّر المرء.
ـ كنّا نقضي وقتنا باللهو والضحِك ونهوى الإثارة.
ـ كنّا.
ـ أرى أنّكَ تغيّرتَ... أنا لا أزال كما عهدتَني.
ـ جميلة كنتِ.
ـ ولا أزال! لِما لا نلتقي حول فنجان قهوة؟ كأصدقاء، طبعًا.
ـ أنا مُتزوّج ولا أعتقِد أنّ زوجتي سَ...
ـ لا داعٍ لأن تقول لها إنّنا سنلتقي. لن تكون كذبة، بل فقط سرًّا لتفادي شجار مِن قِبَل امرأة تغار مِن دون سبب. ألا يحقّ لكَ أن ترى أصدقاء قدامى، أم أنّكَ سجين؟ لَم أعهدكَ هكذا!
ـ حسنًا، لكن لمرّة واحدة.
لَم تكن طبعًا مرّة واحدة، بل بداية لقاءات سرّيّة، جلستُ خلالها مع حبّ قديم سكَنَ قلبي ولَم يتركه. أخبرَتني سهام كَم أنّها تعيسة مع زوجها العنيف، وكيف أنّها فكَّرَت مرارًا بإنهاء حياتها لأنّها غير قادِرة على تركه بسبب أولادها الذين قد يبقون معه، لأنّه مُحامٍ بارع ويعرف كيف يتلاعب بالقانون، على خلافها.
تبادَلنا قبلتنا الأولى عند ثالث موعد حين كانت معي في سيّارتي، وشعرتُ أنّني أعودُ سنوات إلى الوراء بلحظة واحِدة. وتلك اللحظة أنسَتني جنى وولَدي وكلّ ما يتعلّق بهما، وكلّ ما بتُّ أُريده كان سهام وحبّنا. هي أكّدَت لي أنّها لَم تكِفّ عن حبّي يومًا، والسبب الوحيد الذي دفعَها إلى تركي آنذاك كان ذلك الرجُل البغيض الذي تلاعَبَ بعقلها وغرَّها بماله وبوعوده. ففي تلك الأيّام، كنتُ إنسانًا عادّيًّا ذا دخَل عاديّ ولا أستطيع تأمين لها ما تحلم به. تفهّمتُ تفسيرها وتقبّلتُه، وبدأتُ أحلمُ بأن نعود لبعضنا يومًا. كنتُ أعي أنّني زوج وأب، لكنّ للأحلام قُدرة على أخذنا بعيدًا وأن تُنسينا واقعنا.
في تلك الأثناء، تغيّرتُ طبعًا مع جنى وهي لاحظَت ذلك، إلّا أنّها لَم تشكّ بالسبب الحقيقيّ، بل اعتقدَت أنّني أمرّ بفترة صعبة ستزول إن هي زادَت اهتمامًا وحبًّا لي. لكنّ ذلك زادَ امتعاضي منها، ففي نظري، هي صارَت العقَبة التي تقِف بيني وبين سعادتي الحقيقيّة.
عقَبة ثانية منعَتني وسهام مِن تذوّق حبنا، وهو زوجها الذي كان وحشًا حقيقيًّا، إذ أنّ حبيبتي كانت تُريني الكدمات التي دلَّت على تعنيف شِبه يوميّ، الأمر الذي كان يُشعرُني بغضب شديد ورغبة في تلقين ذلك الزوج درسًا لن ينساه أبدًا.
إستمرَّ الوضع على حاله لأشهر، تخطَّيتُ خلالها حدود القبلات مع سهام، أيّ أنّنا صِرنا عشيقَين بكلّ ما للكلمة مِن معنى. وأثناء جلساتي الحميمة مع سهام في ذلك الفندق الصغير، كنتُ أنسى كلّ شيء آخَر، وأتصوّر أنّها زوجتي وأمّ أولادي، كما كان يجدرُ أن يحصل منذ سنوات.
مِن جهة أخرى، لَم أعُد ألمسُ زوجتي التي باتَت تُشعرُني بالاشمئزاز كلّما اقتربَت منّي، لِذا انتقَلتُ إلى غرفة أخرى وصرتُ أغيب عن البيت مِن دون أن أتكبّد عناء تقديم الأعذار لزوجتي، فلترحل إن لَم يُعجبها الأمر! وهي التجأت إلى أمّي شاكية. وهكذا دارَ بيني وبين والدتي حديث قالَت لي خلاله إنّ عليّ أن أهتمّ أكثر بعائلتي، بالرغم مِن كلّ ما أمرّ به مِن مشاكل، فهذه واجباتي. عندها أجبتُها:
ـ لَم أعُد أريدُ جنى، يا ماما.
ـ الناس ليسوا ألعابًا تسأم منهم بعد أن تلهو بهم. إضافة إلى ذلك، لدَيكَ ولَد يحتاج إليكَ ولأمّه!
ـ لتأخذه هي!
ـ هل فقدتَ عقلكَ؟!؟ ما الذي يجري؟ ما الذي فعلَته لكَ جنى لتُعاملها هكذا؟
ـ لا شيء... أنا فقط لا أُريدُها، أليس ذلك مِن حقّي؟
ـ لا، هذا ليس مِن حقّكَ. أنا لَم أُنشِئكَ هكذا أبدًا. إسمَع، إن تركتَ جنى وابنكَ، إعلَم أنّني سأنكرُكَ! أفهمتَ؟!؟
ـ إفعلي ما شئت!
أخجلُ اليوم مِن ذلك الحديث، لكن آنذاك كنتُ قد فقدتُ صوابي مِن أجل امرأة عرفَت كيف تستغلُّني.
في تلك الأثناء، كبرَ حقدي لزوج سهام الذي كان يُهينها ويُعنّفها ولا يُريدُ إعطاءها حرّيّتها. هي خافَت حتّى على حياتها بعد أن هدّدها بالقتل مرّات عدّة. إضافة إلى ذلك، كان يُجبرُها على مُعاشرته وبطرق لا تُرضي أيّ دين أو عُرف.
مرَّت سنة كاملة منذ إن اتّصلَت بي سهام لأوّل مرّة، وكنتُ قد صرتُ تحت تأثيرها الكلّيّ وأُخطّط معها للهروب سويًّا إلى أحَد البلدان المُجاوِرة، تاركَين كلّ شيء وراءنا للبدء مِن جديد، حين وصلَني منها إتّصال سمِعتُ خلاله بكاءها وصراخها: 'أسرع! إنّه يُريدُ قتلي! سأموت بين لحظة وأخرى!!!'. كان الوقت مُتأخِّرًا للغاية ولَم أكن مُحضَّرًا لتلك الحادثة، بل كنت غارقًا في النوم. قمتُ مِن الفراش كالمجنون ولَم أردّ على زوجتي حين هي سمِعَتني أخرج وسألَتني أين أنا ذاهب في هكذا ساعة، بل قدتُ سيّارتي بسرعة فائقة إلى منزل سهام الزوجيّ.
لدى وصولي، فتحتُ صندوق سيّارتي وأخذتُ المفتاح المُخصّص لفكّ الإطارات، ووجدتُ سهام واقفة عند الباب تبكي وترتجِف مِن الخوف. عانقتُها وهي قالَت لي إنّه بالداخل وهو هدّدَها بقتلها منذ دقائق قليلة، وأنّ الأولاد، لِحسن حظّهم، عند جدّتهم.
دخلتُ البيت المُظلِم ولَم أرَ أحَدًا على الاطلاق. لحِقَت بي سهام وهمسَت في أذني: 'إنّه في غرفة النوم، هيّا، إصعَد إليه'. صعدتُ السلالِم التي تؤدّي إلى غرَف النوم ولَم أسمَع حِسًّا أو حركة، بل لدى وصولي الغرفة الزوجيّة، سمِعتُ صوت شخير رجُل. عندها استدَرتُ نحو سهام التي كانت تلحق بي وهمَستُ لها: 'إنّه نائم! كيف تقولين إنّه يُريدُ قتلكِ؟!؟'. تلبّكَت عشيقتي وأجابَت: 'إن لَم يفعَل الليلة، فسيفعل الغد. عليكَ إنقاذي، هيّا، إنهِ الموضوع لنكون سعيدَين سويًّا!'.
عدتُ أدراجي بسرعة وخرجتُ مِن البيت معها. أمسكتُها بكتفَيها ونظرتُ في عَينَيها ورأيتُ برودة لا توصَف. فهمتُ أنّ تلك المرأة أرادَت استعمالي للتخلّص مِن زوجها وليس أكثر. تركتُها حيث هي وركبتُ سيّارتي بينما هي صرخَت لي: 'عُد، أيّها الجبان!'. وصلتُ مرآب بيتي وانا في حالة يصعب عليّ وصفها، فكانت مزيجًا مِن الغضب والحزن والخذلان... والخجَل. بقيتُ في سيّارتي مدّة نصف ساعة، ثمّ اتّصلتُ بزوجتي طالبًا منها موافاتي. إستغربَت جنا كثيرًا لطلَبي لكنّها وضعَت روبًا عليها وجاءَت تجلسُ إلى جانبي في السيّارة. وأخبرتُها كلّ شيء وأنا أرتجِف وأبكي في آن واحِد، مُضيفًا أنّني حقير ولا أستحقُّها وبإمكانها تركي، واعِدًا إيّاها بإعطائها الشقّة والحضانة ونفقة مُريحة. هي لَم تقُل شيئًا، بل استمعَت إليّ بِصمت ثمّ عادَت إلى البيت. بقيتُ لوحدي حيث أنا، إلى أن غلبَني النعاس وغرقتُ في نوم ثقيل.
وحين استفَقتُ بعد ساعات، قدتُ إلى أمّي ورمَيتُ نفسي في أحضانها وبكيتُ كلّ دموعي. هي داعبَت شعري بحنان، وطلبَت منّي المكوث عندها لفترة ريثما يتوضّح ما تريدُ جنى فعله، ووعدَتني أن تُكلّمها بالنيابة عنّي. حظرتُ سهام على هاتفي وكلّ طرق التواصل معها، فتلك المرأة كانت بالفعل شرّيرة وأنا رجُل ضعيف وبلا أخلاق. كنتُ أستحقّ ما يحصل لي، وجاهِزًا لتقبّل أيّ قرار تأخذه زوجتي بحقّي. مِن جهة أخرى، بحثتُ عن رقم هاتف زوج سهام، وبعثتُ له رسالة مِن حساب مُزيَّف أنشأتُه، لأُنبّهُه بأنّ زوجته تُريدُ التخلّص منه بأيّة طريقة. فكنتُ مُتأكّدًا مِن أنّه ليس عنيفًا كما تُصوّره، بل أرادَت ماله بأكمله وليس أكثر.
طلبَت جنى الطلاق، فلَم يسَعها نسيان ما فعلتُه وما كنتُ أنوي فعله، فبقيتُ حيث أنا بينما راحَت أمّي تعيشُ مع زوجتي بصورة دائمة كما هي طلبَت. أرى ابني بانتظام، ولا أزال آملُ بأن تسترجِعني جنى وأستعيد عائلتي مِن جديد.
حاورته بولا جهشان