اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٩ أب ٢٠٢٥
العاصفة القادمة: وعي الشعوب بين محنة الانقسام وفرصة التجديد #عاجل
كتب - كابتن اسامه شقمان
ليست العاصفة التي تلوح في الأفق مجرد حدث عابر أو أزمة مؤقتة؛ إنها لحظة كاشفة تختبر عمق الوعي الجمعي وقدرته على التماسك في وجه التحديات. فالتاريخ لا يكتب بقرارات فجائية، بل بانكشاف التصدعات الداخلية التي أهملتها الشعوب طويلاً. وعندما تتقاطع الأزمات الداخلية مع محيط إقليمي مضطرب، تصبح المجتمعات أمام امتحان حقيقي: إما النهوض على أسس العدالة والوعي، أو الانزلاق في دوامة لا تنتهي من التشرذم والفوضى.
الخطر لا يأتي من الرياح الخارجية وحدها، بل يتغذى من الداخل أيضاً: من الأنانية، من غياب العدالة الاجتماعية، ومن ضعف الثقة بين المواطن ومؤسساته. فالوطن لا يُختزل في شعارات أو حدود، بل هو فكرة حيّة تستمد قوتها من وعي أبنائها بها، ومن قدرتهم على تجاوز مصالحهم الفردية لمصلحة الجماعة. وكلما ضعفت هذه الروابط، أصبح الكيان الوطني هشاً أمام أي عاصفة.
ما نراه في جوارنا القريب يقدم أمثلة واضحة: انقسامات داخلية في أكثر من دولة، شد وجذب بين الهويات الجزئية والهوية الجامعة، وصراعات حول من يمتلك الشرعية ومن يحتكر القوة. هذه النماذج تُظهر بجلاء أن غياب التوازن بين الانتماء الوطني والولاءات الأصغر يُضعف قدرة الشعوب على مواجهة التحديات الكبرى.
وفي الساحة الفلسطينية، يواجه الشعب في غزة والضفة الغربية تحديات مركّبة: حصار طويل الأمد، انقسام داخلي، وتصاعد الأزمات الإنسانية. ما يزيد الصورة قتامة هو المشهد المأساوي في غزة حيث يطل شبح المجاعة، وسط بطء استجابة المنظومة الدولية. أما مجلس الأمن، الذي يُفترض أن يكون مظلة للعدالة الدولية، فيبدو في كثير من الأحيان عاجزاً أمام الانقسامات السياسية بين القوى الكبرى، الأمر الذي يعمّق معاناة المدنيين بدلاً من أن يخففها.
في أكثر من بلد عربي ما يزال السؤال قائماً: هل الدولة هي المرجعية الوحيدة التي تحتكر القوة لحماية الجميع، أم أنها مجرد ساحة تتقاسمها قوى متعددة كلٌّ وفق رؤيتها؟ هذا السؤال ليس تفصيلاً سياسياً، بل جوهر وجودي يتصل بمعنى الدولة ذاتها، وبثقة المواطن بأن كيانه الجمعي أقوى من أي ولاء جزئي.
إن الأزمات الكبرى قد تكون مدخلاً للفوضى والتفكك، لكنها في الوقت نفسه قد تفتح الباب أمام تجديد الفكر والوعي. فالعاصفة ليست دائماً ريحاً عاتية تهدم، بل قد تكون مرآة تكشف العيوب وتمنح فرصة للإصلاح إذا أحسنّا قراءتها. ويبقى الفارق بين الانهيار والنهضة هو القدرة على مواجهة الذات بصدق، والالتزام بالعدالة، وتقديم المصلحة العامة على الحسابات الضيقة.
قيمة المجتمعات لا تُقاس بكمّ ما يحيط بها من أزمات، بل بقدرتها على النهوض كلما هبّت العواصف. اليوم، تبدو المنطقة كلها في عين العاصفة: من تحديات الداخل إلى مآسي غزة، من انقسامات الهويات إلى عجز المؤسسات الدولية. لكن الخلاص لا يكون بالانتظار أو بالتمني، بل بالوعي الجمعي الذي يدرك أن المستقبل ليس قدراً مفروضاً، بل بناء صعب يتطلب وحدة، وعدالة، وشجاعة أخلاقية. فإما أن نقرأ رسائل العاصفة ونحوّلها إلى فرصة للتجديد، أو نغرق جميعاً في تيه طويل لا نهاية له.
.