اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ١٨ أيلول ٢٠٢٥
نبيل مملوك
منذ تجربتها الروائيّة الأولى، تحاول نورا ناجي أن تخرج بنصّ مختلف، تبدأ بالواقع، تفكّكه، تعتمد على القراء كخريطة لها في سبيل بناء الشخصيّة وتحوّلاتها، حتّى اللحظة تحرص على جعل معظم أبطال نصّها نساء، وتتنقّل من صوت روائي إلى آخر، كأنّها تتنقّل من مدينة إلى أخرى، تمنح الشخصيّة مساحتها اللغويّة والعاطفيّة، وتترك لنفسها مساحة لصياغة العوالم بتفرّد، بعد احتكاكها الثقافي والمجتمعي بأحداث وسلوكيّات عدّة…هي التي كانت لا تتوقّع أن تتحوّل مجموعتها القصصيّة «بنات الباشا» إلى عمل يعانق الشاشات المصريّة والعربيّة لانشغالها بتفاصيل النّص والغوص فيما يحبّه مخيال القارئ وخياله… نورا ناجي اليوم قبلت دعوتنا إلى حوار يخرج نوعا من خصوصيّات الكتابة والأدب نحو الخطوط العريضة، حوار سريع، عشرة أسئلة عرّفتنا فيها صاحبة روايات «بيت الجاز»، «أطياف كاميليا»، «سنوات الجري في المكان» وقصص بنات الباشا والكاتبات والوحدة على دواخلها الثقافيّة والإنسانيّة.
*عادة تكتبين لتعثري على نفسك أو لتعثري على نصّك الخاص؟
ـ أكتب لأعثر على نفسي، لكن أجد النص في الطريق. الكتابة بالنسبة لي هي محاولة لفهم نفسي أولا، لأن النص الجيد لا يولد من فراغ، بل من أسئلة معلّقة داخل الكاتب نفسه. مع كل رواية أعتقد أنني وصلت إلى نقطة قصوى، لكنني بعد الانتهاء منها أعود إلى نقطة الصفر، تكبر الأسئلة داخلي، وتتحول وتتغير، تذهب وتأتي مثل موج البحر، فأبدأ في كتابة جديدة أجد فيها نفسي الجديدة.
*في «سنوات الجري في المكان»، هل حاولتِ كتابة جزء من تاريخ مصر الحديث بصيغة اجتماعية؟
ـ لم يكن ذلك قصدي الأساسي، لكن «سنوات الجري في المكان» حالة خاصة، حاولت فيها التقاط بعض الملامح الاجتماعية التي شكّلت جيلي، مثل الاغتراب الداخلي، والخوف من المستقبل والعلاقة المربكة مع المكان. مثل الشعور بتجمد الزمن وفقدان الحواس، أردت التعبير عن تلك الحالة من الخذلان، الاكتئاب والشعور بأننا غيبنا عن الواقع بشكل ما، غرقنا في حلم لذيذ واستيقظنا على واقع لم نعد قادرين على العيش فيه. لم أكتب التاريخ بوعي، لكنني كتبت أثره على الناس العاديين.
*ما الفرق بين نورا ناجي القاصة ونورا ناجي الروائية.. وما الذي يمنعك من دخول معترك السيناريو؟
ـ نورا القاصة تلتقط لحظة واحدة مكثفة، بينما نورا الروائية تحب التنقل في الزمن وصوت الشخصيات ومساراتها. لذلك أحب القصة لكنني أحب الرواية أكثر، لأنها تمنحني تلك الرحلة الطويلة مع اللعب والتلاعب باللغة والخصوصيات والأحداث والتقنيات. أما السيناريو، فأعتقد أن الصورة البصرية تحدّني قليلا، بينما أجد حريتي الكاملة في السرد المكتوب، أرى أن السيناريو تخصص ضخم ومستقل وأحب تركه للمتخصصين فيه.
*بين الفلسفة واللغة الإنكليزية، هل كانت نورا ناجي تستريح من كونها روائية؟
ـ ربما كنت أهرب إلى اللغة الإنكليزية لا لأستريح، بل لأعيد ترتيب أفكاري خارج اللغة الأم. أما الفلسفة، فكانت ملاذا فكريا، لكنها أيضا عبء ثقيل أحيانا، إذ تجعلني أعود إلى الكتابة بأسئلة أكثر من الأجوبة. في المجمل الدراسة تجعلني أعيش من جديد، ربما هي طريقتي في العودة بالزمن، وخوض تجربة الدراسة في الجامعة مرة أخرى بوعي أكبر لكل دراميتها وأهميتها. إنها تجربة شاقة لكن ممتعة ورائعة.
*لو اخترتِ أربعة روائيين (2 من الأحياء و2 من الأموات) لتعزميهم إلى مأدبة عشاء، من تختارين؟
الأحياء: هان كانغ وجومبا لاهيري
الأموات: بول أوستر ورضوى عاشور
لأن بين هؤلاء الأربعة سأحصل على مزيج من الحكمة والفكاهة والتأمل والفوضى الجميلة.
*كيف تنظرين إلى النقد… هل هو مرآة لتجربتك أم تصحيح لها؟
ـ النقد أراه مرآة، لكنه أحيانا يكون كمرآة مضببة؛ لا أرفضه، لكن أتعلم منه ما أحتاجه فقط. الكاتب لا يستطيع رؤية عمله بموضوعية كاملة، لذا النقد قد يساعد في لحظة ما، لكنه ليس شرطا أن يحدد مساري بالكامل، لذلك أقبله دوماً، وأتواضع أمام النقد سواء من متخصصين دارسين أو من القراء، لكني لا أسمح له بأن يحبطني أو يعطلني، أستفيد منه بالطبع وأتجاوز عما يمكن أن يثير ضيقي.
*أي تجربة روائية هي الأقرب إلى قلبك.. ولماذا؟
ـ ربما «بيت الجاز»، لأنها التجربة الأكثر صدقا مع نفسي، وكنت أكتبها دون تفكير في النشر أو الشكل النهائي، فقط أكتب لأعيش مع الشخصيات. بالذات شخصية الكاتبة رضوى، عبرت فيها عن وجهة نظري الحقيقية نحو الكتابة وألمها، نحو الوسط الثقافي بشكل عام، ونحو نفسي أيضاً، كل الخيبات والإخفاقات، وكذلك كل فرح الكتابة ودهشتها والشعور الغريب بالخفة الذي يجتاحنا بعد الانتهاء من نص.
*هل يعتمد إلهامك على الموسيقى أو المكان، وهل يمكن للروائي أن يكون ملهم نفسه؟
ـ المكان أحيانا يحرّك شيئا داخلي، لكن الموسيقى ضرورية جدا في الكتابة، هي ما يربط بيني وبين النص. رغم أنني لا أستمع إلى الموسيقى وأنا أكتب، لكن ثمة أغنية تدور في ذهني، أغنية مختلفة لكل نص، وربما عدة أغاني أو مقطوعات موسيقية، أشعر بها وكأنها خلفية الرواية، وربما تظهر بشكل ما خلال الكتابة. أما الروائي، نعم يمكنه أن يلهم نفسه، خاصة في اللحظات التي يشعر فيها بأنه لا يمتلك شيئا سوى الكتابة.*يقول الروائي الأمريكي ويليام فوكنر، إن الروايات هي بنات كاتبها، هل تعتبرين فاتيما ابنتك، روايتك المكتوبة باستمرار؟
ـ نعم، فاتيما حاضرة دائماً، أكتب من أجلها، في الواقع، أنا أستيقظ كل صباح من أجلها ومن أجل الكتابة. أكتب لتفخر بي ذات يوم، وأكتب لأترك لها إرثاً حقيقياً لتعرفني أكثر حتى بعد رحيلي.
*في عصر الذكاء الاصطناعي… في أي مرتبة ترى نورا ناجي القارئ العربي؟
ـ أرى القارئ العربي في مرحلة انتقالية، بين رغبة في الحفاظ على القراءة كفعل مقاومة، والانجراف نحو المحتوى السريع، لكنه لا يزال مهما، وربما أكثر أهمية الآن، لأنه يختار أن يقرأ رغم كل المشتتات، وأعتقد أن الكتابة من أجله اليوم مسؤولية أكبر.