اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
(النوع السردي) تفك الباحثة الدكتورة نادية هناوي الالتباس المفاهيمي ما بين الأنواع الروائية الواقعية والسيرية والتاريخية والمذكرات واليوميات، ونوع آخر أقل حظوة في عالم الكتابة السردية هو الرواية التسجيلية. الأمر الذي يقتضي التفريق بينها وفقاً لاشتراطات كتابة كل نوع منها على حدة، بحسب الشرق الأوسط.
الكتاب الصادر أخيراً عن «مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع» بالعراق تشخص فيه المؤلفة خصوصية كتابة الرواية التسجيلية، والأسباب التي تجعل الروائيين يعزفون عن كتابتها. وتتمثل تلك الخصوصية في ضرورة الغوص في أعماق الواقعة المراد تسجيلها من أجل التقاط التفاصيل كلها. ما يجعل العودة إلى الوثائق والرصد الإخباري أمراً مهماً في تدوين الأحداث الرئيسة منها والعرضية، وضمن إطار زماني محدد. وبسبب هذا كله لا تهتم الرواية التسجيلية ببناء الحبكة قدر اهتمامها بتسلسل الأحداث حسب مواقيت وقوعها في الزمان التقويمي أو الروزنامي.
وترى المؤلفة في كتابها الجديد - وهو يحمل رقم 39 من مجموع كتبها - أنه مثلما تعاني الرواية التسجيلية القلة العددية على مستوى الإنتاج الإبداعي، فكذلك تعاني ازوراراً من لدن المنظّرين والنقاد الغربيين الذين لم يعنَوا بالسرد التسجيلي في الغالب. وليست لهم تنظيرات مخصوصة فيه باستثناء حالات قليلة، فيها يكون تناولهم لهذا السرد عرضياً في سياق موضوعات الواقع والتاريخ والمجتمع والإنسان والزمان وطروحات أُخر، قد تلامس من طرف بعيد السرد التسجيلي.
ولأن أدوين موير أول باحث غربي خصَّ الرواية التسجيلية بالتنظير، افتتحت المؤلفة كتابها بمقولته: «في الحياة لحظات نبدو فيها، وكأننا نرى جميع أفعالنا بأسبابها ونتائجها، وتسلسها عبر الزمان، كل ذلك في لمحة واحدة».
وتؤكد الدكتورة هناوي بدءاً من مقدمة كتابها أننا لو بحثنا في المدوّنة النقدية الغربية، بل العربية عن تنظيرات مخصوصة بهذه الرواية، فسنجدها محدودة جداً. وليس السبب قلة كتابة هذه الرواية فحسب، بل هو أيضاً اختلاط جماليات الكتابة التسجيلية بالكتابة الواقعية والتاريخية والأتوبوغرافية. ويبدو أن قلة كتابة الرواية التسجيلية هي التي تجعل آفاقها ومواضعات استعمالها غير جلية أو ملتبسة عند كثير من الكتّاب والنقاد على حد سواء.
يأتي هذا الكتاب في إطار نظرية الأجناس الأدبية، وتحديداً نظرية «العبور الأجناسي»، وهي من ابتكارات الباحثة، اشتغلت على توطين مفاهيمها في عدد من كتبها النقدية. وما تراه هو أن دراسة الرواية التسجيلية من ناحية البحث في ملامحها الفنية، وتحديد شروط كتابتها نوعاً سردياً، إنما يؤكد عبور قالب الجنس الروائي على الأنواع والأشكال السردية من جهة، ويسد من جهة أخرى النقص في مجال النقد الأدبي العربي الذي هو غافل - شأنه في ذلك شأن النقد الغربي - عن البحث في جماليات الرواية التسجيلية أو حتى تعميق الوعي بمسائلها. ولعل أهم هذه الجماليات أن الرواية تُكتب واحتدامات الواقع المَعِيش المصيرية المحددة بمدة زمنية؛ ما يكشف هول معطياتها وأثرها العميق في بنية المجتمع حاضراً ومستقبلاً.
ومن الأسئلة التي يثيرها الكتاب: هل توظِّف الرواية التسجيلية الواقعي أو التاريخي أو هما معاً؟ وما الذي يميز السرد التسجيلي عن السرد التاريخي، وكيف تغدو الرواية التسجيلية نوعاً مستقلاً، يكترث بالحركتين معاً؛ حركة الواقع التأريخية والحركة التاريخية؟
تقوم أطروحة الكتاب على وضع مقاربة مفاهيمية ذات أبعاد نظرية فنية وموضوعية، تفضّ بعض التعقيدات أو الالتباسات الإجرائية حول الرواية التسجيلية وأهمية التفريق في كتابتها بين زمان السرد الذي تحكمه مقايسات فيزيقية، وهو أمر أساسي في الرواية التسجيلية وبين سرد الزمان الذي تحكمه العلاقات والتحولات، وهو أمر أساسي في كتابة الرواية التاريخية. وما دام الكاتب التسجيلي يتتبع كل شاردة وواردة في الواقعة المسجلة؛ فإنه لا فجوات داخل الإطار العام التوثيقي. ذلك أن هدفه هو سرد تفاصيل الأحداث الحاصلة فعلاً، وليس طريقة عرضها. في حين يُعنى المؤرخ بطريقة عرض الأحداث، متخذاً من التسبيب المنطقي أسلوباً يجعل مخزونات الذاكرة لا تتداعى إلا بالشكل الذي يُصعِّد دراماتيكية الحبكة السردية، ويُوصل إلى نهاية معينة ومطلوبة، فيها مفارقة فنية تترشح عنها وجهة نظر معينة.
وعن تحدد ماهية التسجيل، تقول المؤلفة: إنَّه فعل مثالي لأنه يبحث عن الحقيقة، ومن شروطه التفصيل التتابعي المتسلسل للجزئيات من دون أدنى اختزال أو انتقاء. ولا يكون عمل الذاكرة محصوراً في استدعاء ما هو مهم واستثنائي، بل هو يقوم على ذكر كل حدث مهما كان عابراً وغير مهم. وقد تساعد الوثائقُ الذاكرةَ في عملية الاستدعاء؛ فهي العامل المساعد الذي يجعل فاعلية تسجيل التفاصيل موجهة نحو رصد الحقيقة.
يتوزع الكتاب ما بين أربعة فصول تترابط من حيث البناء الموضوعي والرؤية النظرية، والبحث في إبستمولوجية مفاهيم: التأريخ والتاريخ، الذاكرة والرواية التسجيلية، التسجيلي والتاريخي.
واختتمت الباحثة هذه الفصول بخلاصة استنتاجية تؤكد من خلالها أن الرواية التسجيلية مغامرة في مجال التنظير لرواية ذات خصوصية وظيفية، تتمثل في توثيق الحياة بصفتها مغامرة تجري في زمان محدد معيش ومنتهٍ أيضاً.